الرأي العام

كامل صقر واللَّحظات الأخيرة في قصر بشَّار الأسد

وجدَ صقر أنَّ طبيعة هذا العمل تجعله مؤدياً لدور مرسوم له، وتأدية الدَّور -بحسب رأيه- لا تستدعي الاعتذار من الشَّعب السُّوريِ

د. مهنا بلال الرشيد- العربي القديم

في البداية لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ القصور الرِّئاسيَّة السُّوريَّة عادت للشَّعب السُّوريِّ بعد التَّحرير، بعدما ظنَّ المجرم المخلوع أنَّه بوسعه توريثها لابنه مثلما ورث الحكم عن أبيه، والآن وبعد الهدوء النِّسبيِّ في زخم الأخبار المختصَّة بالشَّأن السُّوريِّ منذ يوم التَّحرير في الثَّامن من كانون الأوَّل-ديسمبر 2024 حتَّى يومنا هذا فقد رغبت بتخصيص هذا المقال للوقوف على حلقة بودكاست (مزيج) شاهدت فيها مذيع قناة العربيَّة حسين الشَّيخ وهو يستضيف (كامل صقر) مدير المكتب الإعلاميِّ والسِّياسيِّ في قصر المخلوع بشَّار الأسد، وقد سُجِّلت هذه الحلقة بعد شهرين من سقوط المخلوع، ولم يكن هناك متَّسع من الوقت للحديث عن هذه الحلقة وتقييمها وتحليل بعض أقوال الضَّيف (كامل صقر) والتَّنبيه إلى أهمِّيَّة بعض (الضُّيوف-الصَّناديق السَّوداء) من الدَّرجة الثَّانية في القصر الجمهوريِّ بعد صُنَّاع القرار أو صناديق الدَّرجة الأولى ممَّن رافقوا المجرم المخلوع بشَّار الأسد في طائرة هروبه؛ وهم وبحسب رواية كامل صقر: منصور فضل الله عزَّام وزير شؤون رئاسة الجمهوريَّة والعميد محسن محمَّد مرافق بشَّار والمسؤول عن حمايته الشَّخصيَّة في رحلته إلى موسكو ووزير الدِّفاع علي محمود عبَّاس ورئيس الأركان عبد الكريم إبراهيم.

الرَّحلة الأخيرة إلى قيصر

تشبه-إلى حدٍّ ما-رحلةُ الاستجداء الأخيرة الَّتي قام بها المجرم المخلوع بشَّار الأسد إلى موسكو رحلةَ امرئ القيس إلى قيصر الرُّوم قبل 1600 سنة من وقتنا الرَّاهن تقريبًا، وإن طلب امرؤ القيس من قيصر الرُّوم مساعدته للثَّأر من قتلة أبيه فإنَّ المجرم المخلوع بشَّار الأسد طلب من روسيا الإمعان في قتل الشَّعب السُّوريِّ الثَّائر ضدَّ حكمه أو تسهيل وصول الأسلحة والميليشيات الطَّائفيَّة الإيرانيَّة لحمايته ومواصلة مهمَّته القذرة في تدمير سوريا وقتل الشَّعب السُّوريِّ وسجنه وتعذيبه؛ لكنَّ الرَّحلتين؛ رحلة امرئ القيس ورحلة بشَّار الأسد باءتا بالفشل برغم اختلاف الدَّافع الشَّخصيِّ الكامن وراء كلِّ واحدة منهما، وقد وصف امرؤ القيس عَبرة رفيقه عمرو بن القميئة حين سلكا دروب الشّمال نحو قيصر يستجديانه؛ فقال:

بكى صاحبي لمَّا رأى الدَّرب دونه         وأيقن أنَّا لاحقان بقيصــــــرا

فقلت له: لا تبكِ عينك فإنَّما              نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا

ثمَّ مات امرؤ القيس، ودُفن بالقرب من أنقرة، وعاد بعده بوقت طويل المجرم المخلوع بشَّار الأسد من موسكو وهو يجرُّ ذيول العار والخيبة والهزيمة قبل خلعه بأيَّام قليلة؛ ليجمع أمواله وبعض وثائقه المهمَّة أو الغالية عليه ما عدا صور عائلته الشَّخصيَّة، فأرسل تلك الأشياء إلى موسكو قبل تأمين الرُّوس طريق لجوئه من دمشق إلى حميميم فموسكو.

كامل صقر بوصفه صندوقًا أسود من صناديق عائلة الأسد المعدودة في الآونة الأخيرة،

بشَّار الأسد يترك مدير مكتبه وحيدًا في القصر 

تحدَّث كامل صقر عن مرافقته بشَّار الأسد إلى موسكو وعودته معه إلى دمشق ثمَّ فرار بشَّار الأسد دون إخباره بقرار الفرار، وأسهب في حديثه عن تردُّد فلاديمير بوتين قبل لقاء بشَّار الأسد خلال الزَّيارة الأخيرة، ثمَّ حصل هذا اللِّقاء في موسكو بعد مماطلة بوتين ليومين أو ثلاثة، وأكَّد أنَّه لم يرافق بشَّار الأسد إلى لقائه الأخير مع بوتين في موسكو إلَّا حارسه أو مرافقه الشَّخصيُّ العميد محسن محمَّد، وفي الوقت ذاته كانت فيه قوَّات ردع العدوان من ثوَّار سوريا تحرِّر المدن السُّوريَّة واحدة تلو الأخرى بدءًا من حلب حتَّى حماة فحمص الَّتي تزامن تحريرها مع عودة المجرم المخلوع بشَّار الأسد إلى دمشق؛ لذلك بدأ يوهم مرافقيه ودائرته الضَّيِّقة بأنَّه سيلقي خطاب المواجهة، أو كلمة يتحدَّث فيها عن مواصلة المعركة بعد قدوم الدَّعم القريب من حلفائه الرُّوس والإيرانيِّين، وطلب من موظَّفيه في القصر تحضير الموقع المناسب لتصوير هذه الكلمة وبثِّها عبر التِّلفزيون الرَّسميِّ وصفحات مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ التَّابعة لرئاسة الجمهوريَّة، ثمَّ استخدم بشَّار الأسد أمرَه بهذه التَّجهيزات أو التَّحضيرات لمراوغة دائرته الضَّيِّقة وخداعهم وإيهامهم بعزمه على قيادة المعركة ومواجهة أحرار سوريا وثوَّار معركة ردع العدوان، الَّذين حرَّروا مدينة حمص بعد مدينتي حلب وحماة، وصاروا على أبواب مدينة دمشق.

لماذا ألغى بشَّار الأسد كلمته بعد العودة من موسكو؟

تحدَّث كامل صقر عن كلمة أعدَّها المجرم المخلوع بشَّار الأسد بنفسه، تقع في حدود صفحة واحدة تقريبًا، وتتألَّف ممَّا يقرب من أربعمئة كلمة، تتمَّيز بالتَّوتُّر والحدِّة والانفعال، ولم تكن مناسبة للمرحلة وحسب، وإنَّما كانت تدلُّ على انفصال بشَّار الأسد التَّامِّ عن الواقع الجديد، الَّذي فرضه الثُّوَّار على أبواب دمشق. وأعتقدُ بعدما تابعت حلقة المذيع حسين الشَّيخ مع كامل صقر أنَّ حديث الأخير عن خوفه من بشَّار الأسد وعدم جرأته على نصحه بتعديل الكلمة واحدة من أبرز حسنات المقابلة القليلة؛ تلك المقابلة الَّتي توقَّعنا منها أن تبوح بكثير من الأسرار والألغاز أو المعلومات المهمَّة على أقلِّ تقدير؛ لكنَّها لم تقدِّمها لنا كمَّا كنَّا نأمل منها، برغم حديث صقر عن تعليقه لبشَّار الأسد على مسوَّدة الكلمة بأنَّها لا توازي التَّطوُّرات، ولا تقدِّم ما ينتظره مؤيِّدو بشَّار الأسد أو شبِّيحته أو المخدوعون به من طمأنة لهم على أنفسهم وعلى أبنائهم المجنَّدين عنده، ثمَّ أجَّل بشَّار الأسد كلمته مرَّة ثانية، ويوم السَّبت في السَّابع من كانون الأوَّل-نوفمبر 2024؛ أي قبل عشيَّة الهروب إلى موسكو أبلغ بشَّار الأسد كامل صقر بأنَّه لا يريد تصوير الكلمة أو بثَّها أبدًا.

حسنات المقابلة ومآخذ السُّوريِّين عليها

يمكن تقسيم المقابلة إلى قسمين قبل الحديث عن مآخذ السُّوريِّين عليها والبحث عن بعض حَسناتها القليلة أو القليلة جدًّا؛ لأنَّها لم تفِ بما كنَّا نتوقَّعه منها، وبدا للمتابعين أنَّ الضَّيف استطاع أن يتجاوز بعض توتِّره الدَّاخليِّ في حديثه عن علاقة بشَّار بالإيرانيِّين بخلاف القسم الثَّاني الَّذي تحدَّث فيه الضَّيف عن الشَّأن السُّوريِّ، وقد أدلى الضَّيف بمعلومات مهمَّة حول علاقة المجرم المخلوع بشَّار الأسد بالإيرانيِّين، وبدا من الحديث أنَّ بشَّار لم يعد يثق بالإيرانيِّين ولم يعد هو محلًّا لثقتهم أيضًا بعدما تهرَّب من استقبال الرَّئيس الإيرانيِّ إبراهيم رئيسيِّ في مطار دمشق خوفًا من استهدافه وقت الاستقبال، ثمَّ تهرَّب من حضور عزاء رئيسيّ بعد تحطُّم مروحيَّته، ثمَّ سافر إلى هناك؛ ليمتصَّ غضب المرشد خامنئي. وبدا لمتابعي حلقة البودكاست أنَّ الضَّيف تجاوز بعض التَّوتُّر، وراح يدلي ببعض المعلومات عن العلاقات السُّوريَّة-الإيرانيَّة منذ زيارة إبراهيم رئيسي إلى سوريا حتَّى لحظة وفاته في حادثة تحطُّم المروحيَّة. إلَّا أنَّ الضَّيف بدا متوتِّرًا ومخاتلًا في القسم الثَّاني في القسم الثَّاني من المقابلة؛ أي لم تكن جودة المقابلة ومعلوماتها بنفس الجودة في جزئها الأوَّل فيما يتعلَّق بالحديث عن الشَّأن الدَّاخليِّ السُّوريِّ المحض ودور المكتب الإعلاميِّ والسِّياسيِّ الَّذي يرأسه وعلاقة هذا المكتب المباشرة بكلٍّ من بشَّار الأسد وزوجته أسماء الأخرس داخل سوريا وطريقة صنع القرار وإخراجه للإعلام وطريقة اختيار المشرفين على هذه المكاتب أيضًا.

ولكنَّ هذه المقابلة برغم عدم تلبيتها لكثير من المأمول أو المتوقَّع منها فإنَّها عرَّفتنا (قليلًا) إلى كامل صقر بوصفه صندوقًا أسود مهمًّا من صناديق عائلة الأسد المعدودة في الآونة الأخيرة، ويمكننا من خلال مقابلات قادمة ومقاطعة معلومات المقابلات مع مقابلة كامل صقر ومقابلة محمَّد غازي الجلاليِّ رئيس حكومة بشَّار الأخيرة وغيرها من المقابلات أن نعرف كثيرًا من أسرار القصر الجمهوريِّ وألغاز عائلة الأسد المجرمة أو الطَّريقة، الَّتي كان تُدار بها سوريا من داخل القصر، ومنهجيَّة تقاسم الأدوار بين بشَّار الأسد وشبِّيحة عائلته وزوجته أسماء الأخرس وباقي صُنَّاع القرار داخل القصر الجمهوريِّ والقصور الرِّئاسيَّة الأخرى في دائرة بشَّار الأسد الضِّيِّقة من الَّذين رافقوه في رحلة فراره إلى موسكو أو لجوئه إليها.

كامل صقر بابتسامة فخر، متوسطاً قاتل السوريين بشار الكيماوي وزوجته أسماء الأسد

افتقرت المقابلة-لسبب أو لآخر-إلى جزء مهمٍّ جدًّا من أبجديَّات اللِّقاءات أو البرامج الحواريَّة، وكان من الواجب على المذيع الأستاذ حسين الشَّيخ في الحدِّ الأدنى من هذه المقابلة أن يستهلَّها بتعريف المشاهدين على ضيفه وبطلبه من هذا الضَّيف (كامل صقر) أن يعرِّفنا إلى نفسه ومكان ولادته وبيئته الَّتي نشأ فيها ودراسته والطَّريقة، الَّتي تعرَّف من خلالها إلى أسماء الأخرس؛ ليكون محلَّ ثقة عندها قبل أن تختاره للعمل مديرًا للمكتب الإعلاميِّ والسِّياسيِّ في القصر بعدما كان مراسلًا لقناة إيرانيَّة بحسب تعليق شادي حلوة على هذه المقابلة، كما قال حلوة: إنَّ أسماء الأسد اختارت كامل صقر للعمل في هذا الموقع نكاية بلونا الشِّبل ذراع بشَّار الأسد الإعلاميِّ قبل موتها بحادث سيَّارة مشبوه، بالإضافة إلى دوره في حرائق سهول اللَّاذقيَّة وحرائق غاباتها المشبوهة، الَّتي تمكَّن من خلالها كامل صقر بإيعاز من أسماء الأخرس من الاستيلاء على كثير من الأراضي لإنشاء مشاريعها الخاصَّة عليها خلال سعيها إلى الهيمنة على الاقتصاد السُّوريِّ بعد تنحية رامي مخلوف وغيره. وفي المقابلة نفسها أشار كامل صقر إلى أنَّ لونا الشِّبل خاطبته باسمه (كامل) دون لقبه أو صفته الرَّسميَّة خلال زيارة عمل جمعتهما في موقع من المواقع؛ فردَّ عليها باسمها (لونا) دون صفتها الرَّسميَّة؛ ممَّا قد يعكس صورة عن أجنحة إعلاميَّة متعدِّدة أو متضاربة داخل القصر، فيتبع بعضها الأوَّل لبشَّار الأسد، ويتبع بعضها الثَّاني لأسماء الأخرس، وكنَّا ننتظر من الأستاذ حسين الشِّيخ أن يسأل عن بعض هذه النُّقاط المهمَّة.

لم يوفَّق الضَّيف (كامل صقر) من وجهة نظري بتبرئة نفسه أو تبرير عمله أو دوره الإعلاميِّ والسِّياسيِّ في القصر، وقد وجد الضَّيف أنَّ طبيعة هذا العمل تجعله مؤدِّيًا لدور مرسوم له، وتأدية الدَّور -بحسب رأيه أيضًا- لا تستدعي الاعتذار من الشَّعب السُّوريِّ؛ فهل كان منِّفذو الجرائم الإعلاميَّة والسِّياسيَّة والإفتائيَّة والعسكريَّة والتَّطهيريَّة العرقيَّة والمذهبيَّة وغيرهم إلَّا جوقة من متقاسمي الأدوار؟ وربَّما استطاع المتلقِّي السُّوريُّ المكلوم أن يتقبَّل ظهور كامل صقر أو يتفهَّم بعض حديثه لو اعتذر من السُّوريِّين برغم اعتقاده-كما يزعم-بعدم مسؤوليَّته عن أيِّ جريمة أو عدم شراكته بأيٍّ منها. وقد بدا واضحًا للمتابعين أنَّ لغة الجسد لدى المضيف الأستاذ حسين الشِّيخ تختلف تمامًا عن لغة الجسد لدى الضَّيف كامل صقر، وظهر الأستاذ حسين الشِّيخ مرتاحًا في حديثه، وهو يحاول أخذَ بعض المعلومات من ضيفه، وإن لم يستطع الحصول عليها على ما كنَّا نتوقَّعه من هذه المقابلة بسبب قدرة الضَّيف الكبيرة على المراوغة أو سحب الحوار إلى مساحات ذات أهمِّيَّة قليلة بالنِّسبة للمتلقِّي السُّوريِّ مقارنة بما غيَّبه الضَّيف عن محاوره، كما ادَّعى كامل صقر أنَّ الكلمة الَّتي كتبها بشَّار الأسد ثمَّ عزف عن تصويرها وبثِّها بأنَّها لم تعد موجودة عنده، وإن كنَّا نتَّفق مع صقر بأنَّ جوَّ الكلمة أو سياق معركة ردع العدوان المحيط بها أهمُّ من الكلمة ذاتها؛ لكنَّ هذا لا يبرِّر لكامل صقر تهرُّبه من عرضِ هذه الكلمة أو الإفصاح عن مآل الأوراق المطبوعة عليها؛ لأنَّ هذه الطَّريقة في التَّهرَّب أفقدت الضَّيف بعض المصداقيَّة المنخفضة أساسًا؛ تلك الَّتي بحث المتلقِّي عنها خلف الكثير من نظرات كامل صقر وحركاته وعباراته.

وقد دلَّت لغة الجسد بعمومها لدى كامل صقر على خوف عميق كامن في نفسه برغم محاولته أن يتجاوز هذا الخوف من خلال شبك الكفِّين أو ملامسة أصابع الكفِّين، وعكست نظراته أمام الكاميرا مع حكِّ الشَّاربين والأنف وحركات اليد كثيرًا من الرِّيبة، وبدا غير مرتاح في أكثر من مشهد برغم محاولة التَّنصُّل من تبعات دوره الإعلاميِّ أو تمثيل الارتياح؛ لأنَّه لم يشارك بإيذاء أحد، وقد انعكست لغة الجسد هذه على الجوِّ العامِّ للمقابلة وتفسيرها لدى المتلقِّي بنفس الطَّريقة الَّتي انعكس فيها توتُّر بشَّار الأسد في كلمته المحذوفة، الَّتي لم تكن تواكب الواقع للحديث عنه أو لتفسيره لشبِّيحة بشَّار الأسد أو مؤيِّديه وفقًا لتوصيف كامل صقر لهذه الكلمة.

بقي أن نشير إلى الأهمِّيَّة الكبيرة لمثل هذه المقابلات؛ لأنَّ أصحابها كانوا شركاء في صناعة القرار، أو أدَّى بعضهم أدوارًا مهمَّة فيها، وكان بعضهم شهاد عيان أو أكثر من شاهد عيان على كثير من المراحل والقرارات على أقلِّ تقدير، وإنَّ صدقَهم وصراحتهم والبعد عن المراوغة واعتذارهم من الشَّعب السُّوريِّ على أدوارهم الَّتي أدّوها عن قصد أو دون قصد ستكون من أهمِّ الأسباب لقبولهم مجدَّدًا بين السُّوريِّين في المستقبل، وقد لا يجدون هذا القبول إن ظلُّوا يعتقدون أنَّ أدوارهم القديمة لم تكن تستوجب هذا الاعتذار أو لا تستوجبه أبدًا. ومن المفيد جدًّا إجراء مقابلات جديدة ومتعدِّدة في مواقع وأزمنة متلاحقة مع الضَّيف الواحد أو كثير من الضُّيوف الَّذين أدَّوا بعض الأدوار في دوائر السُّلطة خلال الثَّورة السُّوريَّة بين آذار-مارس 2011 وكانون الأوَّل-ديسمبر 2024؛ لأنَّ تحليل هذه المقابلات ومقاطعة معلوماتها سيعطي صورة عن تاريخ سوريا من خلال شهود العيان، وسيكشف صدقَ كلِّ واحد من أولئك الشُّهود أمام السُّوريِّين، وسيكشف عن مدى صدقِ الضَّيف وتصالحه مع نفسه قبلهم أيضًا. ونأمل من أصحاب برامج البودكسات واللِّقاءات الحواريَّة والمواقع الإعلاميَّة أن ينتقوا ضيوفهم بعناية، ويطرحوا عليهم الأسئلة، وينتزعوا منهم الأجوبة بحرفيَّة عالية من أجل الإضاءة المناسبة على هذه الحقبة المهمَّة جدًّا من تاريخ سوريا للكشف عن بعض أسرارها وألغازها والإضاءة على كثير من عتمتها وظلامها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى