لا بديل عن أحمد الشرع في سوريا… ولكن!
أحمد الشرع ليس خياراً للسوريين بقدر ما بات ضرورة في ميزان القوى الإقليمية والدولية

جميل الشبيب – العربي القديم
قد يتبادر إلى ذهن القارئ من العنوان أنه سيجد ما يوافق هواه أو ما يزعجه سماعه، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن أحمد الشرع ليس خيارًا للسوريين بقدر ما بات ضرورة في ميزان القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التوازنات المعقدة التي تحكم المشهد السوري اليوم.
التغيرات الدولية والإقليمية
تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل خسارة إيران لنفوذها في سوريا مكسبًا استراتيجيًا، نظرًا لأن سوريا كانت جزءًا أساسيًا من المحور الإيراني، وامتدادًا بريًا لميليشياتها، وعلى رأسها حزب الله في لبنان. كما شكلت نقطة ارتكاز رئيسية لمشروع إيران التوسعي في المنطقة، عبر ميليشيات مثل “الحشد الشعبي” و”فاطميون” و”زينبيون”، التي سيطرت على مساحات واسعة في البادية السورية، وعلى أحياء في دمشق وحلب. لكن مع انتصار السوريين على النظام، خرجت إيران من سوريا خاوية اليدين، وفقدت أهم نقاط نفوذها في الشرق الأوسط.
ومع هذا التحول، أصبح من شبه المستحيل عودة النظام السابق أو أي من فلوله إلى السلطة، نتيجة عوامل عدة، أبرزها الرغبة الدولية في إنهاء الدور الإيراني في سوريا. في الوقت ذاته، ترى واشنطن أن إبعاد سوريا عن النفوذ الروسي فرصة تاريخية لجذبها إلى المعسكر الغربي لأول مرة منذ استيلاء حزب البعث على السلطة، خاصة أن روسيا استغلت سوريا كخزان بشري لتعويض نقص مقاتليها في أوكرانيا، ولإرسال مرتزقة سوريين لدعم حليفها خليفة حفتر في ليبيا.
الموقف الخليجي والتركي والأوروبي
على الجانب الخليجي، ترى السعودية ودول الخليج في انتصار السوريين على نظام الأسد فرصة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، بعيدًا عن النفوذ الإيراني. أولى ثمار هذا التغيير كانت وقف تدفق المخدرات، التي كانت تُهرَّب إلى الخليج عبر حزب الله والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وهما المورّدان الرئيسيان لهذه السموم. بالإضافة إلى ذلك، فإن انهيار المشروع الإيراني في سوريا يمثل إنجازًا استراتيجيًا لدول الخليج، يعزز أمنها القومي ويقلص خطر “الهلال الشيعي”.
أما تركيا، فهي المستفيد الأكبر من هذه التحولات، إذ تسعى لدعم الإدارة السورية الجديدة وتمكينها سياسيًا واقتصاديًا، والعمل على رفع العقوبات المفروضة عليها، إلى جانب تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وفي أوروبا، وخاصة في ألمانيا، يُنظر إلى الوضع السوري الجديد كفرصة للحد من تدفق المهاجرين، حيث كان السوريون يمثلون النسبة الأكبر من اللاجئين لسنوات. ومع صعود الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة، تبحث بعض الدول الأوروبية عن اتفاقيات مع الحكومة السورية الجديدة لترحيل المخالفين السوريين من أراضيها.
هل يكفي الدعم الدولي؟
عند جمع هذه العوامل، نجد أن هناك إجماعًا إقليميًا ودوليًا على ضرورة بقاء أحمد الشرع في السلطة، ولو مؤقتًا، باعتباره الضامن الأساسي لاستقرار سوريا ومنع عودتها إلى النفوذ الإيراني أو الروسي، أو حتى انزلاقها في فوضى جديدة قد تؤدي إلى موجة لجوء جديدة تهدد استقرار تركيا وأوروبا.
لكن، رغم أهمية هذه العوامل، لا يمكن للشرع الاعتماد عليها وحدها لتثبيت حكمه. فقد عوّل بشار الأسد طوال 14 عامًا من الثورة على غياب البديل القادر على تلبية المصالح الدولية، وهو ما أدى إلى تأخير سقوط نظامه. اليوم، يواجه أحمد الشرع تحديًا مشابهًا: فهل سيتمكن من بناء شرعية داخلية توازي الشرعية الدولية التي يحظى بها؟.