فنون وآداب

مسلسل (نسمات أيلول): غابت عنه الكوميديا وحضرت الضحكات المجانية

إطلاق الضحكات المجانية من قبل الممثلين على مواقف لا تثير الضحك هي إحدى سمات هذه الكوميديا العجيبة!

أحمد صلال- العربي القديم

تعود المخرجة السورية رشا هشام شربتجي إلى السباق الدرامي الرمضاني هذا العام بمسلسل جديد يحمل عنوان “نسمات أيلول”، من تأليف الكاتب علي معين صالح الذي قدمت معه العام الماضي مسلسلهما الفاشل (مربى العز) لزيادة تشويه دراما البيئة الدمشقية والعبث بحكاياتها التي صارت مقرفة على أيدي هؤلاء وغيرهم.

قصة اجتماعية

ينتمي المسلسل إلى فئة الدراما الاجتماعية ذات الطابع الكوميدي، حيث تدور أحداثه في إحدى القرى الريفية السورية، التي تحمل في طياتها العديد من الحكايات والمواقف الحياتية التي تحاول أن تلامس قلوب المشاهدين.

يركز العمل على واقع الأهالي في المناطق الريفية، متناولًا قضاياهم اليومية، ما بين صراعات الجيل القديم وأحلام الشباب، حيث تمتزج التقاليد العريقة بمتغيرات العصر الحديث.

العمل يحاول أن يقدم صورة حقيقية للحياة في الأرياف السورية، حيث يسلط الضوء على بساطة العيش هناك، لكنه في الوقت ذاته يفترض أن يعالج التحديات التي تواجه الأهالي؛ مثل صعوبة توفير الموارد، وصراع العادات والتقاليد مع الحداثة، إضافة إلى قصص الحب والطموح التي تتشابك مع الواقع القاسي أحياناً، في أجواء تحمل الكثير من الضحك الأبله والمواقف التي تفتقر للطرافة والتي تضفي نكهة ممجوجة على العمل.

ديماغوجية درامية

(نسمات أيلول) شراكة درامية بين المؤلف علي صالح والمخرجة رشا شربتجي، والتي يفترض جذبها للمشاهدين لمتابعتها خلال شهر رمضان الفضيل؛ غاب العمل عن المستوى المطلوب ودون سقف تطلعات الجمهور، حيث لوحظ غياب شبه كامل للكوميديا الناقدة فيه مقابل تظارف مفتعل، وغياب تام لثقافة النقد والسخرية، إلى جانب التسطيح الذي ظهر عليه طاقم من المؤلف وحركة الكاميرا وأداء الممثلين، حوار وسيناريو يمكن أن نسميه “ديماغوجية درامية”، تخلو من المضمون وتدور في فلك من المط والعلك والحشو ضمن حلقة مفرغة، بعض الابتسامات “الخاطفة” هي الأخرى “مشاهد ماشفش كوميديا” يضاف لما سبق؛ غياب الحياة الواقعية عن العمل، لا شيء مغاير خارج عن المألوف، شاهدناه.

وقد حاول طاقم العمل في الحلقات العشرة الأولى أن يعالج العلاقة بين الأعمار المتباينة وصراع الأجيال ومناهج التعليم، وحاولوا أن يصلوا لحل هذه القضية الاجتماعية، ولكن المشاهد لم يصل إلى ذلك! لتأتي الحلقة الثانية حتى العاشرة رتيبة لا تحميل في طياتها سوى الإضحاك والتهريج الممل!

حلقات المسلسل حتى الآن مازالت تفتقد للحبكة الفنية وتخلوا من القصة الاجتماعية الواضحة والمترابطة، حيث أن أغلب الأحداث التي عرضت في الحلقات الماضية، تتمحور حول ضيعة لا أحداث ذات بعد درامي فيها… ولا صراعات حقيقية يمكن أن تنبى عليها أحداث جاذبة، خارج إطار الصراع التقليدي العام.  

قبيل عرضه كان يتحدث أبطاله بأنه ينتقد الواقع الاجتماعي بكل تفصيلاته وحيثياته وسيسلط الضوء على السلبيات ومعالجتها وإظهار الإيجابيات، ولكن عند عرض المسلسل يظهر أن كلام الممثلين هو مجرد كلام دعائي أقرب إلى التمنيات لا إلى واقع المسلسل الحقيقي، إذ لم يتم فيه معالجة أي قضية واضحة حتى الآن. وبالعودة إلى الكوميديا الناقدة التي كان من المفترض أن تكون في المسلسل؛ فقد لوحظ غياب الجرأة في الطرح ومحاولة الهبوط بالمشاهد إلى تقديم أحداث هامشية بعيدة كل البعد عن اهتماماته وآلامه وعمق الأزمات التي يحياها

فن وملكة وضحكات مجانية

لم تستطع الممثلة نادين تحسين بيك في هذا العمل أن تمتلك أدواتها بوصفها صوت وجسد وجهاز انفعالي، و أن توظفها جميعها في خدمة الشخصية التي تقدمها، وفشلت نادين بإحداث توازن بين جهازها الداخلي والخارجي مما يمكنها من استخدمها في كل حالة درامية مختلفة، ولا سيما أن الإضحاك فن وموهبة وملكة لا تتوفر عند نادين.

هذا يحدث مثلاً عند تطلق نكتة وهي العائدة من أستراليا بحثاً عن الإرث: أن الكناغر تجلب نساء للغابة، فيضحك الجميع في الميكرو باص على سخافة النكتة الممجوجة.

ومن هذا المشهد يتضح أن نادين تحسين بيك اعتمدت على شكل من أشكال المبالغة اللفظية. ونراها في مكان آخر تعتمد على على الأقوال المتناقضة التي لا تؤسس لمفارقة كوميدية تستحق الاهتمام خارج تقنية سوء التفاهم التي أكل الدهر عليها وشرب، كشكل آخر لاستجلاب الضحك. الممثل محمد حداقي لا يقدم هنا إضافة لأدواره السابقة فلا لمسات كوميدية مميزة في الكاركاكتر الذي يؤديه وباقي الممثلين الشباب تغيب عنهم لمعة الأداء الكوميدي وإن نجا بعضهم من ثقل الظل والاستظراف وإطلاق الضحكات المجانية من قبل الممثلين على مواقف لا تثير الضحك وهي إحدى سمات هذه الكوميديا العجيبة!

لقد أظهرت أغلب المسلسلات الكوميدية المعروضة خلال السباق الرمضاني أن الكتاب السوريين لايزالون غير قادرين على صناعة كوميديا مقنعة وذات أبعاد فنية جذابة في الشكل والتقنية، وقريبة من المجتمع في المحتوى، ودون ابتذال واستسهال. في الأسلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى