تكنولوجيا واقتصاد

الطب الشعوري التصنيفي: هل حقاً نحن السبب في جميع أمراضنا؟

"هذا النوع من الطب ليس تطور طبي فقط ، بل هو خطوة نحو فهم أعماق للإنسان"

مريم الإبراهيم – العربي القديم

في ظل التغيرات المتسارعة والضغوط المتزايدة التي تشهدها المجتمعات العربية، أصبحت الصحة النفسية تحديًا مركزيًا لا يقل أهمية عن الصحة الجسدية. فالتوترات اليومية، التغيرات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، والانفتاح على العالم الرقمي، كلها عوامل تساهم في زيادة الأعباء النفسية على الأفراد.

ومع ذلك، تظل قضايا الصحة النفسية محاطة بالصمت والخجل، مما يعوق التوجه لطلب المساعدة. اليوم، ومع تصاعد الوعي بالحاجة الملحة لتعزيز الرعاية النفسية، بات من الضروري تطوير منهجيات جديدة ومبتكرة تتناسب مع السياق الثقافي والاجتماعي العربي، تسهم في تعزيز الدعم النفسي وتعزيز الرفاهية العقلية للأفراد.

قصة الاكتشاف

في عام 1978، تعرض الطبيب الألماني “جيرد هامر” لصدمة عميقة بعد وفاة ابنه نتيجة لحادث قتل.  بعد مرور ستة أشهر من هذه المأساة، أصيب هامر بسرطان الخصية، بينما أصيبت زوجته بسرطان المبيض. هذا التطور أثار تساؤلات كبيرة في ذهنه حول سبب ظهور السرطان في أعضاء تناسلية لكليهما بعد فقدان ابنهما.

دفعته هذه الأسئلة إلى البحث العميق، مما قاده إلى اكتشاف علم جديد أطلق عليه “الميتاهيلث” أو “الطب الشعوري التصنيفي”، والذي يربط بين المشاعر والحالة الصحية.

وفقاً لهذا العلم، توصل هامر إلى أن الصدمة النفسية التي يتعرض لها الشخص قد تكون سببًا مباشرًا للإصابة بالمرض.في حالة هامر، كان فقدان ابنه والشعور بعدم القدرة على إنجاب ابن آخر هو السبب الذي أدى إلى إصابته وزوجته بالسرطان في الأعضاء التناسلية.

منهج جديد في الطب النفسي

“الطب الشعوري التصنيفي”أو Emotional taxonomic medicine هو منهج جديد في مجال الطب النفسي والصحة النفسية يركز على “تصنيف العواطف والمشاعر” كجزء من تشخيص وفهم الحالات النفسية. هذه المقاربة تعتمد على فكرة أن المشاعر يمكن أن تُستخدم كمؤشرات أساسية لفهم حالة المريض النفسية، وبالتالي توجيه العلاج بطريقة أكثر فردية ودقة.

بدلاً من الاعتماد فقط على معايير ثابتة مثل الأعراض السلوكية أو الأنماط الفكرية، يسعى الطب الشعوري التصنيفي إلى “فهم مشاعر المريض وتصنيفها” من حيث شدتها، تكرارها، وأثرها على حياة المريض.

 يمكن أن يساعد ذلك في تحديد مسارات العلاج التي تكون أكثر دقة وفعالية لكل حالة فردية. وقد بدأ “بالظهور في العقد الأخير” نتيجة التطورات في مجال علم النفس العصبي وعلم الأعصاب العاطفي، حيث أسهم التقدم في التكنولوجيا العصبية، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، في تطوير فهم أعمق للعواطف ودورها في الصحة النفسية.

“الولايات المتحدة وأوروبا” المركزان الأساسيان

 تطورت هذه المقاربة بشكل تدريجي في الجامعات ومراكز الأبحاث النفسية في هذه البلدان، خاصة في ظل تزايد التركيز على الطب الشخصي وفهم التفاوتات الفردية بين المرضى.

في الدول العربية، لا يزال هذا المنهج “حديثاً نسبياً”، ولم يصل إلى مرحلة الانتشار الواسع.

إلا أن هناك اهتماماً متزايداً بالصحة النفسية والطب النفسي في الدول العربية، خاصة مع تزايد الوعي بالمشاكل النفسية وتداعياتها على الأفراد والمجتمعات. دول مثل “الإمارات والسعودية ومصر” بدأت في الاستثمار في البنية التحتية للصحة النفسية.

الطبيب “أحمد الدملاوي”مؤسس الطب الشعوري التصنيفي، يشير إلى إن الطب الشعوري التصنيفي

يعتمد على فكرة أن العقل والجسم والروح متكاملة ومترابطة، وأن التوازن النفسي يمكن أن يكون له تأثير مباشر على الصحة الجسدية. من هذا المنطلق، يتم تشخيص المشكلات النفسية والعاطفية التي قد تؤثر على صحة المريض البدنية، ومن ثم تُعالج باستخدام تقنيات شعورية وإيحائية. يهدف هذا المنهج إلى تعديل النمط الفكري والعاطفي للمريض، مما يساعد في تحسين حالته الصحية. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون الطب الشعوري بديلاً للعلاج الطبي التقليدي للأمراض المزمنة، بل يعتبر إضافة مساعدة للتخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة.

فتش عن نوع الصدمة

  إن نوع الصدمة يلعب دوراً أساسياً في تطور المرض، حيث تؤدي الصدمات العنيفة إلى تضخم الكبد، وعند دخول الجسم في مرحلة التعافي، قد يتطور الأمر إلى تليف الكبد. كما أن الصدمات العميقة تترك أثارًا على المخيخ، مثل فقدان الشعور بالأمان، بينما تتسبب الصدمات العادية في ترك علامات على القشرة المخية. بمجرد تحديد نوع الصدمة، يتم تحريرها من خلال معالجة الأعراض المرتبطة بها، مما يؤدي إلى تحسين الحالة الصحية من خلال تعديل السلوكيات المرتبطة بالصدمة.

إن علم الميتاهيلث يركز على تشخيص المرض من خلال فهم الجوانب النفسية والعاطفية، لافتًا إلى أن هذا المنهج يمكن أن يوفر حلولًا لمجموعة من الأمراض الحادة والمزمنة. ومع ذلك، يعتبر العلاج تحديًا عند التعامل مع الأمراض المزمنة، حيث لا يعد الميتاهيلث بديلاً شاملاً للعلاجات الطبية التقليدية. وعلى الرغم من أنه قد لا يشفي هذه الأمراض تماماً، إلا أنه يسهم في تحسين حالة المريض وتخفيف الأعراض.

في مجال هذا الطب يعتمد التشخيص على تحليل الأعراض التي تظهر على المريض، باستخدام أدوات مختلفة تساعد في تحديد الشكوى الأساسية والمسببات المحتملة للمشكلة الصحية. يبدأ التشخيص عادة بالاستجواب الشامل للمريض للحصول على معلومات حول تاريخه المرضي والعوامل المؤثرة. يتبع ذلك الفحص البدني للتأكد من وجود علامات جسدية واضحة أو تغييرات على المستوى الجسماني، وقد يتم طلب فحوصات إضافية مثل التحاليل المخبرية أو الأشعة لفهم الحالة بدقة أكبر.

يتضمن “تصنيف الأمراض” في الطب تقسيم الأمراض إلى فئات بناءً على خصائصها وأسبابها وأعراضها. على سبيل المثال، يتم تصنيف الأمراض إلى فئات مثل الأمراض الفيروسية، البكتيرية، والمناعية. كما يتم تصنيفها حسب الجهاز المتأثر، مثل الجهاز التنفسي أو الهضمي أو العصبي.

أساليب التشخيص والعلاج

يعتمد الطب الشعوري التصنيفي على عدة أساليب التشخيص وعلاج الأمراض، ومنها:

“استجواب شامل”: يقوم الطبيب بطرح أسئلة مفصلة لفهم تاريخ المريض وأعراضه وعوامل الخطر المحتملة.

“الفحص البدني والنفسي”: يتم إجراء فحص شامل يشمل الجوانب الجسدية والنفسية للمريض، إلى جانب الاستعانة بالتحاليل الطبية والصور الإشعاعية عند الحاجة.

“تحديد الشعور المهيمن”: يعتمد الطبيب على تقييم شامل للمشاعر المسيطرة على المريض، بما في ذلك الشعور بالإجهاد أو القلق.

“وصف العلاج المناسب”: بناءً على التشخيص، يتم تصميم خطة علاج تشمل الجوانب العاطفية والنفسية والجسدية للمريض.

“متابعة تقدم الحالة”: يتم مراقبة التغيرات التي تطرأ على المريض بمرور الوقت، ويتم تعديل الخطة العلاجية حسب الحاجة.

“تثقيف المريض”: يحرص الطبيب على توعية المريض حول أهمية نمط الحياة الصحي والتعامل مع التوتر والحصول على نوم كافٍ.

تصنيف الأمراض يعد أمراً ضرورياً في الطب لأنه يساعد الأطباء على تقديم تشخيص دقيق وخطة علاج فعالة، بالإضافة إلى تمكين الأبحاث العلمية من دراسة الأمراض بشكل مفصل، مما يؤدي إلى تطوير علاجات مبتكرة. يساعد التصنيف أيضًا في رصد انتشار الأمراض واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة، مما يعزز من جهود الصحة العامة في مكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها.

“عملية قبول الذات والوضع العام” هي خطوة أساسية في تطورنا العاطفي والشخصي، وتتطلب الكثير من الصبر والتفهم. غالبًا ما يكون من الصعب علينا قبول أنفسنا أو الظروف التي نمر بها، سواء كان ذلك بسبب تأثيرات خارجية أو داخلية. ومع ذلك، هذا القبول ضروري لتحقيق التغيير الإيجابي والنمو الشخصي.

 خطوات تعلم القبول وزيادة الوعي

التواصل الصادق مع الذات”: قبل أن نصل إلى مرحلة قبول الذات أو الوضع الذي نعيشه، علينا أن نكون قادرين على التحدث مع أنفسنا بصدق وشفافية. يجب علينا استكشاف مشاعرنا الحقيقية وتحديد الأفكار السلبية التي قد تعيق قبولنا لأنفسنا. من خلال هذا الوعي، يمكننا بناء قاعدة قوية لتغيير حقيقي ومستدام.

“التعامل مع العواطف بشكل صحي”: يجب أن نتعلم كيفية التعامل مع مشاعرنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية. يمكننا القيام بذلك من خلال التفكير الإيجابي أو التحدث إلى شخص نثق به. البحث عن أنشطة تساعدنا في تحسين مزاجنا مثل الرياضة أو التأمل قد يكون مفيدًا أيضًا في تخفيف التوتر والقلق.

“تغيير النظرة المتشائمة”: في كثير من الأحيان، نكون عالقين في دائرة الأفكار السلبيةالتي تؤثر على قدرتنا على تقبل الذات أو الوضع الحالي. التحول من التفكير المتشائم إلى التفكير الإيجابي يمكن أن يعزز تفاؤلنا، ويدفعنا نحو رؤية الفرص بدلاً من العوائق.

“الاعتناء بالنفس”: الاعتناء بصحتنا الجسدية والنفسية ضروري في عملية القبول، التغذية السليمة، ممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من الراحة يمكن أن يساهم في تعزيز التوازن الداخلي. كما أن تخصيص وقت للهوايات والأنشطة المفضلة يعزز من شعورنا بالسعادة والرضا.

“تعلم التسامح”: تقبل العيوب والأخطاء سواء في أنفسنا أو في الآخرين هو جزء مهم من عملية القبول. لا يوجد شخص مثالي، وعلينا أن ندرك أن الحياة مليئة بالتحديات. تبني موقف من التسامح والقبول يسمح لنا بالنمو والتقدم.

“استخلاص الدروس من التجارب”: كل تجربة نمر بها تحتوي على دروس يمكن أن تفيدنا في تحسين قبولنا للذات أو للوضع الذي نمر به. هذه التجارب تساعدنا على تحديد الجوانب التي نحتاج إلى تطويرها أو تعزيزها في حياتنا.

“البحث عن الدعم الاجتماعي”: لا يمكننا التعامل مع كل شيء بمفردنا. الدعم من الأصدقاء والعائلة والمجتمع المحيط يمكن أن يكون له تأثير كبير في مساعدتنا على تقبل الذات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الحصول على مساعدة مهنية من مستشارين أو مدربين مفيداً في رحلتنا نحو التقبل والوعي.

“رؤية الصورة الكبيرة”: قد يساعدنا التفكير بمنظور شامل في إدراك أن الحياة ليست مثالية وأنه من الطبيعي أن نواجه صعوبات وتحديات. القبول ليس فقط للأمور الجيدة، ولكن أيضًا للتحديات التي تجعلنا ننمو ونتعلم.

جسر بين الجسد والروح

يتجاوز الطب الشعوري التصنيفي كونه أداة للتشخيص، ليصبح جسراً بين الجسد والروح، يعزز من فهمنا لعواطفنا ويعمّق وعينا بذواتنا. إن هذا الوعي العاطفي لا يهدف فقط إلى تسهيل العلاج، بل يفتح الباب أمام شفاء شامل يجمع بين الجانب النفسي والجانب الطبي التقليدي. فعندما نتعامل مع مشاعرنا وفهمها على نحو صحيح، نمنح أنفسنا القدرة على الوصول إلى صحة متوازنة وجودة حياة أفضل. وبهذا التمازج بين العلم والعاطفة، يصبح الشفاء رحلة كاملة تعيد التوازن والانسجام إلى حياتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى