عقائد وأديان
أخر الأخبار

هل كلُّنا من أبناء آدم وحوَّاء؟

يختلف الباحثون حول الموطن الأصليِّ للإنسان على سطح الأرض؛ فمنهم من يرى أنَّ الإنسان الأوَّل سكن شمال شرقيَّ أفريقيا، ويستدلُّون على ذلك بكثرة الرُّفاة وهياكل العظام البشريَّة، الَّتي عثروا عليها في تانزانيا وأوغندا وصحراء أفريقيا وأدغالها، ومنهم من يعتقد بظهور الإنسان الأوَّل في شبه الجزيرة العربيَّة، ومنها انطلقت هجرات الشُّعوب القديمة الأولى، وللفريقين حججهم المقنعة، حين أثبتوا أنَّ أعمار تلك الهياكل العظميَّة والمستحاثَّات ترجع إلى عشرات آلاف السِّنين، وأحيانًا ترجع أعمار بعضها الآخر إلى مئات أو ملايين السِّنين، وقاسوا أعمارها من خلال ساعة نظير الكربون (14) أو السَّاعة الكربونيَّة وساعة البوتاسيوم (40).

بعد الانفجار الأعظم وتشكُّلِ المجرَّات انتظم دوران الأرض حول الشَّمس، وذاب الجليد، وانحسر الماء عن مساحات شاسعة، وظهرت الجُزُر الأولى في العصور الجيولوجيَّة القديمة؛ فبدا الطِّين، الَّذي خلق الله منه البشر، ومع مرور الزَّمن ظهرت جزرٌ جديدة، وانخفضت خصوبة الجُزر الأولى، وزاد تصحُّرُها؛ ومن هنا يبدو الجانب المنطقيُّ لدى القائلين بأنَّ الجزيرة العربيَّة أو شمال أفريقيا موطن البشر الأوَّل؛ لأنَّهما من أكثر المناطق تصحُّرًا على سطح الأرض في وقتنا الرَّاهن؛ نظرًا لانحسار الماء عنهما في أزمنة قديمة قبل انحساره عن أماكن أخرى، وفي أفريقيا والجزيرة العربيَّة غير قليل من الأدلَّة الأثريَّة والأنثروبولوجيَّة على الاستيطان البشريِّ القديم، كالعظام والمغاور والأدوات الحجريَّة، الَّتي تدلُّ على بساطة التَّفكير القديم وبساطة الحياة كلِّها لدى شعوب الأرض الأولى، وليس هناك أيُّ مشكلة إن كانت أفريقيا أو الجزيرة العربيَّة موطن الإنسان الأوَّل، ولا يفصل بين هاتين المنطقتين غير مضيق باب المندب عند اتِّصال خليج عدن بالبحر الأحمر.

آدم وحوَّاء في القرآن الكريم والكتاب المقدَّس:

ولكن يجب ألَّا ننسى أبدًا أصحاب النَّظريَّة الدِّينيَّة، الَّذين يرون أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق آدم عليه السَّلام في الجنَّة، ومن ضلعه خلق زوجته حوَّاء، وقد ذكر القرطبيُّ حديث ابن مسعود وابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لمَّا أُسكن آدم الجنَّة مشى فيها مستوحشًا، فلمَّا نام خُلقت حوَّاء من ضلعِه القُصرى من شِقِّه الأيسر؛ ليسكن إليها، ويأنس بها، فلمَّا انتبه رآها؛ فقال: مَن أنتِ؟ قالت: امرأةٌ خُلقتُ من ضلعك؛ لتسكنَ إليَّ)، وأمر الله-سبحانه وتعالى-آدم وحوَّاء ألَّا يأكلا من شجرة  في الجنَّة؛ قالوا: هي شجرة العنب أو شجرة التِّين أو سنبلة القمح؛ فوَسْوَس لهما الشَّيطان؛ فأكلا من الشَّجرة؛ فأنزلهما الله من الجنَّة إلى الأرض، وقال الله سبحانه وتعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزجك الجنَّة وكُلا منها رَغَدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشَّجرة فتكونا من الظَّالمين. فأزلَّهما الشَّيطان عنها فأخرجهما ممَّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاع إلى حين) [البقرة 35-36].

وقال الله-سبحانه وتعالى-في سورة الأعراف: (فَدَلَّاهما بغرور فلمَّا ذاقا الشَّجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنَّة وناداهما ربُّهما ألم أنهَكُما عن تلكما الشَّجرة وأقل لكما إنَّ الشَّيطان لكما عدوٌّ مبين قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَّنَ من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين). [الأعراف 22-24]. وإن اتَّفق المفسِّرون على أنَّ الجنَّة بمعنى البستان، فقد رأى أكثرهم أنَّها هي ذاتها جنَّة الخلد، وذهب آخرون إلى أنَّ المقصود بالجنَّة جنَّة عَدْنٍ، وراحوا يبحثون مع كثير من دارسي الكتاب المقدَّس عن موقع جنَّة عَدْنٍ أو جنَّة الفردوس على الأرض في جغرافيا الكتاب المقدَّس، ومال كثير منهم إلى وجودها بين أربعة أنهار؛ أشهرها: دجلة والفرات، وهناك من يعتقد بأنَّ هبوط آدم-عليه السَّلام-من الجنَّة كان في الهند، وما كثرةُ توابل الهند إلَّا بعض الورق، الَّذي هبط مع آدم من الجنَّة؛ ومن هذا الزَّاوية نستطيع أن نفهم نظرة بعض الهنود القدسيَّة إلى نهر الغانج ذاته.

هل حقًّا كلُّنا أبناء آدم وحوَّاء؟

وهل كان هناك بشر آخرون على الأرض قبل أن يهبط آدم وحوَّاء إليها؟ وكيف عرف الملائكة أنَّ البشر سوف يفسدون في الأرض، ويسفكون الدِّماء؟ بعدما قال سبحانه وتعالى: وإذ قال ربُّك للملائكة إنِّي جاعلٌ في الأرض خلفية، قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدِّماء ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك قال إنِّي أعلم ما لا تعلمون) [البقرة 30]. ينقل القرمانيُّ في تاريخه عن ابن كثير والطَّبريِّ عن مجاهد عن ابن عبَّاس أنَّ أقوام (الحِنِّ والبِنِّ) و(الطَّمِّ والرَّمِّ) سكنوا الأرض قبل البشر أو قبل الآدميِّين، واقتتلوا مع الجنِّ، وخسروا معركتهم، وبقي الجنُّ؛ ولذلك عرفت الملائكة أنَّ سَفْكَ الدِّماء قادمٌ لا محالة، وإن رأى بعض المفسِّرين أنَّ (آدم وحوَّاء) وأبناءَهما هم أوَّل مَن سكن الأرض، فإنَّ علماء الأنثروبولوجيا قد أثبتوا وجود أنواع متعدِّدة من البشر، يمكن أن نطلق على بعضهم اسم: (الحِنِّ والبنِّ) أو (الطَّمِّ والرَّمِّ)؛ لكنَّ علماء الأنثروبولوجيا فضَّلوا أن يبدأ اسم كلِّ الَّذين تشابه شكلهم مع شكل البشر الحديثين سلوكيًّا في وقتنا الرَّاهن بكلمة (هومو-Humu)؛ كالهومو إيريكتوس والهومو سابينيز والهومو نياندرتال للدَّلالة على هذا النَّوع من البشر الشَّبيهين بنا مِن أبناء (الإنسان العاقل أو الهومو سابينيز)، والمتميِّزين بمعارفهم العالية وسلوكهم الحديث من الإنسان الزَّاحف ومن أنواع القردة الأخرى، الَّتي يعتقد الدَّاروينيُّون بتطوُّر البشر عنها خلال ملايين من السَّنوات؛ فمن أين جاءت معارف البشر؟ وكيف تطوَّرت إن كان أصل الإنسان قردًا؟ وكيف ظهر السُّلوك الاجتماعيُّ الحديث؟ ولماذا ظلَّت بعض القردة على حالها الأوَّل ولم تتطوَّر مثل غيرها من القرود؟ ولماذا وقف تطوُّر الإنسان عند هذا الحدِّ ولم يتابع سيره على سُلَّم النُّشوء والارتقاء؟ ولماذا يتشابه الحمض النَّوويُّ لبعض القردة بنسبة عالية، تصل إلى أكثر من (90) بالمئة إلى حدٍّ يفوق فيه تشابه الحمض النَّوويِّ للإنسان العاقل مع الحمض النَّوويِّ لبعض أجداده المباشرين من البشر؟ حيث تقف نسبة التَّشابه عند حدود (30) بالمئة في كثير من الأحيان؟

كيف تطوَّر البشر إن لم نكن كلَّنا من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدة؟

تشكِّل الأسئلة السَّابقة نقدًا جوهريًّا للبنية الدَّاخليَّة في نظريَّة النُّشوء والتَّطوُّر والارتقاء الدَّاروينيَّة، وتبدو الإجابة على بعضها معضلة حقيقيَّة برغم بساطتها مثل معضلة عجز الدَّاروينيِّين عن تفسير تطوُّر ذيل الطَّاووس من حيث ضخامة حجمه وأناقة ألوانه بعكس قسوة الطَّبيعة وتطوُّر كائناتها الأخرى؛ لذلك لا بدَّ لنا من العودة إلى مواطن البشر القديمة أو جُزُرهم الأولى؛ لنُقارب وجود أنواع متعدِّدة من البشر، ونحاول تفسير انقراض بعضهم، وبقاء بعضهم الآخر.

بدأتْ تظهر الجزر الأولى على سطح الأرض، وكلَّما ظهر الطِّين لأوَّل مرَّة عند ظهور الجزيرة أو تشكُّلها الأوَّل خلق الله بأمره (كُنْ) بشرًا ومخلوقات أخرى جديدة، وكلَّما تقارب ظهور بعض الجُزر من ظهور بعضها الآخر بالزَّمان والمكان تشابهت أشكال البشر والمخلوقات والحيوانات والنَّباتات والحشرات في هذه الجُزر، وتشابهت أنماط الغِذاء والثَّقافة وطريقة التَّفكير عندهم أيضًا، وما تشابُهُ بعض القردة مع البشر إلَّا لتقارب (السِّياقين: الزَّمانيِّ والمكانيِّ) عند ظهورهم الأوَّل؛ وبسبب تقارب السِّياقين: (الزَّمانيِّ والمكانيِّ) تتشابه أشكال الحيوانات والطُّيور والنَّباتات، وقد تجد تشابهًا بين أشكال بعض النَّباتات وأشكال بعض أعضاء البشر والحيوانات؛ كتشابه حبَّة الجوز مع دماغ الإنسان مثلًا، وتشابه بعض الأزهار مع فم السَّمكة وتشابه شكل حبَّة الفاصولياء مشكل كلية الإنسان وغير ذلك من التَّشابهات الكثيرة، وما اختلاف أشكال سكَّان أفريقيا الأصليِّين وألوانهم عن أشكال السُّكَّان الأصليِّين وألوانهم في أوروبَّا وآسيا وأستراليا وإندونيسيا والهنود الحُمر في الأمريكيَّتين إلَّا نتيجة طبيعيَّة لتباعد السِّياقين: (الزَّمانيّ والمكانيِّ) اللَّذين ظهر فيهما الإنسان من طين هذه الجُزر أو القارَّات أو الدُّول أوَّل مرَّة، وما تقارب أشكال بعض الشُّعوب إلَّا نتيجة طبيعيَّة لتقارب السِّياقين: (الزَّمانيِّ والمكانيِّ) أو لتعارُف هذه الشُّعوب إضافة إلى اختلاطها وتعارفها من خلال تزاوج بعضها الأوَّل من بعضها الآخر نتيجة الهجرات المتلاحقة؛ وهنا تبرز نظريَّة تعارف البشر أو نظريَّة التَّعارف القرآنيَّة، الَّتي تفتح المجال أمام أسئلة مثيرة للاهتمام؛ تعيدنا أسئلة هذه النظَّريَّة إلى ما تحدَّثنا عنه سابقًا حول الكيفيَّة الَّتي خلق الله بها البشر من ذكرٍ وأنثى، وتدفعنا قُدُمًا إلى الاستفسار عن التَّعارف بوصفة غاية إلهيَّة أو حتميَّة تاريخيَّة كبرى؛ ولم يجعل الله البشر شعوبًا وقبائل إلَّا من أجل تحقيق هذه الحتميَّة، الَّتي ستغيِّر خصائص الإنسان وشكله وشكلَ التَّاريخ والعالم كلِّه أيضًا؛ فكيف تعارف البشر مع أبناء جلدتهم وطينتهم في جزرهم الأولى؟ وكيف نمت معارفهم، وتفاعلت علومهم وخبراتهم خلال هذا التَّعارف؟ ولماذا اقتتلوا، وظلُّوا يقتتلون قبل التَّعارف وبعده؟ ولماذا هاجر بعضهم من جُزره الأصليَّة؟ وأين حطَّت بهم رِحال هجرتهم؟ وكيف تعارفوا على بشر من طِين الجُزر الأخرى؟  وماذا حصل بعد ذلك؟ ولماذا حافظ الأقزام المعزولون في بعض جُزر إندونيسيا وغابات أفريقيا الاستوائيَّة مع وهنود الأمريكيَّتين الحمر على أشكالهم الأصليَّة؟ وإن كنَّا كلُّنا من أبناء آدم وحوَّاء فلمَ كلُّ هذه الاختلافات الشَّكليَّة والوراثيَّة بيننا وبينهم؟ سنحاول الإضاءة على بعض هذه الأسئلة والجوانب في مقالات قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى