فنون وآداب

فضيحة ترجمة دار المدى (أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث): أخطاء كارثية واستهتار معيب!

العربي القديم – د. أحمد عسيلي

تعتبر الترجمة واحدة من أهم وسائل التواصل بين الشعوب، للتعرف وفهم الآخر، لذلك تقع على المترجم مسؤولية كبيرة، لأنه سيشكل بنصه طريقة نظرتنا وفهمنا لهذا الآخر، وإن كانت هذه المسؤولية عامة على المترجمين كافة ومن كل اللغات، فإنها تصبح مضاعفة على المترجمين للغات غير المنتشرة، لأنها قد تكون البوابة الوحيدة لهذه اللغة.

 وإن كانت حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية ضعيفة جدا، وهو جزء من حالة الانهيار العام الذي نعيشه، حتى من وإلى اللغات الأكثر انتشار كالإنكليزية والفرنسية، فإن حركة الترجمة إلى اللغات المحلية واللاأوروبية تكاد تكون معدومة، ومن هنا فإن مشروع ترجمة الشعر الأفغاني وكتابة أنطولوجيا لهذا الشعر، كان فعلا فكرة جريئة ومهمة، والمكتبة العربية بأمس الحاجة لهذه الأنطولوجيا، كي نطلع على جانب آخر من حياة هذا الشعب المنكوب بويلات الصراع بين القوى الكبرى، لكن للأسف كانت فكرة عظيمة بتنفيذ سيء جدا، ولكي يكون كلامي مدعماً بالدليل، سأورد للقارئ أسباب هذا الحكم

أولا: الخطأ يبدأ من العنوان

عندما شاهدت العنوان، فرحت كثيرا، لأنه فعلا لدي فضول أن أتعرف  على الحركة الشعرية في أفغانستان، فمعلوماتي عنها سطحية جدا، وإن كنت أستطيع القراءة وفهم الكتب باللغة الدارية وهي شقيقة اللغة الفارسية (وإن كان مع شيء من الصعوبة) فإن لغة (الباشتو) مجهولة تماما بالنسبة لي، ولكي أضعكم تماما في الجو العام، أشير إلى أن  لأفغانستان لغتين رسميتين، الباشتو والداري، ومعظم الإحصائيات  (ومشاهداتي الشخصية أيضاً) تشير إلى أن  الباشتو هي الأكثر انتشاراً، بنسب تتفاوت كثيرا، فحسب الويكيبيديا العربي فإن ٧٠% من السكان يتحدثون الباشتو، و حوالي ٢٦% يتحدثون الدارية، وهي نسبة معكوسة في مقال ورد في موقع قناة (الجزيرة)، لكن بشكل عام نستطيع القول أن اللغتين موجودتين بشكل متفاوت.

ما سبب الحديث عن هذا؟

لأن عنوان الكتاب هو “أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث”، إذن نتوقع وحسب العنوان، أنه استعراض  للشعر المكتوب بهاتين اللغتين، وكان هذا سبب حماسي لاقتناء الكتاب، لكن ما لفت  نظري أن كل الشعراء الواردة أسمائهم في الكتاب درسوا في إيران، إذن أين هم الشعراء الذين لجؤوا إلى باكستان مثلا؟!

 وكي أفهم هذه النقطة قمت ببحث عبر النت  عن الكتاب، لأُفاجأ أن الكاتبة ذكرت في حوار أجرته مع موقع جدلية)، أن الشعر في الكتاب هو مقتصر فقط على الشعراء  الافغان الذين كتبوا بالفارسية؟؟؟؟ إذن لا يوجد في هذه الأنطولوجيا لا شعر بالباشتو ولا بالداري ولا حتى المكتوب بالأوردية، وخاصة أن الأفغان الذين يتحدثون هذه اللغة (أقصد الأوردية) عددهم كبير نتيجة اللجوء إلى باكستان. إذن هي ليست أنطولوجيا للشعر الأفغاني، بل فقط للشعراء الذين كتبوا بالفارسية، وربما لا تتعدى نسبتهم ١٠% ، فمضمون الكتاب لم يعد انطولوجيا شعر أفغاني، ولكي نقرب الفكرة للقارئ العربي، تخيل وجود أنطولوجيا للشعر السوري، فوجدت لاحقا أنها مقتصرة على الشعراء الذين يكتبون بالتركية مثلا أو الألمانية باعتبارها دول لجوء سورية!!!

كان يمكن  للكاتبة وللدار (الكتاب صادر عن دار المدى العراقية)، أن تكون أكثر شفافية وصدقاً مع القارئ، وتعنون الكتاب: “أنطولوجيا الشعر الأفغاني المكتوب بالفارسية”، وهذا النوع من الأنطولوجيا ليس غريباً، فقد سبق و قرأت مثلا أنطولوجيا الشعراء العرب الذين يكتبون بالفرنسية، وكان المضمون فعلا متطابق مع العنوان، لكن هنا نسفت المترجمة أكثر من ٧٠% من الشعر الأفغاني، وجعلتني كقارئ، أقتني كتاب لا تهمني كثيرا المعلومات الواردة فيه، أو على الأقل ليس ما أنتظره من محتوى.

ثانياً: المقدمة / الكارثة!

بدأت الكاتبة العمل بمقدمة، لن أكون مخطئاً إذا قلت إنها كارثة بكل المقاييس؛ جمل غير مترابطة ومتناقضة، معلومات غير صحيحة، قفزات غير منطقية، هي بشكل عام كلام أشبه ما يكون بالهذيان، لا أعرف صراحة كيف سمح المحرر والمدقق بهذا الشكل من الأخطاء ولنبدأ ولنستعين بالله على حل بعض هذه المغالطات:

تبدأ الكاتبة حديثها عن الإطار الزمني لهذا الشعر، ومتى بدأ الشعر المعاصر، وتذكر بالحرف “ثمة مصادر مختلفة بعضها يشير آلى العام ١٩٢٢ كبداية لتحولات كثيرة طرأت على الأدب الأفغاني،  بعد ثورة (ثور) عام ١٩٧٩ ودخول الحزب الديمقراطي الشعبي في الحكومة الأفغانية” فما علاقة ١٩٢٢ ب ١٩٧٩، وكيف يتم التأريخ لبداية هذا الشعر من ١٩22 بعد 1979 ؟؟؟ ثم ألم يكن من الأولى ترجمة كلمة ثور، أو على الأقل ترجمتها بالهامش، فبدلا من أن يربطها القارئ العربي بالثور، وهي بكل بساطة ثورة أبريل، على عادة الأحزاب في تلك الحقبة في تسمية ثوراتهم (وإن كان بمعنى أدق انقلاباتهم) بأسماء الشهور، وباللغة الدارية تسمى الشهور بأسماء الأبراج، والثور هو شهر نيسان، لكن فعلا لم أفهم كيف بدأت حركة الشعر ب١٩٢٢ بعد ١٩٧٩!!!

ثم تتابع الكاتبة بكلماتها الهذيانيه فتذكر اسم مرجع يتحدث عن الشعر الداري، تقول بالحرف “اللغة الدارية، هذه اللغة المشتقة من الفارسية، باختلاف مفردات قليلة عن الأفغانية”.

مبدئيا لا يوجد لغة تسمى لغة أفغانية، وهنا ذكرتني عندما كنا أطفالاً نستعرض معلوماتنا على بعضنا، حين  نسأل ما هي لغة البرازيل، ونضحك ممن يجيب اللغة البرازيلية، لكن يبدو أن ضحكنا الطفولي امتد إلى صفحات الكتب.

 جد لا أفهم ماذا تقصد الكاتبة باللغة الأفغانية؟ إذا أردت  أن أكون  حسن النية وأقول أنها ربما تقصد الباشتو، لكن الفرق بين الداري والباشتو شاسع جدا، فعلا أنا أتساءل إلى الآن ماذا تقصد باللغة الأفغانية؟ وإن كنت أعتقد أنها لا  تقصد شيء، بل مجرد كلمات وكلمات على مبدأ (مين سائل)!

 الكارثة الأكبر، عندما تتحدث عن تيار شعر السبيد (وهو تيار شعري إيراني حديث، يسمى  الشعر الأبيض، مشابه لتيار قصيدة  النثر في اللغة العربية) فتقول أيضا بالحرف: “يسمى بالشعر السبيد، أي الحديث”، هنا تعتمد الكاتبة أن لا أحد من القراء يتحدث الدارية أو الفارسية، فسبيد أبدا لا تعني حديث، وإنما  تعني أبيض، وهذا خطأ في الترجمة، وهنا لا نتحدث عن ترجمة جملة أو عدم فهمها، وإنما ترجمة كلمة مقابل كلمة، سبيد تعني أبيض ولا تعني حديث، وكان الأولى للكاتبة أن تكون صادقة في ترجمتها، مع تأكدي أنها تعرف معنى الكلمة باعتبارها مولودة في إيران، وتحمل جنسيتها حسب بعض مواقع الإنترنت.

لن أتابع مع أخطاء المقدمة، لأن المقام للأسف لا يسمح، ولا أود أن أسبب الملل للقارئ الذي مازال متابعا معي إلى الآن، لكن بشكل عام المقدمة كلها أخطاء وجمل مفككة بدون أي معنى.

ثالثا: ترجمة القصائد

لا أستطيع الحكم تماما على ترجمة النصوص، لأن الأصل غير متوفر لدي، و بالتالي حكمي لن يكون منصفا، لكن ما لفت نظري في الترجمة هي الهوامش، و ربما تعطينا فكرة عن حالة ترابط الجمل والقدرة على ترجمة المعاني، فأثناء الحديث عن الشاعر (وحيد بكتاش)، تذكر أنه أصدر سبع دواوين شعرية، أحدها بعنوان ( ألبرازولام ) فتذكر بالهامش أن الالبرازولام عقار يستخدم لعلاج الاضطراب!!!

ماذا تعني هذه الجملة؟ نستخدم الالبزولام لعلاج أي اضطراب؟ قلبي؟ رئوي؟ أم ماذا؟

هذه الجملة ما الذي تفيد به أصلا؟؟ مع العلم أن الالبرازولام لا يستخدم لعلاج أي اضطراب، وإنما هو مضاد للقلق، يستخدم فقط لتهدئة القلق الذي يكون علاجه الأساسي هو مضادات الاكتئاب، فالجملة على علاتها غير صحيحة، والالبزولام ليس علاجا أصلا، لكن أعتقد أن الكاتبة لا تعرف ماذا تعني كلمة علاج، ولا اضطراب، ولا شيء، وربي يسر!

طبعا هناك الكثير الكثير من الاعتراضات الأخرى التي ممكن أن نتحدث عنها، بعضها فعلا كان مضحك جدا، كأحد الهوامش التي تشرح فيه عن مفردة السيلان، فتقول أنه مرض معروف باسم القرقعة!!! طبعا لم أكن قد سمعت بهذه المفردة، فمرض السيلان معروف بهذا الاسم، ربما تكون كلمة قرقعة مفردة عربية قديمة، لكنها غير متداولة حاليا والمرض  معروف جدا باسم السيلان

على كل سأكتفي فعلا بهذا، لأني لو أردت تعداد الأخطاء الواردة في الكتاب، للزم أن أكتب كتابا آخر.

بالنهاية أود أن أعتذر للكاتبة عن أي ازعاج ممكن أن يسببه نقدي هذا، ولا أخفي سرا إذا قلت أني ترددت كثيرا قبل كتابة هذه المادة، وهي في ذهني منذ صدور الكتاب عن دار المدى، ألغيت الفكرة عدة مرات، لكن أصبحت مؤمن أن لغتنا العربية تستحق أكثر مما هي عليه اليوم، ويجب أن نتعود أن نقول للمخطئ أنك مخطئ  فالأمر غير شخصي، والجميع هدفه الحقيقة بالنهاية، وإن كان ثمة أخطاء ممكن أن نتجاوز عنها ونتفهمها، فإن هناك أخطاء كارثية تسم العمل ككل بسمة الرداءة، لا يجب أبدا أن نتسامح معها أبدا، وأعتقد أن هذا العمل واحد منها.

زر الذهاب إلى الأعلى