فنون وآداب

الفنان التشكيلي أسعد فرزات لـ العربي القديم: أنتمي للعاصي والفرات.. وأنا لست رساماً فقط!

حاوره: أحمد صلال

يتمتع أسعد فرزات بحظوة نقدية تشكيلية سورياً وعربياً وحتى أوروبياً، حيث احتضنت المدن الأوروبية خلال ثورات الربيع العربي الكثير من المعارض الجماعية والفردية، لفنانين وجدوا في مأساة بلادهم مادة لإبداع جديد.. ووجدوا في هجرتهم ومنفاهم بعداً عن وطن لم يعد يفتح أبواب صالاته للوحاتهم. (العربي القديم) أجرت هذا الحوار مع الفنان التشكيلي السوري أسعد فرزات.

ابن أسرة فنية

س:  بدايةً لنعود خطفاً للوراء؛ متى بدأت دخول عالم الفن التشكيلي؟

أنا لم أدخل هذا العالم، وإنما ولدت في أسرة جميع أفرادها يمارسون الكتابة والفن، وكان لدينا مكتبة ضخمة في البيت تحتوي على كتب فن تشكيلي، وأينما توجهت في البيت أجد أدوات للرسم.

س: من شجعك؟

حبي وعشقي للرسم وكافة الفنون التشكيلية هو من شجعني فالفن التشكيلي فن راقي يسمو بالروح والعقل والوجدان. إذاً أنا وجدت نفسي في داخل هذا العالم.

س: ما هي دراستك الأكاديمية؟

في مرحلة الإعدادية والثانوية تبلورت موهبتي، وقررت أن أدخل كلية الفنون الجميلة في دمشق قسم التصوير الزيتي؛ آنذاك هكذا يسمى، وبعد التخرج قمت بالتدريس والإخراج الصحفي لفترة ثم تفرغت للفن التشكيلي.

أسعد فرزات أمام مبنى كلية الفنون الجميلة القديم بشارع بغداد بدمشق في ثمانينات القرن العشرين

هواجس ثورية

س: متى تحب أن ترسم، وهل هناك وقت محدد ولماذا؟

في الحقيقة المسألة لا تعتمد على الوقت بالنهاية أنا فنان محترف وبعد الثورة السورية بدأت العمل على مشاريع إنسانية وأخلاقية وهذه هواجس تسكنني تماماً، هذه الهواجس هي من تقودني لمرسمي الخاص؛ أصبح الهاجس هو الحالة الانسانية والفنية، أدخل مرسمي أعمل على مواضيع إنسانية بعضها أكملها فيما بعد والبعض الآخر ألغيه. ليس هناك وقت محدد للرسم، ولكن الأمر يرتبط بالحالة المزاجية والنفسية للفنان وأنا أبدع عندما أكون وحيدا.

عملية ذهنية معقدة

س: برأيك الفنان نتاج الحالة الأكاديمية أو هو نتاج الحالة الأكاديمية، أو ممكن أن نقول كلاهما؟

هي عملية متكاملة بدايةً لا بد من الموهبة، ولكن الموهبة لوحدها لا تكفي، هناك الكثير من الناس موهبون في رسم الوجه فوتوغراف ورسم الطبيعة، ولكن هذا لوحده لا يكفي؛ الفن عملية معقدة تحتاج إلى ثقافة واسعة وثقافة بصرية وإلى ذهنية خاصة، هي عملية ذهنية معقدة، أنت كفنان كيف تنظر للأمور من عدة زوايا، ومثلما قلت سابقاً هي عملية ذهنية بالغة الثراء والعمق، وإحدى تمظهراتها هي: كيف تنتج من المواضيع مادة للرسم. لنأخذ مثلاً؛ الحرب الأهلية الإسبانية كيف جسدها فنياً بيكاسو في جداريته الخالدة (غرنيكا)؟ ولماذا استخدم أسلوب التصوير الزيتي؟ ولماذا اقتصرت الألوان على الأزرق الداكن والأسود والأبيض؟ هي عملية ذهنية متكاملة تحتاج إلى موهبة وإبداع ورؤى وصقل طويل للمواهب.

الفنان هو حالة وجدانية وإنسانية خاصة. أنعم الله عليه بموهبة ولدت معه ثم إحساس أرقي من الآخرين، والدراسة الأكاديمية ضرورية جدا للثقل الفني واكتساب الخبرات العلمية والثقافية، بينما الحالة الإبداعية هي نتاج لكل ما سبق.

حافظ الأسد بريشة أسعد فرزات

بيكاسو أرض خصبة

س: عالمياً… بمن تأثرت منهم تشكيلياً؟

أنا متأثر بكل فن حقيقي. مثلاً أنا متأثر ببيكاسو في مراحله كافة، بيكاسو أرض خصبة للاكتشاف هو عمل على مواضيع كثيرة، ولكن من جهة أخرى لن أقول أني متأثر بأي واحد منهم كفرد، هم نتاج جميع الحضارات مثل بيكاسو وفان غوغ، وهؤلاء مدارس لعباقرة لا يمكن الفكاك من التأثر فيهم، وكذلك الفنان يتأثر بالمحيط هناك فنانين جدد ومواضيع أخلاقية وإنسانية ووجدانية تأسرني لأنها تمس الواقع. برأي أن الفنان متجدد. يبقى يأسره التجريب والاكتشاف في أرض خصبة وبكر، وليس هناك منبع واحد للفن، لذا يقع على عاتق الفنان في مرسمه أن يكون هو ذاته لا يستعير ريشة الآخرين وإن تأثر بعوالمهم أحيانا، يجب أن تكون أعماله متجددة وحقيقية  تنمو في أرض خصبة بتربتها ومكوناتها ومؤثراتها.

الهامش

س: هل الممكن أن توجز لنا  سجل مشاركاتك في ميدان الفن التشكيلي؛ بالأصح كم معرض أقمت أو شاركت فيه؟

منذ تخرجي كنت دائم البحث، وأقمت الكثير من المعارض الفردية والجماعية في عدد من الدول العربية، ومازالت على نفس النهج؛ أنا لا أستطيع أن أعيش من دون أن أرسم وأعرض ولا أستطيع أن أبقى على الهامش. ومنذ قيام الثورة أقمت الكثير من المعارض الفردية والجماعية، وشاركت بالكثير من الفعاليات، وأصبح موضوعات الثورة السورية تسيطر على تفصيلات روحي: رغيف الدم، وصرخة الحرية، وعبور البحر، والموت والحياة، والحب والجمال… كلها موضوعات شكلت انعطافة في مساري الفني.

بشار الأسد بريشة أسعد فرزات

بين نهرين

س: طفولتك أين قضيتها، وكيف تقرأ طفولتك؟

لحسن حظي أن طفولتي قضيتها على نهرين، نهر العاصي ونهر الفرات. مرحلة  المراهقة والشباب قضيتها على نهر الفرات في دير الزور، حيث يمزج نهر الحكايا والأساطير وحتوتات الجدات نهر خصب مع الجو الصحراوي. هذا الشي أثر في مسيرتي الفنية من حيث اللون والشكل والمضمون،؛ وخاصةً الأسطورة اشتغلت معرضاً كاملاً عام 2007 في تونس عن الأسطورة وتأثير الماء والصحراء في نتاجي الفني التشكيلي، بينما طفولتي المبكرة قضيتها على نهر العاصي؛ لذلك أنا مزيج من الماء والصحراء وأنتمي للنهرين الجميلين.

بيت جد أسعد فرزات على ضفاف العاصي في حي الكيلانية المسجل على لائحة التراث العالمي في اليونيسكو، الحي الذي أزاله حافظ الأسد من الوجود في مجرزة حماة 1982

التنميط والتكرار

س: ما هي مشاريعك القادمة في عالم الفن التشكيلي؟

أنا قلت لك أنا دائم البحث عن الجدة والحقيقة والصدق في مختبري أعمال لساعات طويلة، وأنا أبحث عن الأرض التي تبعدني عن التنميط والتكرار،.

للآسف هناك فنانون يدأبون على التنميط والتكرار، ويحملون نفس الأدوات في حلهم وترحالهم؛ أنا لست منهم أنا لست رساماً فقط، أنا أعمل دائماً على التجريب، والتجريب نتاج الإبداع.

مصيرنا نلون السماء بالأحمر .. رسالة من طفل سوري الى طفل فلسطيني

س: كلمة أخيرة لجمهورك الفني؟

حقيقةً أنا سعيد برصيدي الفني لدى الناس، وأشكرهم من كل قلبي، وللمتلقي مكانة كبيرة في نتاجي، أنا أضع نصب عيني كيف سيتلاقى نتاجي وأبحث عن مساحة مشتركة للتأثر والتأثير.

لؤي كيالي بريشة علي فرزات

وجوه أسعد فرزات: بصمة فنان وتوقيع ثائر

بقلم: محمد منصور

رسم أسعد فرزات وجوه طغاة وقتلة ومجرمين، ورسم وجوه فنانين وبشر وضحايا ولاجئين وغرقى… فغرقت لوحاته بالرؤى التي يمتزج فيها الإنساني بالتشكيلي، والتقنية بالمعنى، فتأتي تلك الوجوه اختزالا لتفاعل الفنان الحقيقي مع سياق تاريخي شكل هذه الشخصية في وجدانه بكل دلالاتها، اختزالاً للموقف والرؤية وما يريد أن يقوله فرزات عنها. فيسكن الشر ونشوة التشفي بالضحايا واتساع الجريمة ابتسامة حافظ الأسد الضيقة، وتسكن البلاهة عيني بشار الأسد وقد ازداد اقترابهما من بعضهما، حتى عز عليهما أن يريا ما هو أبعد من الأنف الكبير، واستطالت الأذنان وكأنهما تعرضتا لشد تأنيبي مزمن، بعد أن استمعتا لكم لا حصر له من الأوامر والتقارير.

ليس في تلك التقنية رؤى كاريكاتورية كما يبدو الوصف للوهلة الأولى، بل محاولة تشيكلية تمزج بين التعبيري والانطباعي للغوص في البنية النفسية لوجوهه، والذهاب عميقا حيث يبدو التشكيل إعادة تشكيل لكل المعاني والملامح والمرامي.

على الطرف الآخر حضرت كآبة ديستويفسكي وقلقه في بورتريه لؤي كيالي، وبدا هذا الفنان الذي مات محترقا بعدما أحدث ثورة في الفن التشكيلي السوري، وكأنه يلوك آلامه بصمت، ويخبئ ألوانه لمبهجة في قارورة، ليترك بورتريه أسعد فرزات  يغرق في ألوان رمادية تقارب أطياف الأزرق الكامد بحذر، وتتكئ على ظلال سوداء داكنة.

لا يمكن الفكاك بسهولة من وجوه أسعد فرزات، من الطفل المدمى الذين يلون السماء بالأحمر، من العيون المتخفية خلف ضربات ريشة حساسة حيناً ونزقة غاضبة حينا أخر، وقد خبأت المعاني في مغامرة تشكيلية غريبة من نوعها، أو أفصحت عنها في تعبيرية أخاذة… من الروؤس الكروية المصطفة حيناً والمتناثرة حينا آخر كرغيف الدم في مجزرة.  

في وجوه أسعد فرزات بصمة فنان على وجوه الآخرين. كأنه يوقع على وجوه الطغاة ويداعب وجوه المتعبين، ويستحضر السماء المائلة إلى الحمرة على وجنتي طفل، وينتشل الوجوه الغارقة في بحار العبور من وإلى المأساة السورية، من ذلك المدى الأزرق الطاغي، الطاغي حتى الموت.

استراحة مجدد في مرسمه المتمرد على التنميط
زر الذهاب إلى الأعلى