العنف ضد النساء موروث شعبي أم جريمة مجتمع؟
تحقيق: هدى بلال – العربي القديم
يُعرَّف العنف ضد النساء والفتيات بأنه “أي فعل من أفعال العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤدي أو من شأنه أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو عقلية للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية”.
وعلى مدار السنوات فقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بسرد قصص جرائم عنف راحت ضحاياها العشرات بل المئات من النساء، وآخرها وليست الأخيرة، جريمة تعنيف فتاة في قرية تل السمن بريف مدينة الرقة أمام العامة، بتهمة إقامة علاقة عاطفية مع شاب. ولهذا سوف نناقش عدة تساؤلات تتبادر لأذهاننا في كل حينٍ وآخر منها:
بذور العنف ضد المرأة… من أين تأتي؟
للعنف ضد المرأة تربة اجتماعية خصبة، ومناخ، وبذور تُنبته… ولهذا من الضروري تتبع في أي تربة يولد، ومن أي بذور يستنبت. تقول الكاتبة والصحفية سهير الأومري:
“يبدأ العنف ضد الأنثى من تفاصيل بسيطة يمارسها كثيرون منا لانلقي لها بالاً، فتسوغ في عقل الذكر العنف ضد الأنثى، وترسخ في عقل الأنثى أيضا قبول العنف والسكوت عليه”، ومن مثل هذه الأمور، تم استخدام عبارات ترسخ قوة الذكر وضعف الأنثى، لتنسب الصفات الحميدة للذكر وتجعل المرأة درجة ثانية ممايسوغ الاعتداء عليها من ذلك :
- قولنا للطفل إذا تألم أو وقع فبكى أو خاف:(لاتبكي أنت رجال..البكي للنسوان.. الرجال مابيبكي، الرجال مابيخاف ).
- قولنا للولد إن أخلف وعده أوتقاعس على سبيل الشتم
والإهانة: (يا حريمةأو يا امرآة).
- وصفنا لكلمة الصدق والوعد الحق بـــ (كلام رجال).
- مدح الفتاة إن أثبتت جدارة أو جرأة أو قامت بفعل شجاع بـــــ (أخت رجال).
- التفريق في المحاسبة بين الولد والبنت، وقبول الخطأ من الولد، بل غفراننا له ومنحه مساحة واسعة من المسموحات، بخلاف البنت، بذريعة ( الرجل ما بعيبه شي) و (الرجل مابعيبه إلا جيبه).
- الأمثال الشعبية التي نؤمن بها ونرددها بين الحين والآخر على مسمع أبنائنا وبناتنا ونتعامل بموجبها معهم مثل:
“ظل رجال ولا ظل الحيط، الرجال بالبيت رحمة ولو كان فحمة، الحبس للرجال والبكي للنسوان، الكذب ملح الرجال، لما أجاني الولد اشتد ضهري واستند، هم البنات للممات، عقربتين ع الحيط ولا بنتين بالبيت، شاوروهن وخالفوهن (للنساء)، أم البنت مسنودة بخيط وأم الولد مسنودة بحيط، البنت يابتسترها يا بتقبرها، تجوز معلَّقة ولا تتجوز مطلقة…. إلخ”.
- عدم منحنا الحب الكافي للبنت، وعدم تقدير مواهبها وإمكانياتها واقتصار الإشادة بإبداعها على أعمال المنزل، بحيث تنشأ ناقصة الثقة بنفسها محدودة النظر لقدراتها في البناء والعطاء والإبداع، وتجد أن كل عطاء يهبها إياه الرجل هو منحة لا تستحقها، فتقبل العنف منه على أنه أمر طبيبعي .
- عدم تعريف البنت بحقوقها وما يضمنه القانون لها إن وُجِّه لها أي اعتداء جسدي أو لفظي أو جنسي، وعدم تشجيعها على البوح بهذا العنف.
ماهو دور المجتمع تجاه هذا العنف؟
بينت الصحفية والباحثة النسوية هدى أبو نبوت حول دور المجتمع في تفشي العنف ضد النساء أن العنف ضد النساء مرتبط بشكل مباشر باختلاف الادوار الجندرية بالمجتمع والتي بناء على جنسها ” كأنثى” تم حصرها بمهام بتتعلق بالأدوار الإنجابية(حمل وولادة) والرعائية (أعمال المنزل ..الخ) .
من ضمن الأدوار الإنجابية ما يتعلق بالنظر لجسد المرأة انطلاقا من كونها أقل مرتبة من الرجل، فهو له الحق بالسيطرة عليها والتدخل بكل شيئ بخص النساء ما أدى لتحميل مصطلح الشرف ” لأجساد النساء” بحيث أن أي تصرف يصدر عن اي إمرأة بالمنزل، يحق للذكر فيه من أب وأخ وإي رجل بالعائلة ثم الزوج، استخدام إي طريقة ومنها العنف للحفاظ على (شرف العائلة) ومكانتها.
العرف والعادة بالمجتمع السوري يعطيانه هذا الحق مدعوماً أصلا بالقانون، الذي رغم نصوصه الظاهرية بحفظ حقوق جمبع المواطنيين والمواطنات، الا أنه لا توجد قوانيين واضحة جداً تجرم العنف ضد النساء، لأن العنف ليس جسدياً فقط ولا يتمثل بالضرب، وإنما هناك عنف لفظي ونفسي وجنسي تتعرض له النساء راشدات كن أم قاصرات، أكثرها شيوعاً تزويج القاصرات الذي يشكل انتهاكا جسيما بحق طفولتها قد يدمر حياتها. ورغم وجود قانون حالياً بمنع تزويج القُصَّر تحت سن ال١٨ الا أن الاستثناءات تظل تسمح به، لذا فإن ظاهرة العنف هي ظاهرة اجتماعية متجذرة في المجتمع السوري لأسباب تتعلق بتموضع النساء بالمجتمع ونظرته بأن المرأة تابع لولي ذكر مسؤول عنها مهما بلغت من العمر خاصة إذا خالفت أحد الأعراف أوالعادات السائدة، عندها يحق للذكور معاقبتها، ويبرر المجتمع ويوافق على هذا بسهولة، ولقد رأينا جميعنا حادثة تل السمن كيف كانت الناس تشاهد وهي صامتة دون أن تتدخل، رغم أنها جريمة علنية لإنسانة ضعيفة لا تملك الدفاع عن نفسها.
هل الأديان تحض على العنف؟
يقول الشيخ أحمد علوان نقلاً عن الشيخ يوسف القرضاوي في شرح مسألة العنف ضد المرأة:
“لا يقبل الإسلام أن تقوم الحياة الزوجية على إهانة المرأة، أو الإساءة إليها بقول أو فعل، فلا يجوز بحال أن تسب أو تشتم وخصوصاً أمام أطفالها، بل إن الإسلام يمنع سب الحيوانات والجمادات، فكيف بالإنسان؟ وكيف بالزوجة التي هي ربة بيته، وشريكة حياته، وأم أولاده، وأقرب الناس إليه؟؟”.
لقد شدد الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم– على امرأة لعنت ناقتها فأمرها أن تترك الناقة ولا يستخدمها أحد، وحرمت منها صاحبتها، ردعًا لها على سبها ولعنها للناقة، فكيف بلعن الإنسان المسلم وسبه؟!.
إن الإسلام حمى المرأة من العنف وبيّن رخصة الضرب وحدودها: فلا يجوز ضرب المرأة بحال، إلا في حالة أوجبتها الضرورة وهي ” حالة النشوز ” والتمرد على الرجل، وعصيان أمره فيما هو من حقوق الزوجية وإشعاره بالتعالي عليه، وهي ضرورة تقدر بقدرها.
وهو تأديب مؤقت رخص فيه القرآن بصفة استثنائية عندما تخفق الوسائل الأخرى من الوعظ والهجر في المضجع كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا). (النساء 34).
وفي آخر الآية وعيد للرجال الذين يتطاولون على نسائهم المطيعات، فالله تعالى أعلى منهم وأكبر، ورغم هذه الرخصة للضرورة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:”ولن يضرب خياركم“. فخيار الناس لا يضربون نساءهم، بل يعاملونهن باللطف والرقة وحسن الخلق، وخير مثال لذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال:” خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي “. وقد عرف من سيرته الثابتة -صلى الله عليه وسلم-: أنه لم يضرب امرأة قط، بل لم يضرب خادمًا ولا دآبة في حياته!.
وقد استشنع عليه الصلاة والسلام من الرجل أن يضرب امرأته، إذ كيف يضربها أول النهار ويضاجعها آخره؟!. وإذا أفلت زمام الرجل مرة، فامتدت يده إلى امرأته في ساعة غضب، فالواجب أن يبادر إلى مصالحتها وإرضائها، فهذا من مكارم الأخلاق التي يجب أن تسود الأسرة المسلمة.
أما ضرب الزوجة أو شتمها أمام أطفالها فهو أمر لا يليق بمسلم يعرف أوليات دينه، ويعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته، وهو خطأ ديني وخلقي وتربوي لا ينتج إلا الضرر على الفرد والأسرة والمجتمع.
لقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-:” لن يضرب خياركم ” ومفهومه أن الذين يضربون نساءهم هم الأشرار والأراذل من الناس، ومن ذا يقبل أن يكون منهم؟
هل وقف القانون بجانب المرأة المعنفة؟
يبين القاضي السوري حسين برهو دور القانون في حماية المرأة فيقول:
لم تنصف القوانين منذ القدم المرأة، وعلى العكس تماماً، فهي في شريعة حمورابي تورث كما لوأنها متاع كالبيت والذهب، وفي شريعة الجاهلية كانت البنات يوأدن… إلى أن جاء الإسلام وحفظ لها حقوقها فحرم قتلها، وساوى بينها وبين الرجل في مواضع كثيرة، ولكن للأسف لم يحمِ القانون السوري ولا العربي المعنفات، فنلاحظ المادة ٥٤٨ من القانون السوري التي تنص على أنه “في حال واجه الرجل الزوج أو الأخ بأم عينه شهد واقعة الخيانة الزوجية وقام بقتلها يستفيد من العذر المخفف في العقوبات”، وهذا يعد تشجيع لقتل المرأة وتعنيفها تحت ذريعة حماية الشرف وهو سبب مفسد ومسيء للمرأة، يمكن أن يستغل بسهولة لتبرير القتل والتهرب من عقوبته في حال كانت الدوافع مختلفة، وليس هناك حل سوى إلغاء هذه المادة لأنه في حالة دخلت الزوجة ووجدت زوجها في حالة خيانة وقتلته فهي تعتبر جريمة قتل ولا تستفيد من أعذار التخفيف عن العقوبة، فالقانون الوضعي كان مشجعاً على تعنيف النساء.
ماهو دور الإعلام في مكافحة ظاهرة العنف؟
يؤثر الإعلام في كافة مجالات حياتنا وسلوكنا اليومي بما يضخه من مواد وتقارير وأفلام وبرامج وصور… ولهذا يلعب دورا كبيرا في توجيه سلوكيات البشر وتعزيز مفاهيمهم أو تغييرها. تقول الإعلامية السورية نور مشهدي:
إن مسؤولية الإعلام هو تسليط الضوء على الانتهاكات ومظاهر العنف التي تشهدها النساء، والضغط على سلطات الأمر الواقع من خلال الحديث عن الانتهاكات بشكل مستمر، ليكون هناك محاسبة عادلة وقانونية ولينال المجرمون عقوبتهم، وعدم التراخي في وقتنا الحالي الذي نشهد فيه نسب العنف ضد النساء بازدياد بدل من الانخفاض، وطبعا يتحمل المجتمع مسوؤولية في إيصال هذه الانتهاكات للإعلام، وعدم إخفاء الموضوع وإغفاله تحت أي مسمى، ليشكل المجتمع والإعلام قوة ضاغطة على سلطات الأمر الواقع لوقف هذه الانتهاكات.