المصباح | دولة في الوديان!
همام البني – العربي القديم
مقتل الرئيس الإيراني مع كبار مسؤوليه، أصبح من التاريخ. هذه حقيقة الحياة، فالتاريخ تاريخ قَرُب أم بَعُد. قبل أيام، كان التوقع بهذه النهاية لرئيس دولة على عتبة القنبلة النووية، تملك ملفات منطقة من الأكثر تعقيدا، ميليشيات وفيالق على مدّ النظر، أشبه بالمستحيلات، شيء سيريالي شبيه بحفلات التنجيم، في برامج نهايات الأعوام.
الحديث عن مؤسسات دولة في إيران، قد يبدو صحيحا، في حال أضيف له مصطلح، سلطوية، المؤسسات هناك، تتشكل من مجموعة علاقات ونظم متشابكة، تصب أخيرا في مركزية “المرشد”، بعده ينتهي الكلام، تُنسف هنا فكرة المؤسسة، من أساسها، وتظهر “حقائق” الوصاية والتحكم.
مشكلة منطقتنا مع التاريخ، تشبه مصيبتنا مع المستقبل، نمر عليهما، كمشاهدين، لا دروس تستخلص، ولا تنظيم يبنى عليه، نعاملهُما، معاً، الماضي والمستقبل، كمُسلمات بديهية، دون قراءة المقدمات التي انتظمت لتنتهي بهيئتها وشكلها الأخير، أو دراسة ما وراء الظاهر، المسكوت عنه، لفهم التاريخ كما هو، لا كما عرفناه.
في المسألة الإيرانية تحديدا، عشرات الأسئلة الواجب طرحها، من الشأن الداخلي الأكثر تعقيدا، إلى الإقليمي المتشعب شمالا وجنوبا. الكيفية التي سيطر بها المشروع الشاب في سبعينيات الألفية، كأخطبوط سياسي، اقتصاديا ودينيا على مؤسسات دولة عريقة، على أن لا تنتهي أسئلتنا في الحاضر، عند الرئيس رئيسي ومروحيته، القادمة من آواخر ستينيات القرن الماضي، من فورت وورث، تكساس، الأميركية لتستقر في أعماق وديان أذربيجان الشرقية.
يستخدم علماء الطبيعة علم “دندروكورنولوجي”(Dendrochronology) ليتمكنوا من تحديد عمر الأشجار، وذلك عن طريق عد الحلقات الموجودة في مقطع من جذعها، وهذه الحلقات المقطعية، تعرف، بحلقات النمو، تعطي معلومات دقيقة عن الظروف البيئية التي تحيط بالشجرة.
عمر الأنظمة، الدول والحضارات، كمفهوم محايد، يمكن حسابه أيضا، بحلقات فعل النمو، العلاقات داخل المجتمع، إدارة الصراع، وما تحاول الدولة امتلاكه وإلى أين تريد الوصول ؟
مضى العقد الأخير النووي وعتبات القنابل ارتبطت بطهران، كوريا الشمالية، كالهند، دولتان نوويتان، تتمترس الأولى خلف إرثها البالستي بشعب منهك، بينما تنطلق الثانية في فضاء الدول الصناعية الناشئة في العالم، بالتوازي بين مجموعة العشرين ودول البريكس. شبابها يقودون تقنية المستقبل، النموذج الإيراني لا يبشر، الإيرانيون كشعب عريق، مشاريع من الماضي، “تارات” للمستقبل. انكشاف “خطاب” المشروع على الواقع، إذا لم نقل تم إعلان وفاته سريرياً بعد حرب العدوان على غزة. لحظة احتياج “القدس” اختفى فيلقها، في شوارع عواصمنا العربية!
تحاول الأنظمة الكهلة تحدي الزمن. تقطع الهواء والماء عن شعوبها، تتماهى مع مورثها، تشعر بقوة، خادعة، في أذرعها، بانتشارها وتأثيرها، تظن، أن القوة والمكانة على الخارطة تأتي من الخارج، تنسى جسدها وعقلها، حتى تجد نفسها تبحث عن رئيسها في الوديان، بطائرات جيرانها.
تخبرنا صفحات التاريخ دائما ماذا جرى، لكن لنقرأ مصيرنا، كالأمم التي اجتازت عتبة الماضي، استشرفت المستقبل، ليس على طريقة ضاربي الودّع أو المنتظرين صُدفاً، أخطاءً وشماتة تغير لهم مستقبلهم، علينا أن نستعد لما سيجري.