التاريخ السوري

حول السياسة الخارجية لحكم البعث خلال ستة عقود

دفعت المناطق والمدن المجاورة للحدود ثمنا غاليا لسياسات البعث التي كانت ترفع مستوى العداء بين البلدين كل يوم

صبري عيسى- العربي القديم

لم تنجح السياسة الخارجية لنظام البعث خلال حكمه المديد لسورية في تحقيق اي مصلحة وطنية لسورية مع اهم جارين لها وهما العراق وتركيا، بل تسببت في الاضرار بمصالح البلاد والعباد !

رغم أن سورية والعراق محكومتان بحزب واحد يرفعان شعارات وأهدافاً واحدة وأيديولوجية مشتركة، لكن العداء بين البلدين والحزبين كان أشد ضراوة من العداء بين سورية وإسرائيل، ووصل الأمر ان النظام البعثي في سورية اعتبر ان زيارة العراق لاي سوري تماثل زيارته لإسرائيل، وحددت في جوازات سفر مواطنيها التشدد في منع زيارة العراق وإسرائيل في وقت واحد. وقام نظام الاسد بالوقوف الى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية، والتحالف مع الفرس ضد العراق، مع ان العراق كان يحارب إيران لمصلحة كل العرب، ومن أجل إيقاف الأطماع الفارسية في الشرق الاوسط، لقد كان بالفعل حارس البوابة الشرقية لكل الوطن العربي. لم يكتف نظام الأسد بهذا، بل واشترك في غزو العراق عام 2003، وشارك أعداء العراق في سقوط بغداد وبالتالي تسليم مقدرات الدولة العراقية للنظام الإيراني! 

تسببت هذه القطيعة بين البلدين في الإضرار بمصالح سورية كتوقف مرور النفط العراقي عبر الاراضي السورية وخسارة سورية مصدر هام يزودها بالنفط العراقي مع حرمانها من أجور مرور للنفط العراقي كانت تشكل دعما هاما للموازنة السورية ، مع الاضرار الشديد لعلاقات حسن الجوار مع كل الدول المحيطة بسورية ، مع ان المناطق المجاورة للحدود بين سورية والعراق كانت تربط سكان البلدين بعلاقات اسرية وعائلية وصولا حتى دير الزور، ودفعت المناطق والمدن المجاورة للحدود ثمنا غاليا لسياسات البعث التي كانت ترفع مستوى العداء بين البلدين كل يوم، مع اتهام اي سوري يصافح اي عراقي بالخيانة  !

تعتبر الحدود بين سورية وتركيا اطول حدود بين سورية وأي بلد مجاور وتمتد لأكثر من 900 كيلو متر، ومعروف ان جنوب تركيا وشمال سورية تحكمهما علاقات ومشتركات اقتصادية واجتماعية واسرية خلال الحكم العثماني لسورية الذي استمر 400 عام .

في كل علاقات نظام البعث مع الجار التركي كانت تتبنى التحريض والعداء خلال ستة عقود، مع ان نصف سورية يعتمد على مياه الفرات في شربه وزراعته ، وقابل الطرف التركي هذه السياسة باستفزاز مماثل ادى الى تقنين معدلات غزارة نهر الفرات في مساره السوري والعراقي مع الإضرار بحياة الناس وزيادة معدلات العطش والحاجة للتوسع في ري المناطق السورية وانخفاض المساحات المزروعة في محافظات دير الوزر والرقة والحسكة التي كانت تشكل الخزان الاهم لزراعة القمح في سورية الذي كان إنتاجه يزيد عن حاجة البلاد ويسمح بتصدير الفائض منه !

سياسات البعث مع الجار التركي لم تكن وطنية لمصلحة البلاد، وكانت رهانات حكومات البعث تعتمد سياسات عدائية تسببت في الحاق الاذى والاضرار بمصالح البلاد الاقتصادية، وادى قيام حكومات الاسد بشيطنة الاتراك بالتحالف مع الاكراد الاتراك الذين يناصبون العداء لحكوماتهم واستقبلت اوجلان لتصعيد العداء بين البلدين، وما لبثت ان تخلت عنه خوفا من التهديد التركي باجتياح سورية !

اليوم وبعد التخلص من نظام البعث والاسدين الأب والابن عادت العلاقات السورية – التركية الى مسارها الطبيعي لما فيه مصلحة البلدين، مع التذكير بان تركيا استقبلت أكثر من ثلاثة ملايين سوري على ارضها هربوا من بطش نظام الاجرام الاسدي، واعتمدت الحكومة التركية سياسة الانفتاح على سورية في عهدها الجديد مع الدعم الكامل للاقتصاد السوري واعلان الحكومة التركية دعم الكهرباء وتزويد سورية بالغاز ومساعدة الحكومة السورية في اصلاح ما دمره نظام البعث والاسدين في سورية، اليوم وفي مواجهة احوال الجفاف وانخفاض معدلات الهطول المطري هذا العام في دمشق وريفها تشتد الحاجة الى توفير مصادر مياه اضافية لدعم حاجة مدينة دمشق وريفها من المياه، ودمشق تتوسع كل عام ولم تعد مياه الفيجة وكل مصادر المياه التي تغذي دمشق وريفها خلال السنوات السابقة كافية لإرواء عطش المدينة، والخيار الممكن والوحيد هو تزويد دمشق بمياه الفرات، ولن يبخل الجيران الأتراك بزيادة معدلات ضخ نهر الفرات لدعم مشروع ايصال مياه الفرات لدمشق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى