العربي الآن

ما وراء الاتصالات الأوروبية بالرئيس السوري الجديد: مكاسب سياسية أم رهان محفوف بالمخاطر؟

فرصة كبيرة أمام الأوروبيين لإعادة صياغة علاقتهم مع التيارات الإسلامية

جميل الشبيب – العربي القديم

بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس السوري أحمد الشرع، ودعوته الرسمية لزيارة باريس، سارع المستشار الألماني أولاف شولتس إلى إجراء مكالمة مماثلة، هنأ خلالها الرئيس السوري الجديد، وبحث معه سبل مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا).

كمواطن سوري مقيم في أوروبا، أدرك جيداً أن مثل هذه الخطوات لا تُتخذ دون مقابل، سواء على المستوى المحلي في اروبا أو السياسية الخارجية. ففرنسا وألمانيا تعيشان أزمة حقيقية فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين، وهو الملف الأمني الأكثر إلحاحًا لدى صانعي القرار في أوروبا، خاصة مع تصاعد الهجمات الإرهابية التي تضرب دول الاتحاد الأوروبي من حين لآخر. وزيادة شعبية اليمين المتطرف في هذه الدول. ولا يمكن فصل هذه الملفات عن السياسات الخارجية التي تنتهجها هذه الدول.

سقوط النظام السوري: مكاسب أوروبية متعددة

من الواضح أن انهيار نظام بشار الأسد ووصول أحمد الشرع والفصيل الذي يقوده إلى السلطة، قد منح الأوروبيين فرصة ذهبية لمعالجة عدد من الملفات العالقة، لا سيما ملف الهجرة واللجوء. فمنذ سقوط النظام، سارعت كل من فرنسا وألمانيا إلى تعليق دراسة طلبات اللجوء للسوريين الجدد، وهو إجراء لم يكن ممكنًا في السابق نظرًا لاعتبار سوريا “بلداً غير آمن”.

إضافةً إلى ذلك، أصبح من السهل الآن على دول الاتحاد الأوروبي ترحيل السوريين الذين ارتكبوا جرائم أو تم رفض طلبات لجوئهم، بعد أن كان ترحيلهم إلى سوريا محظوراً بموجب القوانين الأوروبية، بغض النظر عن الظروف.

التقارب مع الإسلاميين: براغماتية سياسية أم رهان خطر؟

وصول أحمد الشرع، صاحب الخلفية الإسلامية المتشددة، إلى السلطة، مثّل فرصة كبيرة أمام الأوروبيين لإعادة صياغة علاقتهم مع التيارات الإسلامية، التي كانت تشكّل تهديداً أمنياً لدول الاتحاد الأوروبي. قبول هذه الفصائل بالحوار، وإبداؤها مرونة في التعامل مع الأطراف الدولية، فضلاً عن تعهد الشرع بتطبيق الديمقراطية وإجراء انتخابات حرة، جعل الأوروبيين أكثر حماساً لدعم التجربة الجديدة في سوريا.

في المقابل، تتعامل بعض الدول بحذر مع المشهد السوري، مترقبةً ما ستؤول إليه الأوضاع وخطوات القيادة الجديدة. ومع انسحاب النفوذ الروسي والإيراني، تبدو أوروبا حريصة على ملء هذا الفراغ وجرّ سوريا إلى المعسكر الرأسمالي، وهو ما عبّر عنه الرئيس السوري الجديد في مقابلة سابقة، مؤكّدًا رغبته في تعزيز التعاون الاقتصادي والانفتاح على العالم.

إن التقارب الأوروبي مع القيادة السورية الجديدة لا يأتي من فراغ، بل يرتبط بمصالح سياسية وأمنية واضحة. فبينما تبحث أوروبا عن حلول لأزمة الهجرة واللاجئين، تسعى في الوقت ذاته إلى احتواء التيارات الإسلامية التي طالما نظرت إليها بريبة. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه المقاربة الأوروبية في تحقيق الاستقرار، أم أنها مجرد رهان محفوف بالمخاطر في منطقة لا تزال تعاني من الاضطرابات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى