مسلسل (البطل): بطل ملائكي ودراما اجتماعية ضلت طريقها
قصة تدور في قرية سورية هجر أهلها، ضمن معالجة درامية لا تتجاوز السائد في الإنتاج الدرامي السوري

أحمد صلال* – العربي القديم
الدراما الاجتماعية في المسلسلات السورية بعد اندلاع الثورة حتى خلع النظام البائد لم تستطع أن تقدم دراما ناجحة وذات انتشار، وأستبشر متابعو دراما السورية هذه السنة الأولى درامياً بعد سقوط النظام بوجود تصحيح للبوصلة وعودة الإيمان بقيمة الأسرة وترابطها، ضربت الكثير من الأعمال الدرامية موجة عارمة من الأكشن والإثارة والطبقية. ما تهمله الكثير من المسلسلات الاجتماعية، افتقارها للدقة.
توقع متابعون أن ينضم مسلسل “البطل” بطولة الممثل بسام كوسا والممثل محمود نصر ، إلى ثلة الأعمال التي تغوص في قاع المجتمع، وترصد تحول الطبقات الاجتماعية.
لا تزال بعض الأعمال القيمة محفورة في ذاكرة الكثير من المشاهدين السوريين، حيث تنتمي إلى تلك الاجتماعية “لعنة الطين” و”ورود في تربة مالحة” و”الفصول الأربعة” وغيرها، غير أن مسلسل “البطل” أحبط المتابعين، ولم يرتقِ إلى التوقعات التي عولت عليه ليكون في طليعة المسلسلات الرائدة.
الحدث الدرامي
يعود المخرج السوري الليث حجو إلى الدراما الاجتماعية عبر مسلسل البطل الذي يحمل توقيع نص رامي كوسا ولواء يازجي، في حكاية مأخوذة عن مسرحية “زيارة الملكة” للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان (1941 – 2004). يطرح العمل قصة تدور في قرية سورية هجر أهلها، ضمن معالجة درامية لا تتجاوز السائد في الإنتاج الدرامي السوري.
تدور الأحداث حول شخصية الأستاذ يوسف (بسام كوسا)، وهو رجل يحظى باحترام أهل الضيعة بفضل إنسانيته، التي ورثها عن والده وجده. وعلى الرغم من التهجير والقصف اليومي الذي يطاول الأبرياء، وإحكام قبضة الأمن والمخابرات خلال الحرب السورية، يصر يوسف على البحث عن العدالة والخدمات الأساسية لأهل قريته.
سيناريو وحوار ضبابي
فتح “البطل” أزمة فنية عميقة تتمثل في إحداث التأثير المرجو من عمل فني دون مباشرة ومبالغة قد تفقدانه قيمته، وتجعلانه أقرب إلى حقن أخلاقية من الزمن البائد، يتم تلقين الجمهور بها في كل حلقة.
العقدة في المسلسل لم يكتف فيها صناعها بالمبالغة الشديدة في رسم شخصية بطله الأستاذ يوسف عيد صالح التي جسدها الممثل بسام كوسا، بل بجعلها شخصية ملائكية ومغامرة ومقدامة، وازداد الأمر سوءاً بكثرة الشخصيات وتفريعاتها، ورغبة المؤلف في عمل خطوط درامية عديدة داخل المسلسل تخص كل بطل من أبطال المسلسل، بشرط أن يصب كل خط منها في القصة الرئيسية الضبابية التي انطلقت من فكرة لممدوح عدوان لا تفرعات حقيقية لها ضمن دراما العمل المكتوب باستسرسال فظلت الخطوط الفرعية تائهة ومنفلتة.
يبدو المشاهد أمام عمل لا يخلو من التطويل، ما جعل المسلسل يفتقد إلى البناء الراسخ، في مشاهد ممطوطة، لا تجد صعوبة في توقع أحداثها، انطلاقاً من الدور الذي تقوم به كل شخصية، لأن الخيوط المتداخلة التي تربطها تكاد تكون متشابهة.
كما ظهرت شخصيات المسلسل وكأنها مضطربة أكثر من اللازم، وتقف أمام مجموعة من التصرفات المتناقضة لكل منها، تتداخل فيها الرسائل ومعاني الخير والشر بعشوائية لا تعكس قصداً للاضطراب في ذاته، فلا تملك إجابة عن سبب يجعل الشخصية الرئيسية في المسلسل الأستاذ يوسف (بسام كوسا) تتأرجح بين القيمي والأخلاقي والتورط في أزمات عديدة لمجرد رغبتها في المساعدة… وذلك في مواجهة سلبية من الأطراف المقابلة، والتخلي عن الحق وخوض معارك غير منطقية، وتتنازل عن الواجبات الرئيسية أمام معاني التسامح والعفو والإيمان.
شخصية البطل
أما شخصية يوسف التي تقوم بتطهير ذاتي، فقد فشل المسلسل في تقديمها، أو تجسيد رحلتها النفسية تلك أو دوافعها، وأعتمد كلياً على مشهد أكشن في الحلقة الخامسة، يقوم به البطل بالقفز من سطح مدرسة القرية لينقذ طفل إثر إندلاع حريق في المدرسة نتيجة تلف القواطع الكهربائية والتحميل الزائد للكهرباء، على أثر إيواء النازحين من القرية المجاورة نتيجة اشتداد الاشتباكات، مشهد عادي لا يستوجب الاحتفاء به، وقرأت الكثير من “العلك” بالصحافة عن هذا المشهد الأكشن الهوليودي، العلك الذي يتحدث عن حرفية وإتقان و”كلام كبير” إلى حد اعتبار آخرين أنه حوت الدراما الاجتماعية. تحتفي الحكومة بتكريمه كبطل وطني، بطل على مقياس المزرعة الأسدية البائدة، بطل من ورق وحبر لا حياة ولا دم فيها. مشهد لازمة تصويرية في المسلسل الاستعراض البعثي لتحية العلم، يحلينا هذا المشهد إلى فيلم الراحل المخرج السوري عمر أميرلاي في فيلمه “طوفان البعث”، مشاهد تقوم على المشهد الواحد المتكررone shot، ويحاول أن يحاكي الواقعية الفرنسية ولكنه يفشل، ويقدم عوضاً عنها واقعية فجة وحركة كاميرا غائبة خارج اللعب البصري وتتعدد زوايا المشهد والاستفادة من تقنيات التصوير المتطورة جداً.
باقي الشخصيات
باقي شخصيات العمل، مجموعة من الكليشيهات المعادة بقدر كبير من النمطية؛ محمود نصر بدور فرج، أمه قتلت أبيه وولدته في السجن، مما يجعله منبوذا، وترفض عائلة حبيبته القبول به كزوج لابنتهم التي تهرب معه في النهاية… خلطة من الانفعالات العاطفية. جيانا عيد بدور سمرا، التي تقوم بغسل الأموات في القرية… حضور عفا عليه الزمن ولا أمل في تجدده.
ترتبط كل خيوط المسلسل بقصص لشخصيات تطفو على السطح فجأة دون جذور فنية. لكن أكثر شخصية بدت غير متقنة في البناء الدرامي شخصية يوسف التي جسدها بسام كوسا. لم ينجح في تقديم صورة عن البطل الشعبي بنهكة سورية مشبعة، فهي شخصية لا يمكن المشاهد أن يفهم دوافعها إلا بالقدر الذي تبدو عليه صورة الأداء الحائر بين إحساس المثقف وشهامة البطل الشعبي.
_______________________________________________________
*صحافي وناقد سوري