تفاصيل سورية | بعد الشعب السوري ما ينبت حشيش!
بقلم: غسان المفلح
أن تكتب زاوية أسبوعية لسورية وعنها مسؤولية كبيرة، مسؤولية من زاويتين: الأولى: لأن الكلمة مسؤولية، والثانية: لأن الوضع السوري معقد، وكثيراً ما يلعب دوراً كبيراً موقع الكاتب الذاتي، مما شهدته سورية، منذ ثورتها في آذار 2011. ميول الكاتب، أفكاره، معتقداته، وموقعه السياسي. هذا الموقع الذاتي للكاتب ممكن أن يشوش رؤيته إلى مواقع الآخرين، إلى رؤيته وقراءته للحدث السوري بتفاصيله. لهذا ببساطة سأحاول أن أكون موضوعياً قدر الإمكان، في نقل ما أراها تفاصيل سورية مهمة، تحتاج أن نسلّط الضوء عليها من جوانب مختلفة.
أن تكتب زاوية أسبوعية عن سورية، وتفاصيلها أمر مرهق للغاية بالنسبة لي. ليس مرهقاً وحسب، بل إنه يدخلني في كل مرة بنوبة حزن وقهر، أحتاج وقتاً للتخلص منها، أو بالأحرى لا أتخلص منها، لكنني أتعامل معها بطريقة “اتركْها بداخلك وامضِ”.
ليس مبالغة إن قلت إنه كلما تقدم بي العمر، وجدت سورية وتفاصيلها محفورة على أضلعي. سأكون صريحاً مع القارئ، مرات كثيرة حاولت أن أخرج من هذه الدوامة التي اسمها سورية، وأن أسترسل في الانهماك بدوامة أخرى أقل قهراً وحزناً. مجرد المحاولة والمحاولة بحد ذاتها عبث. حاولت أن أنتهج، أو أن أتصنع ليبرالياً، وأهتم بالإنسان عامة! بيافطة تنافق الغرب بالدرجة الأولى. ماذا يضير أن يكون المرء مهتماً بالإنسان عامة، ومهتماً بالإنسان السوري خاصة؟
بالنسبة لي خضعت لامتحان عسير بيني وبين نفسي، عندما لمست الحقارة الأوبامية والدولية عامة، تجاه الشعب السوري وثورته ومحنته، وجدت نفسي أردد” بعد الشعب السوري ما ينبت حشيش”، مهما حدث مع بشر آخرين. بقيت هذه المعادلة تحكمني لعدة سنوات، وأحياناً دون أن أشعر، كثيراً ما قبضت على نفسي متلبسة، وهي لا تتعاطف مع مصيبة شعب آخر. لا، وربما الأخطر من ذلك، أن المساحة ضاقت، لدرجة أنني لا أتعاطف مع أي سوري وقف ضد الثورة، أو بقي حيادياً حتى، وسألت نفسي: هل يعقل ألا أقف مع الشعب السوداني في اللحظة الأولى لثورته؟ أتعبني كثيراً هذا الإحساس اللعين، وأتعبني تجاوزه أكثر كما أزعم.
المفارقة أن التعب على تجاوزه هو إعادتي للمربع الأول، حيث سورية تغزوني، شعب سورية لا يستحق هذه الأسدية القاتلة، لا تستحق سورية هذه الفاشية الطائفية، لا تستحق عقول إسلام سياسي يغلب عليه الارتزاق والتوحش ذو الأفق الضيق، لا تستحق يساراً منافقاً انسحب من المجتمع السوري وثورته، وأخذ دور المنظّر، بحجة الإسلام السياسي، وتدين المجتمع السوري أيضاً. ولا تستحق معارضة مثلي انسحبت من المعارضة تلك، وكان الأجدر أن أبقى، وأقاتل حتى آخر رمق.
سيعتبر بعضهم أن ما أكتبه هنا مزايدة ما، ربما نعم، وربما لا، لكن الثورة السورية علمتني أن أقول كل ما أشعر به، كل ما أنا مقتنع به، حتى لو عاديت البشر أجمعين، فلن أنزعج ممن سيعتبر كلامي هذا مزايدة. بالعودة إلى الزاوية الأسبوعية، سأكتب عن كل تفصيل سوري يخطر في بالي، ولن أرهقكم سأحاول ألا تتجاوز الزاوية أكثر من 500 كلمة كحد أقصى، وأنتظر أيضاً اقتراحكم لمواضيع متنوعة عن اللوحة السورية.
لن أكتب عن جانب واحد من جوانب اللوحة وتفاصيلها، بل سأحاول أن تكون متنوعة قدر إمكاناتي، لكن بالتأكيد أحد العناوين الرئيسية، وربما الأهم هو دمشق حياتي، أو دمشق كما أعرفها.
لا بد من شكر الصديق الكاتب محمد منصور، والمشرفين على موقع ومجلة (العربي القديم)، ويشرفني أن أكون من بين كتابها جميعهم.