قصص الريف الحموي الثائر: شهداءُ حلفايا من الالتحام إلى الاقتحام
كل أرض سوريا مسرحٌ لبطولاتِهم، خبطت أقدامهم كلَّ شبرٍ فيها.
د. فطيم دناور – العربي القديم
حينَ كتبَ نزار قباني:
جاءَ تشرينُ يا حبيبةَ عُمـــــــري | أحسنُ الوقتِ للهوى تشرينُ | |
جاءَ تشرينُ.. إن وجهَك أحلى | بكثيرٍ … ما سرُّه تشـــــــرينُ؟ |
لم يدُرْ في خلَده، ولا خلد أحد، أن تشرينَ، هو الثاني من عام 2024، وأن آخر ثلاثة أيام منه، ستكون فاتحة نصر عظيم، وأن الفرسَ سيهزمون بعد أربعةَ عشرَ عجافٍ، ويتعافى وجدانُنا المطعونُ، وأننا سنقطع رأس العنقاء في حلب، ونخلعُ أضراس التنين الفارسي. لكنّه كان يؤمنُ أنَّ السيفَ وحدَه اليقين، وأنَّ السياساتِ كلّها أفيونُ، وأنّ النصر لا ينتزعُ بالكلام والمؤتمراتِ بل بالأفعال:
صدَقَ السيفُ وعدَه يا بلادي | فالسياساتُ كلُّـــــــها أفيـــونُ | |
صدقَ السيفُ حاكمًا وحكيمًا | وحدَه السيفُ يا دمشقُ اليقينُ | |
علمينا فقهَ العروبةِ يا شـــامُ | فأنت البيـــــانُ والتبييــــــــنُ | |
علمينا الأفعال.. قد ذبحتْنـــا | أحرفُ الجرّ..والكلامُ العجينُ |
ولكن هذا النصرُ لا بدَّ له من ثمن -هكذا يقولُ التاريخ- وقد دفعَ السوريون أثمانًا قلَّ نظيرها، قوافلَ من الضحايا على مدى أربعة عشرَ عامًا، بطرقٍ قدْ لا ترد على مخيلة بشر، موتٌ في كلّ مكان، ومع كل حركة. ولكن قد يكون أنبلهم شهداء الجبهات، أولئك الذين حملوا أرواحهم بأيديهم، وقاتلوا أكثرَ أعداء الإنسانية همجيةً، بإمكانياتٍ لا تعدُّ في حسابات المعارك؛ وبناءً عليه لا بدَّ من الوقوف في حضرة أشجع البشرِ وأنبلِهم، ولا يقلل هذا من تضحيات مَن قضوا نتيجة القصفِ أو التعذيبِ أو في البحرِ أو الغابات.
ولعلَّ ما دفعني للكتابةِ عن شهداءِ حلفايا سببان- الأول: كونها مدينتي وتابعت أغلب أحداثها، ويمكنني الحصول على المعلومة من أسر الشهداء، وأمّا الثاني: فهو عظمُ مصابها، وكثرةُ شهدائها كثرةً مفرطةً، ما جعلها تستحق لقب “أمّ الشهداء” عن جدارة!
وحلفايا: مدينةٌ من الريف الحمَوي الشماليّ، تبعُد عن حماة نحو 25 كم، عددُ سكانها نحو 30 ألف نسمة، يمتهنون الزراعةَ بالدرجة الأولى، تليها الصناعةُ والتجارة… لكنَّها أكبرُ من إحصائيةٍ سريعةٍ ومسحٍ سكانيّ عابر، هي غيداءُ تستلقي على ضفافِ العاصي، فيحيطها من جهاتها الثلاث: الجنوب، حيث يفصلها عن حماة المدينة، ومن الشرق حيث يفصلُها عن طيبةِ الإمام، ومن الشمال، حيث يفصلها عن الزلاقيات. يتصف أهلها بما يتصف به أهالي أرياف سوريا من الصلابة والثبات على الحق، ونصرةِ المظلوم، ومقارعةِ الظالم، كلُّ ذلك هيأها لتكونَ من أوائلِ المدن المنتفضةِ على النظامِ البائدِ، ما أوغر الصدور عليها؛ فباتت مسرحًا لعمليات القصف والتصفية والمجازر في أحيائها وبساتينها. ومن أشهر تلك المجازر:
مجزرة الفرن الآلي: أو مجزرةُ “رغيفِ الخبزِ المغمسِ بالدّم”، حصل ذلك حين استطاعَ الثوارُ بقوّة السلاحِ إخراجَ قوات النظامِ من المدينة، فاحتلّ الأخيرُ المشفى الوطنيَّ الوحيد، وقصف المدينةَ من موقعه المرتفع، كما حاصرها -على عادتِه مع الحواضرِ المنتفضة- وقطع عنها الطحين لمدّة أسبوع. وفي الأحد 23-12-2012 كانت إحدى الجمعيات الخيرية قد وردت طحينا للمدينة، وتمكّن الأهالي من تشغيلِ واحد من ثلاثة أفران متوقّفة، وهو الفرنُ الآليُّ، فتجمهرَ طالبو الرغيفِ واصطفوا ثلاثةَ طوابير، يُرى أولها ولا يدرك آخرها، وهذا ما خططتْ له قواتُ النظام بوحشية، فقامت طائرةٌ حربية، بالمراوغة على الأهالي، إذ مرّت فوقهم ليظنّوا أنّها لن تنفذ هجومها، ثم التفت وأفرغت فوقهم قذائفَ الحقدِ العنقودية المحرّمة دوليًا، لتوقعَ ما لا يُحصى من الضحايا بين جريحٍ وقتيلٍ، قُدّروا بين 150 إلى 300، نحسبهم عند اللهِ من الشهداء.
ما لم تسجّله الصحافة، أنّ أمّي كانت مصطفة في الطابور، وأنها تناولت حصتَها ومضت إلى بيتها، وعند وصولها بابَ الدار، سمعت أصواتَ الانفجار. ومما لم تقله الصحافة أيضًا، أن البيوت التي كانت في حيّ الفرن أُمطرتْ ردهاتها المكشوفة بالأشلاء البشرية، ما أصاب سكّانها بالهلعِ، فتركوا بيوتهم ونزحوا على إثرها. ما لم تسجله الصفحات أنَّ كثيرًا من ذوي الضحايا لم يتعرّفوا على جثثهم، وكل ما وجدوه أشلاءَ مكدسةً أمامَ كوّة الفرن.
أما أبطال المعارك، فهم أكثر بكثيرٍ من أن أحصيهم ببضع فقرات، ولكلّ واحدٍ منهم أهلٌ وحيّ، ومستقبل وطموحات، تخلى عنها وأدار ظهره لها، وقصد وحوش العصر دفاعًا عن الشهداء والمخفيين المعذبين؛ ولأن المقام لا يحتملُ الإطالةَ، اخترتُ شخصياتٍ من فتراتٍ متباينةٍ بدءًا بالالتحام مع جيش النظام، وانتهاءً بمعركة الاقتحام، وهي معركة “ردع العدوان”.
-شهداء الالتحام، محمد برهان مهدي وأولاده الثلاثة: كانت حلفايا قدْ انضمت إلى المدنِ الثائرةِ على النظام في 2011، متّبعةً الوسائلَ السلميةَ من احتجاجاتٍ ومنشوراتٍ وكتابات على الجدران، لكنّ النظام اتخذ القمع والترهيب وسيلةً لإسكاتِ تلك الأصوات، وكان أوّل التحامٍ مسلحٍ مع الشهيد البطل بإذن الله محمد مهدي الصيادي وأولاده، وكان المهدي يؤمّن الضباط المنشقين عن النّظام في بيتِه، ثم توصيلهم إلى مناطقَ آمنة في الشّمال، واعتادت أسرتُه على المناوبةِ في الحراسةِ الليلية، باستثناءِ تلكَ الليلة، فجر 16-9-2011 إذ استفاقت الزوجةُ على صوتِ عجلاتٍ في الشارع المحاذي، فأيقظت ابنَها الأصغر، وطلبت منه الإسراعَ لتنبيهِ والده، حتى يهربَ هو والضابطان اللذان كانا يختبئانِ في الجزء الخلفيّ من المنزل، وهو جزءٌ معزولٌ عن العائلة، كان يبيتُ فيه الضباط المنشقون، وفي الصباح يقصدون الشمال، ولكن قوات النظام، كانت قد طوّقت الحيّ بأكملِه، ونادوا بمكبراتِ الصوتِ على المهدي، وأمروه أن يسلّم نفسه ومن معه من الضباط، ولكن نخوة العربي المسلم منعته من تسليمِ من استجار به، فأجابهم بصوتٍ سمعه الحيّ، بأنه لن يسلمَ أحدًا ولن يستسلم.
ودارت أولى المعارك وأمُّها بين قوةٍ عسكريةٍ كبيرة مدججة بأعتى الأسلحةِ، وبين الأب ومستجيريه الضابطين، قاتلوا ببسالة المؤمنِ وشجاعة العربيّ، وكان مع الأب أولاده الثلاثة: عبد السلام محمد مهدي مواليد (1994)، ويوسف محمد مهدي مواليد (1995)، وموسى محمد مهدي مواليد (1996)، ولم تنتهِ المعركةُ إلا باستشهادهم جميعًا في الساعةِ التاسعةِ صباحًا، ونهب بيتهم وتكسيرهِ وحرقهِ، ثم اصطحبت قواتُ النظامِ جثامينهم معها، وتركوا منزلًا غمرت أرضه بالدماء، وزوجةً وأمًّا لا تعرف شيئًا عن مصير زوجها وأولادها، حتى تاريخ 25-9-2011، أرسل النظام برقيةً بأسماءِ الشهداءِ، فذهبت الأسرة لاستلامهم من مشفى حمصَ العسكريّ، ثم شُيعوا بجنازةٍ مهيبةٍ بتاريخ 27-9-2011.
-شهيدا الاقتحام حسين وريان: في عام 2024 كانت القوى الدوليّة تعمل على إعادةِ تعويمِ الأسدِ وتدويرِ نظامِه، إذ قلوبُ السوريين لدى الحناجر، والآمالُ قد تلاشت، حتى بلغ اليأس منهم مبلغًا خطيرًا، في هذه الأثناء، كان في شمال سوريا رجالٌ يُعدّون العدّة لإعادة الكرّة: كليات إعداد ضباط، مراكز تطوع، صناعة آليات وتركيبها، خطط اقتحام، خطط إرادة المدن. والعالم الذي وقف مع الظالمِ في غفلةٍ، حتى إذا انطلقت معركةُ ردعِ العدوان، كانت كصاعقةٍ رآها السوريون، ولم يصدقوا أعينهم. ومع التحصينِ المحكم للنظامِ والميليشيات الرديفة لحلب، كان لا بدّ من قواتِ اقتحامٍ خاصةٍ مدربةٍ تدريبًا عاليًا، مؤمنةٍ بوجوبِ جهادِ الدفع، وكانَ منهم الشاهينان الاقتحاميان حسين وريان.
ففي التاريخ 27-12-2024، الوقت قرابةَ العصر، الموقع الفوج (46) بريف حلب الغربي، حيث بطلُنا ريان (كرّار) الذي حقق وصيةَ أخيه (قسورة) بالالتحاق بجبهاتِ الجهاد. قبل أسبوعٍ ذهبَ كرار لوداعِ أمّه، وقال لها: “لن أعود حيًا، وآنئذٍ، لا تبكي، بلْ افرحي وزغردي لابنك الذي قدّم روحه ثأرًا للشهداء، ولفكّ أسرِ عفيفاتنا من السجون، انثري الفرح على جميع من حولِك”، ثم أغلق هاتفَه، وتفرّغ للتمرينات العسكرية الصارمة، ولم يفتحه إلا قبلَ الاقتحامِ بساعة، إذ سلّم على أمّه، وطلبَ رضاها ودعاءَها له وللمجاهدين، ثم استودعها الله، وتواصل مع ابن عمه (سيّاف) الاقتحاميّ على جبهةٍ أخرى، وتبادلا الوداعَ والدعاءَ بالنصرِ والتّمكين.
ينتظرُ بطلنا أمرَ الاقتحامِ بصبرِ حصانٍ فتيّ، أعلى منحدرٍ جبليّ، لمهمة طالما تخيّلها (كما بينت رسائله لابن عمّه)، جاءت الأوامر بالبدء، دخل ورفاقه كفيضان جارف، وبعد أن تمكّنوا من فتحِ ثغرةٍ في تحصينِ العدوّ، تنبّه ريان إلى التفاف العدوّ عليهم وإحاطته بهم، فطلبَ من زملائِه الانسحابَ حتى لا يقعوا في الأسر، بينما يقومُ هو بتغطيتهم ناريًا، وانسحبَ الرفاق، وظلّ ريان يقاومهم ويرمي عليهم، حتى أصيبَ إصابةً بليغةً، فكبّر وتشاهد بصوت سمعه الرفاق المنسحبون، وبلغَ تكبيره عنان السماء، فمن علمكَ التضحيةَ والإيثارَ يا ريان، ومن غرسَ فيكَ إنكارَ الذات يا حبيبي؟! ظل جسدُه الطاهرُ داخلَ الموقع، حتى اليوم الثالث، حين حقّقَ الثوارُ تقدمًا كبيرًا وتوغلوا في حلب، فأُحضرَ جثمانُه إلى أسرتِه، وشيّع إلى مثواه في بلدِ النزوح.
في اليوم ذاتِه، وفي جبهةٍ أخرى في (أورم الكبرى) في ريفِ حلب، كانت قصةُ حسين (تراب) (17عامًا)، تكتبُ بمسكِ الغزال، كتبَ حسين في صفحته على فيس بوك: “إني أجاهدُ أنْ أكونَ كغيمةٍ بيضاءَ مرّتْ نفعتْ ولا ضرّتْ”، رباهُ هذا فتى معلَّم، من أنبأك يا حسين، أنّك ستمرُّ على هذه الدنيا مرَّ السحاب، تمطر حريةً، وتذوب في أفق وطنٍ أثخنتْ جراحُه؟! حسين ليس مقاتلًا تقليديًّا، إنه انغماسيّ، ومهمته التسلل مع زملائه خلفَ خطوطِ العدوّ، لفتح ثغراتٍ في دفاعاتِه.
في هذا اليوم قبيلَ الغروب، تسللَ مع زملائِه إلى هذا الموقع المحصّن، وقاتلوا كما يقاتل الجبابرة، قاتلَ أحفاد أسامة بن زيد، فكتب الله على أيديهم الفتح المبين، قاتل حسين حتى أصيبَ بكتفه ورأسِه الطاهر، وارتقت روحه على إثرِها -كما تمنّى- لترقب تحريرَ حلب وسوريا من علٍ.
وما بين الالتحام والاقتحام 2011و 2024 سارتْ مواكبُ الشهداء من حلفايا، فروت ترابَ الوطن في مواقعَ مختلفة، منهم:
ماهر أحمد سويدان (20 عامًا) بطل مستودعات مهين: بطلُنا الشهير بـ(عُمر أبو صدام) من أوائلِ المتظاهرين السلميين في مدينة حلفايا، لم يتجاوز عمره السبعةَ عشرَ عامًا عند انطلاقتِها، وكان يتظاهر ويغطي المظاهرات إعلاميًا، واستمر على هذه الحال، حتى بطشَ النظامُ بالمظاهراتِ السلمية، وأجبرَ الشبابَ على حملِ السلاح، فالتحقَ بالمقاتلين، وقصدَ إدلبَ مع كتيبة الشهيدِ محمد الصيادي، وخاضَ مع رفاقِ السلاحِ والعقيدةِ معاركَ ضارية، ضدَ النظام وحلفائِه في ريفِ حلبَ الشماليّ، وسجلت أرضُ السفيرة، ومعاملُ الدفاع صولاته وجولاته، ثم تسلّم تكليفًا مدنيًا في منطقةِ الجندول، حتى إذا بدأت معاركُ حماة، عاد إلى حملِ السلاح مع باقي الكتائب، فحرّروا حلفايا، واتّجهوا إلى حاجزِ المداجن بطيبةِ الإمام، وهناكَ أُصيب بقذيفةِ دبابة، بُترتْ على إثرها يدُه الشريفة.
وخاض رحلةَ علاجٍ مريرة بين مشافي كفرزيتا وتركيا، وقبل أن يتشافى دفعته نارُ الجهادِ المتوقدة في وجدانه إلى العودة للقتالِ، فخاض معاركَ في القلمون، وكانت معركتُه الأخيرة في مستودعات مهين، حيث كان قائدَ سريةِ اقتحامِ، وفي هذه المعركة اخترقت رصاصةُ الإجرام خاصرتَه، وبسبب التغطيةِ الناريةِ، لم تتمكنِ الفرقُ الطبيةُ من الوصولِ إليه وإسعافه، فارتقت روحُه الطاهرةُ بتاريخ 11-2-2013، وتحررت المستودعات، ودفنَ جثمانُه الطاهر في منطقة (قارة) بريفِ دمشق، ومنها نقل النظام رفات الشهداء إلى مناطقَ مجهولةٍ، بعد سيطرتهم عليها لاحقًا.
عبد الكريم الرحمون (أبو علي رحمون) (34): أبٌ لخمسةِ أطفال، ثالث أخوته الشهداء الذين قضوا في الثورة، ناصرَ الثورةَ السوريةَ منذُ انطلاقتها، وتسلّح معها حين رفعت السلاحَ ضدَ القتلة، فالتحقَ بكتائب “أبو العلمين”، ثم انتقلَ إلى كتائبِ “العزة” وكان أحدَ قادتِها، ومع نهايات 2017 سيطرت كتائبُ الثوارِ على قرى حماة الشمالية، ووصلوا إلى بلدةِ معردس، وباتوا على تخوم جبلِ زينِ العابدين، فاستقدمَ النظامُ مليشيات أجنبية لإيقاف زحفِ الثوارِ إلى حماة المدينة، ومنها كتائبُ النجباء الطائفية، فشنوا معركةً مضادة، وهنا كان بطلنا على موعدٍ مع الشهادة.
ففي يوم الإثنين 17-10-2017، قاد أبو علي المعركة ضدَ القواتِ المهاجمة، وفيها أصيبَ بطلقةِ قناصٍ في الرأس، ثم أُسعف بسيارةٍ، حتى وصلوا جسرَ معردس، استهدفتهم قذيفة أنهت حياتَه، ومن معه من الثوار المصابين وعددهم (16)، وتابع رفاقُ السلاحِ القتالَ في محيط معردس، فكانت نتيجةُ المعركةِ أن كبّد الثوارُ القوات الحكوميةَ المهاجمةَ خسائرَ فادحةً بالعناصرِ والعتاد، وصدّوا هجومهم، وأجبروهم على الانسحابِ من أطرافِ قريةِ معردس.
هذه باقةٌ من جنةِ شهداءِ حلفايا، روت دماؤهم أرضَ سورية على امتدادها، كانوا يغيرون في المعارك بدافع الجهاد ورفع الظلم، وكل أرض سوريا مسرحٌ لبطولاتِهم، خبطت أقدامهم كلَّ شبرٍ فيها.
شرُفت بالكتابة عنهم – وهو جهدُ المقلّ- إحياءً لذكراهم العطرة وترحمًا على أرواحهم، وزلفى لها، أما التركيز على هذه الباقة، فسببه شهرتُهم من ناحية وإمكانية الوصول إلى معلومات عنهم من ناحية أخرى، وبناء على هذا شكلوا نماذجَ تعطي صورةً واضحةً عن باقي شهداء حلفايا خصوصًا وسوريا عمومًا، فكل واحدٍ منهم كسهمٍ في كنانة يشبه باقي السهام، لكنه لا يطابقه، فالرحمةُ والخلودُ لكلّ من ارتقت روحه على أرض سوريا دفعًا للظلم ونُصرةً للحقّ، وإن عجزت أقلامنا عن الكتابة عنهم، فثمةَ قلمٌ لا تفوته صغيرة ولا كبيرة، نرجو الله أن يكون قد سجّلهم مع الأنبياء والصديقين.
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024