فنون وآداب

روائيون من أصول عربية يخترقون المشهد الأدبي الفرنسي، ويرفعون أصواتهم ضد العنصرية

الأدب المكتوب بالفرنسي غني جداً، سواء الفرنسي منه، أي المكتوب في فرنسا كوطن، أو الفرنكفوني المكتوب بالفرنسية،  لكن من كتاب ليسوا فرنسيي الهوية، سواء كانت الفرنسية لغتهم الأم، كحال بلجيكا، أو الكيبك الكندية، وبعض أجزاء سويسرا، أو الدول الناطقة بالفرنسية ثقافةً، وعلماً، كحال الجزائر والمغرب وأكثر دول غرب إفريقيا.

ومع أن للكتاب الفرنسيين ذوي الأصول العربية دور مهم، منذ عشرات السنين، ربما يكون أشهرهم أمين معلوف من لبنان، ألبير قصيري من مصر، أو الطاهر بن جلون من المغرب، فقد أصبح تواجد الأدباء العرب أكثر، وأكثر أهمية في المشهد الروائي الفرنسي في السنوات الأخيرة.

سأرافقكم في هذه المادة، مع بعض أهم الأسماء العربية التي لقيت مكانة مهمة في المشهد الروائي الفرنسي خاصة هذه السنة، سواء من روائيين جدد ينشرون للمرة الأولى، أو أسماء كرّست نفسها بشكل أكبر منذ بداية العام، وكانت معروفة بشكل ما من قبل، ولنبدأ مع كاتبين جديدين، نشروا للمرة الأولى هذه السنة  بدور نشر مرموقة، وأصبحت لهم مكانة هامة بسرعة كبيرة 

سلمى المؤمني Salma Elmoumni

مع عملها الأول وداعا طنجة Adieu Tanger  عن دار نشر غراسي المرموقة Grasset . أصبحت سلمى حديث مواقع التواصل الاجتماعي، و القراء عموماً في فرنسا ، بأسلوب رقيق جداً ، تروي قصة  عليا ، الفتاة المغربية التي تقع في حب شاب فرنسي يعيش في المغرب، فيقوم هذا الشاب بنشر صور إباحية لها على النت (قصة مكررة جداً)، لتهرب عليا من المغرب لمدينة ليون الفرنسية ، وتواجه مشاكل جديدة، أهمها العنصرية، فتقع في مأزق وجودي، فلا هي قادرة على العودة لأهلها بالمغرب، بعد فضيحة الصور، ولا تتحمل العنصرية المفروضة عليها في ليون. قصة عليا على بساطتها، تحمل سؤالاً جوهرياً واجه معظمنا كسوريين ، نتعرف للمرة الأولى على تجربة المنفى وآلامه، فلا نحن قادرون على الإحساس بالسعادة التي كنا نمنّي أنفسنا بها في بلاد الحرية، و لا نستطيع العودة إلى وطن التشبيح. سلمى المؤمني صوت عربي جديد انطلق في سماء الأدب الفرنسي ، يحمل هماً عربياً بلغة فرنسية راقية.

مهدي عروي Mehdi Ouraoui

أيضاً صوت روائي حديث، بدأ مسيرته الأدبية هذه السنة مع رواية شبحي Mon Fantôme 

تتحدث الرواية عن أستاذ مدرسة جزائري، يلتقي في أحد الباصات المغني المشهور رشيد طه، لكن بعد ثلاثة أشهر من وفاة هذا المغني الأيقونة، تبدأ سلسلة بوح حميمي وشخصي بين شبح هذا المغني، وهذا الأستاذ، عن الآمال، والأحلام التي داعبت مخيلة كل منهما، عن صعوبات الحياة، عن الانكسارات أيضاً، ولكن أيضاً عن العنصرية التي يواجهها الأجانب في فرنسا. 

لغة مهدي عذبة جداً، ومؤثرة، تحمل شحنة عاطفية جبارة، أثرت القراء الفرنسيين.  الرواية أيضا صدرت هذه السنة عن دار فيار المشهورة Fayard

ياسمينا بن أحمد داحو Yasmina Benahmeed Daho 

عن دار غاليمار المعروفة، أصدرت هذه السنة الكاتبة الفرنسية من أصول جزائرية ياسمينا بن أحمد داحو روايتها الرابعة، بعنوان منبع الأشباح la sourse des fantomes، وهي تضرب على واحدة من أكثر الأوتار الحساسة، في تاريخ العلاقة بين فرنسا والجزائر، وهم مجموعة الحركي Harki. وهم الجزائريون المتعاملون مع فرنسا، والذين حاربوا مع جيشها، إبان حرب الاستقلال خاصة، وبعد رحيل فرنسا عن الجزائر، رافقوا الجيش الفرنسي، لكنهم لقوا معاملة سيئة من الفرنسيين أنفسهم، بعد وصولهم إلى فرنسا، وعانوا كثيرا هم وأولادهم. الرواية أيضاً تتكلم عن العنصرية، وصعوبات الحياة التي واجهها العرب عموماً، والحركيون بوجه خاص. 

الرواية سيرة ذاتية للكاتبة، المولودة في فرنسا، لأب حركي (1)، هاجر من الجزائر. 

رشيد بن زين Rachid Benzine 

رشيد أيضاً من الأسماء التي لمعت في السنوات الأخيرة في سماء الأدب الفرنسي،  يتميز بلغته السلسة والمتمكنة جداً. هذه السنة أصدر رواية صمت الآباء les silences des pères  عن دار نشر سوي seuil وهي واحدة من أشهر دور النشر الفرنسية، يروي في روايته هذه قصة عازف البيانو أمين، الذي يعيش لمدة ٢٥ سنة في قطيعة شاملة مع أبيه، وحين يتلقى خبر وفاة الأخير، يذهب ليشارك عائلته مراسم الدفن وإفراغ شقة والده، ليجد فيها مصادفة مجموعة من أشرطة الكاسيت مسجلة بواسطة والده، يروي فيها معاناته، منذ لحظة وصوله لفرنسا، ليمضي أمين، ويتعرف على أصدقاء والده القدامى، يتعرف على قصة المهاجرين الأوائل الذي عملوا في المناجم بظروف عمل قاسية. 

الرواية تتحدث أيضاً عن العنصرية، وسوء المعاملة التي لقيها الأجانب في فرنسا، والصراع الذي خاضوه، لتحسين شروط العمل، ونيل حقوقهم.

رشيد كاتب مميز جداً، لفت نظر القراء الفرنسيين، منذ عدة سنوات، ولاقت روايته التي صدرت منذ عدة أسابيع نجاحاً، وانتشاراً مميزاً.

ليلى سليماني

تعتبر سليماني المولودة في الرباط عام ١٩٨١، واحدة من أهم الأسماء الأدبية في فرنسا، فمنذ فوزها بجائزة غونكور المرموقة في ٢٠١٦ عن روايتها أغنية هادئة (ترجمت إلى العربية، وصدرت عن المركز الثقافي العربي في المغرب)، وهي واحدة من الأكثر الكتب مبيعاً.

 بالإضافة إلى المسار الأدبي، لسليماني مكانة سياسية هامة، فقد ساندت الرئيس ماكرون في الانتخابات،  وكانت المبعوثة الشخصية له لدى المنظمة الفرنكفونية.

هذه السنة أيضا نشرت رواية عن دار فوليو folio بعنوان “انظروا إلينا ونحن نرقص”، “بلاد الآخرين” الجزء الثاني، وذلك بعد الشهرة والانتشار الكبير الذي لاقاه الجزء الأول (تُرجم إلى العربية أيضاً، وصدر عن المركز الثقافي العربي في المغرب).

يشار أيضاً إلى أن هناك لغطاً كبيراً، حول شخصية ليلى سليماني في المشهد الثقافي، والسياسي الفرنسي المغربي، وخاصة بعد تصريحات لها أنها معارضة للحجاب، ونشرها لكتاب بعنوان الجنس والأكاذيب sex et mensonges  تحكي فيه حالة الكبت والاضطهاد الذي تعيشه المرأة في المغرب، وقد عدّه الكثيرون تشويهاً وافتراءً، لا يعكس الواقع المغربي تماماً، وإنما أرادت منه الكاتبة التقرّب لليمين الفرنسي.

العنصرية بطل العديد الروايات

بالإضافة إلى هذه الأعمال أيضاً صدرت هذه السنة رواية لدالي فرح بعنوان “إيجاد فيونا” عن دار غراسيه، وأيضاً لياسمين شامي صدرت رواية “سيرك كازابلانكا” عن دار أكت سود. 

وهنا أتكلم عن أعمال صدرت هذه السنة فقط، وعن دور نشر معروفة أتيح لي الاطلاع عليها،  وبالتأكيد هناك عشرات الروايات الأخرى التي صدرت لروائيين فرنسيين ذوي أصول عربية، ربما لم أطلع عليها بعد.

 المميز، والأكثر لفتاً للنظر في هذه الأعمال،  أن العنصرية، وسوء المعاملة هي التيمة الأهم في هذه الأعمال،  مع تصاعد حدة التطرف، والانقسام داخل المجتمع الفرنسي، وصعود صوت اليمين المتطرف. فمَن كان يتصور أن رجلاً كريهاً، وحاقداً، ومتطرفا كإيريك زمور ممكن أن يصل إلى السباق الرئاسي، وتنتخبه الملايين؟!

إن الأصوات ذات الأصول العربية باتت جزءاً مهماً من المشهد الأدبي لفرنسا اليوم، وأصبحت تشكل جزءاً مهماً، كذلك من الوعي الثقافي والهوياتي  لهذا البلد.

________________________________________

(1) حركي: تعبير يطلقه الجزائريون على الجزائري المتعاون مع فرنسا

زر الذهاب إلى الأعلى