فنون وآداب

مسلسل العربجي 2: من الأكشن أقصاه.. ومن الصدق قليله.. ومن الفشل وافره!

العربي القديم – أحمد صلال

كعادته في السنوات القليلة الماضية، يحتفل رمضان الدراما السورية هذا الموسم، بنماذج من أعمال البيئة الشامية، حيث الحنين للماضي العربي الغابر، المتسم بالرجولة والأنفة والعزة والكرامة. “العربجي” الجزء الثاني ينتمي بشكل ما إلى هذا اللون من الدراما وإن حاول أن يتحرر منها، ومن قيم الحارة الدمشقية تالياً، لكنه أتى بحياكة درامية لا تحمل الجديد ولا تحفز على المتابعة.

الحدث الدرامي

يحكي المسلسل قصة عبدو العربجي (باسم ياخور) الذي يعمل على نقل البضائع على عربة يجرها حصان لإعالة عائلته. ويحكم الحي آل النشواتي، تُجار القمح الذين يبيعون حصادهم داخل سورية وخارجها. أبو حمزة النشواتي (سلوم حداد) يواجه زوجة شقيقه درية خانم نادين خوري في دور جيد يخرجها من أدوار الطيبة التقليدية، إلى دور امرأة متسلطة في دراما تشهد صراعاً درامياً متوترا على الدوام. تواجه درية خانم سلفها أبو حمزة من أجل السيطرة على البلدة وإثبات نفوذ امرأة أمام رجل، هو الآخر يسعى إلى قمع النساء والتفرد بتجارة القمح وحده.

مهنة العربجي في دمشق

لم يكن العمل في مهنة العربجي يحتاج إلى العلم، ولا سعة المعرفة، بل إلى القوة الجسدية وإتقان التعامل مع الحيوانات، لذلك عمل بها كل من تقطعت بهم سبل الرزق. وجاء في قاموس المهن الذي ألفه الأديب والحقوقي ظافر القاسمي وصدر عن وزارة الثقافة السورية عام 1960 في تعريف مهنة العربجي أنها “سائق العجل المسمى عربة يعمل عند الوجهاء وعند الضرورة، أو عند أصحاب العربات ويلاقي مشقة دائما. عملهم في الربيع حيث يستنشق الراكب الهواء الطلق ويشاهد المناظر المحببة من الأماكن المرتفعة”.

وعاشت مهنة العربجي في دمشق طويلا، وهي تمثل شريحة من الرجال الذين يقومون بنقل الناس بين أحياء المدينة الواحدة أو بين المدن. والعربجية عالم يتداخل فيه الرجال بالنساء، والحقيقي بالمتخيل، عاش فيه هؤلاء الكثير من قصص الرجولة والشهامة، لكثرة ما كانوا يواجهونه في ترحالهم من مصاعب ومخاطر، ولكثرة ما يتعرفون على أشخاص جدد في كل الأماكن التي يزورونها. والعربجي في الغالب، رجل قوي شهم جريء، يحمي من يركب معه ليوصله إلى مقصده بأمان، خاصة لو كان الركاب من النساء. وكان العربجية في الغالب ينتقدون لمعاملتهم الحيوانات بقسوة، كما كانوا بسبب قلة معارفهم وخشونة حياتهم، يتسمون بالمزاج الحاد والغلظة في التعامل مع الغير. كما يتميزون بسطوة اللسان الفاحش، وهذا ما جعلهم مضرب المثل بخشونة السلوك، لكن الأمر لا يلغي روح الشهامة والنخوة الموجودة لديهم.

لكن طبعا كل هذه الثقافة الاجتماعية لم تظهر في دراما المسلسل بسبب سطحية المخرج أولا، وفهم باسم ياخور المحدود لدوره ثانياً، فهو يرى فيه زعامة وبطولة مطلقة مشفوعة بالعنف والتحدي والمقولات الساذجة عن الظلم الاجتماعي، أكثر مما يبحث في ثقافة المهنة التي كانت جزءا أصيلا من ثقافة الناس وتكوينهم

العربجي في واد وسوريا في وادٍ آخر

الحكايات هي نفسها عن رجال الشجعان التي تدور بينهم صراعات الخير والشر بطريقة استعراضية متكلفة أحياناً فيها من “الأكشن” أقصاه ومن الصدق قليله.

ومع ذلك تبقى سورية الراهنة في وادٍ ومسلسل العربجي في وادٍ آخر، الأمر الذي جعل صناع “العربجي” يعزفون على وتر التشبيح واستعراضات العنف والقوة والقتل… حيث تغييب الجمالية الفنية عن حركة الممثلين وانفعالاتهم، ويغدو التماسك الإخراجي مشهدية تنفيذية متقنة بلا عمق في قراءة الشخصيات ومحاولة توسيع أفق النص المغلق، ولا القبض على روحية زمن فائت ومسرح أحداثه، ولا يحمل أفكار جديدة والنظرة السائدة للجمهور، ونجدها على مستوى الرسائل الموجهة والرؤية الدرامية.

يفتقد المسلسل أيضاً؛ إلى روح توازي مقدرة الممثلين، خصوصاً باسم ياخور الذي يسعى في مجمل أعماله إلى تقديم ما يلفت الأنظار إليه، لكنه تائه في “العربجي” ويفتقد إلى مكونات البطل الذي لا يقهر في مشاهد كثيرة. المسلسل، في مجمله، ينتمي إلى الفانتازيا الحديثة من ناحية الشكل، ما يؤثر بشكل كبير على المضمون المفترض أن يواكب شكل المسلسل ويطابقه.

كبوات بالجملة ولا “حصان رابح”!

نادين خوري “درية خانم” المرأة القوية التي تبالغ بالقسوة على أولادها ما يجعلهم معدمي القرار، تبقى في مكانة غير متألقة كأداء لكنها مأزومة كشخصية لا تجد لها توصيفا واضحا في السيناريو، حمولات الحوار والسيناريو تردده كلمة كلمة لا تعبر عن إرهاصات للتغيير، السيناريو والحوار لا زيادة ولا نقصان فيه، الحالة النفسية للشخصية لا تراعي كل كادر درامي، وغياب للغة الجسد، وضعف بالوقوف أمام الكاميرا.

يبدو أن العمل الذي تعود أحداثه إلى الحقبة العثمانية يفتقد إلى رواية محورية تمثّل الأساس في تقاطع مجموعة من الحكايات التي تدور في فلك ما يفترض أن يكون حبكةً أساسية. ومن الواضح أن جميع المشاركين في “العربجي” من ممثلين لم يقرؤوا الورق جيداً في البداية، فحاول المخرج سد جزء من ثغرات شكلت نقاط ضعف المسلسل.

الفنان السوريان سلوم حداد وباسم ياخور في “العربجي” يخوضان تجربة فاشلة في جميع جوانبها، وداخل السائد والمستهلك في الدراما… وخصوصا ياخور “عبدو” النمطي التقليدي الذي يسير بخط أحادي فيعجز عن التلوين والتوهج رغم كثرة الانفعالات والصراخ، إلى الدرجة التي تجعلنا نعتقد أنه ربما هي الصدفة البحتة التي جعلت منه “نجم شباك” في زمن الدراما السورية الأغبر!

زر الذهاب إلى الأعلى