في مدح ونقد أورينت والشوق إليها
ياسين أبو فاضل – العربي القديم
لم يخطر ببالي أن يصل بي المطاف إلى أورينت، وأنا من لم يدرس الإعلام أبداً، ولم يقصد يوماً احتراف العمل الإعلامي. وكمجمل السوريين حملت الأصداء الأولى للثورة على شاشة المحطة بدايات التعرف إليها، حينما كنا نتسمر أمام شاشات التلفاز مساء لمعرفة أخبار المد الثوري، ونقهقه سخريةً من خيبة إعلام النظام.
لاحقاً للتهجير، وضعني العقد الثاني من الثورة على باب تلك المؤسسة. من الداخل كان هناك عوالم أخرى، فلفتح باب أورينت تترك بصمة إبهامك على جهاز تسجيل الدخول، ثم تبدأ صراعاً مليئاً بالتنافس والتحديات، يدفعك نحو تقديم أفضل ما لديك، لتترك بصمتك على أمور أهم، هي نتاجك اليومي، بالنسبة لي عنى ذلك أخبار وتقارير الموقع.
العمل إلى جانب فرقة من أعتى الإعلاميين والمحررين والفنيين لم يكن بالأمر السهل، إذ كان التنافس بين الأقسام على أشده لدرجة قد تشعر معها أنهم خصوم وليسوا زملاء، فلكل دقيقة تأخير ثمن في أورينت، والجميع يجري وراء قصب السبق، والانفراد بأخبار غير مسبوقة.
شيء أشبه بسلسلة تفاعل كيميائي، تنتهي غالباً بنتائج مبهرة، ولإدراك حجم ما كانت عليه أورينت من استشراف مستقبلي، يكفيك عزيزي القارئ التمعن في صفحة قناة الجزيرة على فيسبوك، وتغطيتها لأحداث غزة، لترى مدى تشابهها، مع ما كانت تقدمه أورينت، أثناء تغطياتها للأحداث البارزة، وبالتأكيد ما كان ذلك ليحدث لولا النهج الإعلامي المتميز الذي خطته الإدارة.
وللإنصاف والمصداقية، لم تكن التجربة وردية، فعالم أورينت الداخلي، كما كان مشتعلاً بالحماس ومترعاً بالنفس الثوري كان أيضاً مليئاً بالصداع والمناكفات والمحسوبيات، وأحياناً طقطقة البراغي كما يقال، فبعضهم سيحاول كبح جماحك، أو ترصد أخطائك، واختراعها إن لزم الأمر، أو التشكيك في جدوى ما تحاول طرحه، فضلاً عن مشكلات أخرى، تتعلق بآليات العمل المرتبطة بتوجه المؤسسة، نحو إيلاء الصورة الأولية بمقتضى انتقالها نحو عالم السوشيال ميديا، الذي بات نافذة القناة الوحيدة بعد توقف بثها المتلفز.
وللأسف، لم تكن أورينت استثناء عن باقي المؤسسات السورية، في طريقة تعاطيها مع شؤون العاملين، وهو ما تسبب في إبعاد صحفيين أكفاء، وتضييع حقوق الكثير من كوادرها، كما حدث عند الإغلاق تأثراً على ما يبدو بمزاجية المالك غسان عبود.
وفي بعض الأحيان، تورطت الإدارة أيضاً بممارسات لا طائل منها، كتصيد أخطاء نخب سياسية، أو مؤسسات معارضة، كما حدث لمطيع البطين، والمجلس الإسلامي، أو فتح جبهات ضد قناة تلفزيون سوريا المنافسة، وتعييرها ومحاولة إذلالها بالمال القطري الذي تتمول منه، بينما كان يفرض غسان عبود خطاً أحمر، يمنع الاقتراب من الإمارات.
رغم ذلك تبقى خسارة السوريين في أورينت كبيرة، تصل حد الفاجعة، إذ فقد السوريين صوتهم الأول والأقوى، وهو ما صب عملياً في مصلحة ميليشيات النظام، وقسد وغيرهم فاسحاً المجال أمامهم لارتكاب ما يشاؤون من انتهاكات، دون الخوف من صرخة مظلوم، أو ضحية كثيراً ما كانت تجد طريقها لأورينت.
_________________________________________
من مقالات العدد السابع عشر من (العربي القديم) الخاص بتلفزيون أورينت – تشرين الثاني/ نوفمبر 2024