فصول من المذكرات | من الذاكرة السياسية: نشأة وصراع الأحزاب في السلمية
عيسى الماغوط – العربي القديم
تمتاز مدينة السلمية، الواقعة في محافظة حماة السورية، بتنوعها الاجتماعي والديني والثقافي، مما جعلها بيئة خصبة لنشوء العديد من الأحزاب السياسية التي تركت بصمات واضحة في التاريخ السوري.
الأحزاب السياسية وروادها في السلمية
تشكل تاريخ الأحزاب في مدينة سلمية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ سوريا السياسي. من الانتداب الفرنسي إلى الفترة الحالية، كانت الأحزاب السياسية دائمًا جزءًا من نسيج الحياة في سلمية، تلعب دورًا في تشكيل الوعي الوطني والتفاعل مع التحديات السياسية والاجتماعية المختلفة.
فترة الانتداب الفرنسي (1920-1946)
خلال فترة الانتداب الفرنسي، شهدت مدينة سلمية نشاطًا سياسيًا مكثفًا. تأسست الأحزاب الوطنية التي سعت إلى إنهاء الانتداب وتحقيق الاستقلال. كانت هذه الأحزاب تضم نخبة من المثقفين والقادة المحليين الذين لعبوا دورًا هامًا في تشكيل الوعي السياسي لدى السكان.
فترة الاستقلال (1946-1963)
بعد حصول سوريا على استقلالها في عام 1946، استمرت الأحزاب السياسية في الازدهار في سلمية. برزت أحزاب، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي السوري، والحزب القومي السوري، وكان لها حضور قوي في المدينة. ساهمت هذه الأحزاب في النقاشات السياسية والوطنية، وسعت لتحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
فترة حكم البعث (منذ 1963)
مع استيلاء حزب البعث على السلطة في عام 1963، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الأحزاب في سلمية. أصبح الحزب هو القوة السياسية المهيمنة، وأدى ذلك إلى تقييد نشاط الأحزاب الأخرى بشكل كبير. بالرغم من ذلك، ظلت بعض التيارات السياسية تنشط بشكل غير رسمي، وتواصل العمل على تحقيق أهدافها من خلال قنوات غير تقليدية.
حزب البعث العربي الاشتراكي
تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1947 على يد ميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار، وزكي الأرسوزي. قام الحزب على أفكار قومية عربية واشتراكية، ودعا إلى الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار. هذه الأفكار وجدت صدى كبيرًا بين أبناء الطبقة المتعلمة والمثقفة في سلمية، مما ساعد على انتشاره السريع، وخاصة بعد اندماجه مع الحزب العربي
الاشتراكي، شهد انتشاراً واسعاً. استفاد الحزب من المدّ القومي، وكذلك التبعية للاتحاد السوفييتي. بعد ملاحقة أفراد الحزب القومي السوري، أصبح حزب البعث القوة الضاربة والمنتشرة، ليس فقط بين المتعلمين والنخب، بل في الأرياف والقرى أيضاً.
في سلمية، استقطب حزب البعث العديد من أبناء الطبقة السنية الميسورة والمتعلمة. كان لهذه الطبقة تأثير كبير على توجهات الحزب، حيث شجعوا أبناءهم على التعليم العالي، والانخراط في الجيش، مما عزز نفوذ الحزب بشكل كبير. ومن أبرز الشخصيات التي أثرت في هذا السياق كان أكرم الحوراني، الذي تخلى عن ثروته، وانضم إلى البعث، مستقطباً الفلاحين والشباب من الأصول الفلاحية، ومؤكدًا على أهمية التعليم والانخراط في الجيش.
بدأ حزب البعث العربي الاشتراكي في الانتشار في مدينة السلمية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. لعب الدكتور سامي الجندي وأخوته دورًا رئيسيًا في نشر أفكار الحزب، وتعزيز وجوده في المدينة. وكان من أوائل الحزبيين الذين ساهموا في نشر أفكار البعث في المجتمع المحلي إنعام الجندي مدير جريدة الثورة، وخالد الجندي رئيس اتحاد العمال، وعلي الجندي من كبار الشعراء، وعاصم الجندي من مناصري الحركة الفلسطينية، وكان هناك قاسم ناصر، ومحمد حيدر. هؤلاء الأفراد لعبوا دوراً حاسماً في تجنيد الأعضاء الجدد، وتعزيز القاعدة الشعبية للحزب.
والطبقة السنية في السلمية التي تكونت ممن كانوا إسماعيليين، ولكنهم رفضوا سيطرة الأمراء، فأصبحوا سنيين، وكونوا طبقة في سلمية ميسورة من حيث العقارات والوعي الاجتماعي والثقافي، ودرس أبناؤهم حتى الثانوية، ومنهم بعد الثانوية أصبحوا ضباطاً بتشجيع من أكرم الحوراني، الذي أصبح مع حزب البعث؛ لأن أكرم الحوراني الذي كان يقول إن كل بعثي يأخذ بكالوريا، ومن أصل فلاحي سأدخله في الجيش، ويصبح الجيش للبعثيين، ورغم أصوله شبه الإقطاعية، تخلى أكرم الحوراني عن ثروته، وانضم إلى حزب البعث. كانت رؤيته تقوم على استقطاب الفلاحين والشباب من الأصول الفلاحية، مع التأكيد على أهمية التعليم والانخراط في الجيش ليصبحوا جزءًا من الحزب. هذه الإستراتيجية ساعدت في توسيع قاعدة الحزب بين الطبقات الشعبية، وتعزيز نفوذه في الأرياف، بالرغم من أنه كان قوميًا سوريًا، ثم أسس حزب الشباب، ثم حزب الاشتراكيين العرب، ثم اندمج مع حزب البعث مع ميشيل عفلق، وصلاح البيطار، وسامي الجندي.
سامي الجندي أسس نادي الصحراء كواجهة تربوية وثقافية في مدينة سلمية، وسعى النادي إلى نشر الأفكار القومية والعروبية، دون الإعلان بشكل مباشر عن نفسه كحزب سياسي. كان للنادي دور مهم في جذب الشباب، وتوعيتهم بالأفكار القومية. وعند انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب في دمشق في 1947 لم يشهد حضور سامي الجندي، حيث أرسل شقيقه إنعام لتمثيله، وكان ذلك بسبب تعقيدات علاقاته مع زكي الأرسوزي، أحد المؤسسين الرئيسيين للحزب. كان لأكرم الحوراني وجود ضعيف في سلمية، بينما كان تأثيره الأكبر في منطقة الغاب وحماة المدينة. كانت لديه علاقات جيدة مع الأحزاب الأخرى، مما ساعده في بناء تحالفات سياسية واسعة.
حزب البعث في بداياته كان يتميز بتنوع طائفي أكثر من الأحزاب الأخرى. سامي الجندي وأخوته لم يكونوا مهتمين باللعب على الوتر الطائفي، وكانوا يرون أنفسهم بعيدين عن هذه اللعبة. الدعم الذي حصل عليه سامي الجندي جاء من أقربائه الإسماعيليين، مثل آل درويش الجندي، وآل زهرة، بدلاً من السنة.
ومن المواقف المشرفة التي تُحسب للدكتور سامي الجندي، أنه كان يصر على التثقيف أكثر من الأمور التنظيمية. كان يحدد ساعة من كل أسبوع لسماع الموسيقى (بيتهوفن أو غيره)، عدا عن القراءة الملزمة للجميع. ومن أهم تلامذة سامي البعثيين، كان المرحوم عبد الكريم الضحاك، ومصطفى رستم طبعًا إضافة لعبد الكريم الجندي من العسكريين .
يُعتبر عجيب الجرف أول شهيد لحزب البعث، حيث أصيب بطلقة رصاص من الدرك، أثناء حمايته للدكتور سامي الجندي في إحدى المظاهرات. عانى من إصابته لمدة عام وتوفي نتيجة لها.
في ما يتعلق بحزب الكتلة الوطنية، كانت هناك شخصيات بارزة، مثل محمد الجندي، وأحمد ناصر، ومحمد الدبيات من مؤسسيه في محافظة حماة. حزب الكتلة الوطنية لعب دورًا كبيرًا في الحركة الوطنية السورية، وفي مقاومة الاستعمار الفرنسي.
أهم العوائل السنية البعثية في سلمية: آل الجندي بالدرجة الأولى، وعائلة الجرعتلي، وآل الضحاك، آل رسلان، وتوجد عائلات بعضها بقي إسماعيلياً وبعضها الآخر سنياً، ومنهم آل الجرف، آل الماغوط، آل الشيخ حسن عواد، بيت رزوق، ناصر الشيحاوي.
الحزب الشيوعي السوري
تأسس الحزب الشيوعي السوري في عام 1928، وهو من أقدم الأحزاب الشيوعية في العالم العربي. تأثر بنشاطات الحزب الشيوعي السوفييتي، وسعى لنشر الفكر الماركسي في سوريا. انطلاقاً من هذه الأفكار، حاول الحزب الشيوعي السوري تجنيد الأعضاء من الطبقات العاملة والفلاحين الذين كانوا يعانون من تهميش اقتصادي واجتماعي.
بدأ الحزب الشيوعي بالانتشار بخطا بطيئة في البداية، ولكنه حظي بدعم واضح من الاتحاد السوفييتي، مما ساهم في نموه. انضمت للحزب نخب مهمة من المثقفين والمزارعين والعمال، وبعض العائلات تأثرت بأحد أبنائها الذي انضم للحزب. الدعم السوفييتي كان له تأثير كبير على سياسات الحزب وتوجهاته. ظهر بعض الشباب الشيوعيين في سلمية، وهم قلة من العائلات الذين يعملون بالمهن، ولا يملكون الأراضي، بل أصبحوا يصلحون مضخات المياه اللازمة لسقاية القطن، وكانت العائلات التي ينتمي إليها الشيوعيون أقل مستوى اجتماعي من العائلات التي ينتمي إليها البعثيون.
زاد نشاط الشيوعيين مع تزايد اعتماد المزارعين على محركات المياه لسقاية القطن، حيث عمل الشيوعيون على إصلاح المحركات وتقديم الدعم الفني، ومع زيادة عدد المحركات النارية لسحب المياه الجوفية، جفت المياه نهائيًا، وأصبحت المحركات أكوامًا من الخردة، ومن الشخصيات البارزة في هذا الحزب في سلمية: طالب الكردي، نايف حمودي، محمد الجرف، ورسلان وصدران، الذين ساهموا في تعزيز حضور الحزب في المجتمع المحلي.
الشيوعيون في سلمية لم يكونوا مرتبطين بطائفة دينية معينة، بل كانوا منفتحين على مختلف الطوائف، مما جعلهم يجذبون أفراداً من خلفيات متنوعة. هذا الانفتاح ساعد في نشر الأفكار الشيوعية بين شرائح واسعة من المجتمع.
أثناء فترة الجمهورية العربية المتحدة، كان هناك توتر كبير بين عبد الناصر والحركات الشيوعية. عبد الناصر، على الرغم من تأييده لبعض السياسات الاشتراكية، كان معاديًا للشيوعية بشكل عام، ورأى في الحركات الشيوعية تهديدًا لنظامه وسيطرته. أدى ذلك إلى حملة ملاحقة وقمع واسعة، ضد الشيوعيين في كل من مصر وسوريا.
في بداية عام 1959، أصدر جمال عبد الناصر أوامره لأجهزة الأمن بملاحقة الشيوعيين داخل الجيش، ونقل العاملين الشيوعيين في الوظائف المدنية من وزارة التربية إلى وظائف في وزارة العدل. وكان الحزب الشيوعي السوري يتوقع أن يتم الضغط على الحزب، عن طريق توقيف أعضائه البارزين، مثل المكتب السياسي، واللجنة المركزية، ولم يكن يتوقع أن تصل الملاحقات إلى أعضاء الحزب العاديين.
ففي غمضة عين، اعتُقل العديد من الشيوعيين في وظائفهم، وبيوتهم، وأماكن أخرى. في الجيش تم توقيف أعضاء الحزب الشيوعي من المتطوعين، وتأجيل خدمة من يؤدون الخدمة الإلزامية، وكنت أنا من بين المعتقلين لمدة 45 يومًا بأمر من وزير الدفاع جمال فيصل، بعد إزاحة عفيف البزري قائد الجيش الأول. خلال هذه الفترة، استقال أكرم الحوراني رئيس المجلس النيابي، وصبري العسلي رئيس مجلس الوزراء.
في تلك الفترة، تم سجن كبار الكتاب والشعراء والصحفيين من الحزب الشيوعي أو أنصاره داخل السجون السورية. وكنت من ضمن المعتقلين، مع نصر الدين البحرة الذي ولدت ابنته عزة وهو في السجن، وكتب لها رسالة يقول فيها: “من أجلك يا عزّة.. دخلنا المزة”. كان معه الدكتور نايف بلوز، وشوقي بغدادي، الذي قرأت له بيتين من الشعر محفورين على الجدران:
عند المساء يقبل الحنين
يمسح في رفق على الجبين
يسأل في صمت عن الذين
ينتظرون وراء القضبان واجمين
وكان معهم رفيق رضا، عضو المكتب السياسي في الحزب، الذي سألته عن مستقبل الحزب القومي السوري، فأجابه بسرعة: “مستقبلهم.. في مؤخرة البعث”.
وكان نصر الدين البحرة، وشوقي بغدادي يدعوانني للبقاء في دمشق؛ لأن من يريد أن يكتب يجب أن يكون في دمشق، ولكني لم أستطع البقاء في دمشق؛ لأن أهلي بحاجة لمن يعتني وينفق عليهما، فعدت إلى سلمية لأجد مكتبتي منهوبة تمامًا من كتاباتي التي كنت أنشرها في ذلك الزمان من شعر، وقصة ورواية لم تُنجز بعد.
فرج الله الحلو كان زعيماً بارزاً في الحزب الشيوعي السوري. دخل سوريا باسم مستعار، وتوجه إلى بيت سري، ولكن المباحث كانت بانتظاره واعتُقل فور وصوله، وتعرض للتعذيب الوحشي واستُشهد عند الفجر. الروايات تشير إلى أن جثته قُطّعت وذُوِّبت بالأسيد، ثم سُرِّب الجسد المذوَّب إلى مجاري نهر بردى.
عندما كان عبد الناصر في الهند برفقة نهرو، وتيتو، وسوكارنو، سُئل عن فرج الله الحلو، فأنكر أي معلومات عنه مازحاً بأن كل اللبنانيين والسوريين حلوين، ولا يمكنه تمييز أحد عن الآخر، لكنه أرسل لاحقًا رسالة رسمية لعبد الحميد السراج، يسأله عن الحلو، فأجابه السراج أن اسم فرج الله ليس ضمن الوافدين، ولم يدخل الأراضي السورية.
يعتبر تسليم سوريا لعبد الناصر هدية مجانية من جرائم التاريخ الكبرى، التي دمرت الديمقراطية في العالم كله على مدى السنوات.
الحزب القومي السوري الاجتماعي
كان الحزب القومي السوري الاجتماعي هو الأكثر سرعة في الانتشار بين الأحزاب الثلاثة. استقطب بشعاراته وطقوسه حماس عدد كبير من الشباب الإسماعيليين، ويبدو أن الحزب تأثر بشكل واضح بالأيديولوجيات النازية والفاشية، مما جعله يجند مئات الشباب في صفوفه. هذا الحزب لم يكن فقط قوة بارزة في الحياة السياسية، بل امتد تأثيره إلى الحياة الاجتماعية أيضًا. حتى بعد تعرضه للحل والملاحقة، ظل بعض عناصره مؤمنًا به، وظهرت في المراحل اللاحقة. قتل عدنان المالكي على يد القوميين، وربما ليس بقرار من الحزب القومي، وكان يجب على القوميين المطالبة ببراءة الحزب من قتل المالكي إلى أن يحصلوا على اعتراف رسمي، قبل الدخول إلى الجبهة الوطنية التقدمية عام ١٩٧٢
تشكل الحزب القومي السوري الاجتماعي في السلمية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. دعا الحزب إلى قومية سورية شاملة بعيداً عن الانقسامات الطائفية والدينية، مما جذب العديد من الشباب الباحثين عن هوية سياسية تتجاوز الطائفية. أسس الحزب أنطون سعادة، الذي أصبح زعيمه الأيديولوجي حتى إعدامه في لبنان عام 1949 بعد فشل محاولة انقلابية.
في السلمية، كان لإسماعيل المير سليمان دور بارز كمنفذ أول للحزب، حيث ساهم في نشر أفكاره، إلى جانبه برز مصطفى غالب، حسن القطريب، تاج الدين سفر، وأحمد إدريس، الذين لعبوا أدواراً مؤثرة في تجنيد الأعضاء الجدد، وتعزيز وجود الحزب في المدينة.
إسماعيل المير، ومصطفى غالب كانا أولاد عم وأصدقاء، انتساب مصطفى غالب للحزب القومي وهو يخدم في الجيش، ولما جاء إسماعيل من بيروت، وقد انضم فيها للحزب، تعاونا على فتح مكتب للحزب والدعاية له لضم نخبة من الشباب المثقف ذلك الوقت، واستمر نشاطهما في الحزب إلى حين جاءت تعليمات من قيادة الحزب بتأييد أديب الشيشكلي، أثناء وقوف معظم الشعب ضده، وكان الحزب في سلمية قد أصدر عدة منشورات، تدين أديب الشيشكلي وحكومته، لهذا أعلنا(مصطفى غالب، وإسماعيل) الانسحاب من الحزب، وإدانة موقفه من الأحداث.
الحزب القومي السوري الاجتماعي كان له نفوذ بين الشباب الإسماعيليين الذين كانوا يبحثون عن هوية سياسية تتجاوز الانقسامات الطائفية. هذا الحزب دعا إلى قومية سورية تشمل جميع المناطق السورية بدون تفرقة دينية. ومن الأحداث البارزة التي أثرت على الحزب اغتيال عدنان المالكي في عام 1955 على يد أحد القوميين السوريين، مما أدى إلى أزمة كبيرة للحزب، أثرت على سمعته حتى عام 1972 عندما دخل الجبهة الوطنية التقدمية.
التركيبة الطبقية والطائفية لمدينة السلمية
الانتماءات الاجتماعية والدينية لعبت دوراً مهماً في تشكيل المشهد السياسي في السلمية. كانت المدينة موطنًا للعديد من الطوائف الدينية، بما في ذلك الإسماعيليين السنة والعلويين، مما أثر على التوجهات السياسية للأحزاب المختلفة. هذا التنوع أوجد بيئة حوارية وتنافسية بين الأفكار والمعتقدات المختلفة، مما أغنى الحياة السياسية والفكرية في المدينة.
الطائفة الإسماعيلية
الإسماعيليون في السلمية كانوا من كبار مُلاك الأراضي والمزارعين، وقُسمت الأراضي حسب العائلات الواصلة، في البداية وزعت أراضي مدينة سلمية، وكلما زاد العدد توسعت دائرة الأراضي الموزعة، وكذلك القرى القريبة، وبعض أراضي مدينة سلمية كانت ملكيتها لبعض العائلات الحمصية، استطاع السلامنة شراء بعضها، مثل أراضي المفكر، وبري، وقسم من تلتوت، بعضها كان تحت أيدي البدو، مثل عقارب، والعلباوي..
ووفقاً لتعليمات الإمام الإسماعيلي، حيث كان الجميع يملك قطعة أرض، بغض النظر عن حجمها أو خصوبتها، ولكن بمرور الوقت، ظهرت الفروق الطبقية بسبب عوامل مختلفة، وكان هناك بعض الامتيازات الخاصة بالوجهاء الذين حصلوا على الأراضي الأكثر خصوبة وقربًا من المياه، أدى ذلك إلى فوارق طبقية، وأجبرت بعض العائلات على العمل في أراضي غيرهم، ما أدخلهم في دائرة الفقر .
ومن أبرز العائلات، بالإضافة إلى الأمراء: آل عجوب، فاضل، خدوج، خضور، الحموي، زهرة، فطوم، عدرا، والشعار. هؤلاء كان لديهم نفوذ اقتصادي واجتماعي كبير، واستمروا في الحفاظ على هويتهم الدينية الخاصة.
وبعد الحرب العالمية الأولى، هاجر إلى السلمية أفراد من القدموس، مثل علي حيدر، الذي أصبح رئيس حركة التحرير في أيام الشيشكلي، وأخيه محمد حيدر كاتب القصص الشهير، وعارف تامر المؤرخ المعروف. هؤلاء الأشخاص أصبحوا جزءًا من النخبة المثقفة، ولعبوا دورًا مهمًا في الحياة السياسية والثقافية للمدينة. بفضل جهودهم، زاد الوعي السياسي بين سكان السلمية، وازداد الاهتمام بالقضايا الوطنية والقومية.
الطائفة السنية
نشأت طبقة سنية ميسورة تتألف من أشخاص كانوا في الأصل إسماعيليين، لكنهم تحولوا إلى الإسلام السني. هذه الطبقة كانت تمتلك العقارات، ولديها وعي اجتماعي وثقافي عالٍ، من أبرز عائلات هذه الطبقة: الجندي، الجرعتلي، الضحاك، وآل رسلان. هذه العائلات لعبت دوراً محورياً في دعم حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي توجيه الشباب نحو التعليم والانخراط في الجيش.
كما شهدت السلمية هجرة عائلات من حماة، مثل آل قلفا، الفاخوري، البرازي، أورفلي، وجعمور. هؤلاء المهاجرون استقروا في السلمية، واشتغلوا في مهن حرفية، مثل الحلاقة، اللحام، والبلاط، وكانوا جزءًا من النسيج الاجتماعي للمدينة وأسهموا في تنوعها الاقتصادي والثقافي. علاوة على ذلك، اندمج هؤلاء المهاجرون في المجتمع المحلي، وأسهموا في النشاطات الاجتماعية والسياسية، مما أثرى الحياة العامة في السلمية، وظلّ هؤلاء سنة، وكان السلامنة يرتاحون من وجودهم، ومن سلوكياتهم ومن مهنيتهم، وأصبحوا من أهل سلمية..
الطائفة العلوية
أدى الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى استقدام عمالة من قرى الساحل السوري، والريف الذي تسكنه الطائفة العلوية للعمل في أراضي الملاكين من أهل سلمية. كان الاتفاق يقضي بأن يقدم البستاني جهده، مقابل جزء من الإنتاج، ما أدى إلى تراكم بعض الثروات لدى هؤلاء العمال الذين تمكنوا من شراء أراضٍ صغيرة والعمل بها، وأدى إلى استقرار بعضهم في سلمية، وتشكيل مجموعة من القرى المحيطة بها.
رغم قلة عددهم نسبياً، دخلوا كفلاحين بؤساء يعملون بحقول مُلاك الأراضي، ولا يملكون مِهناً ولا سكناً، وكان لهم تأثير ملموس على الحياة السياسية في المدينة. كانوا يتبنون الأفكار الاشتراكية والقومية، مما جعلهم يميلون إلى دعم الحزب الشيوعي السوري، وحزب البعث.
__________________________________
من مقالات العدد الثالث عشر من (العربي القديم) الخاص بأدب المذكرات السياسية – تموز/ يوليو 2024