فنون وآداب

قراءة في روايتي (سماء قريبة من بيتنا) و(صيف مع العدو) لشهلا العجيلي: صورة الثورة وهوية العدو!

عادل رجب – العربي القديم

لا يمكن لأي متابع لفن الرواية السورية المعاصرة أن ينكر أنها فرضت نفسها بقوة على المشهد الثقافي السوري منذ قيام الثورة سنة 2011 وحتى الآن، وإن كانت من أسرع الفنون الأدبية استجابة لحدث الثورة ولاتزال تواكبها حتى اللحظة، وقد أحصى النقاد أزيد من 400 عملا روائيا صدر في الفترة الممتدة مابين عامي 2011 و2023 صدرت داخل وخارج سورية أرخ ورصد واقع هذه الثورة، ويعد ذلك من المخرجات الثقافية الإيجابية الذي أحدثته، ولكن هل كانت جميع تلك الروايات التي تناولت هذا الحدث منحازة إلى أهدافها وكتابها مؤمنين بالمطالب التي خرج الشعب من أجلها على النظام لإسقاطه وتحقيق العدل واسترجاع كرامته وحريته المغتصبتين؟ وهل كانت جميعها جريئة وعميقة وصادقة حين أرخت للواقع السياسي والاجتماعي خلال عقد ونيف من عمر هذه الثورة؟

انتهيت منذ أيام من قراءة عملين روائيين للسورية  شهلا العجيلي المقيمة في العاصمة الأردنية، الأول كان بعنوان (سماء قريبة من بيتنا)  الصادر سنة 2015، والثاني أسمته (صيف مع العدو) وقد صدر سنة 2018 ، وقد عدهما أحد النقاد من النصوص التي تنتمي وتنحاز إلى الثورة، ولكنني كقارئ للنصين لا أجدأية صلة إيجابية وثيقة بينها وبين ما حدث في سورية منذ عام 2011 وحتى سنة كتابتهما.

رواية (سماء قريبة من بيتنا): سيرة ذاتية والثورة اضطرابات

لقد كانت الروايتان سيرتان ذاتيتان وبامتياز للكاتبة شهلا العجيلي، ففي (سماء قريبة من بيتنا) تسرد لنا شخصيتها الرئيسيه جمانه بدران قصه حياتها حين عاشت بضع سنوات في بيت جدها بحلب ثم تعود بنا إلى مسقط رأسها الرقة لتتحدث عن المدينة ووالدها. سهيل البدران المتخصص بهندسة ترميم المباني الأثرية القديمة والفائز بجائزة المدن العربية سنة 1984 وقد بدت هنا تتحدث واقعيا عن والدها. (عبد العظيم العجيلي) المهندس المعماري الخبير في ترميم الأبنية الأثرية، ثم تنتقل بنا إلى عمان لتسرد قصة معرفتها بالدكتور ناصر العامري المختص بعلم المناخ المقيم في الإمارات العربية الذي أحبها ووقف إلى جانبها في محنة صراعها مع مرض السرطان وشفائها منه، كما تضعنا في أجواء مخيم الزعتري  للاجئين السوريين ومعاناتهم وبؤسهم وآلامهم، حين     تزوره كباحثة منتدبة من إحدى المنظمات العالمية التابعة للأمم المتحدة في الأردن، وهي النقطة الوحيدة التي تسجل للروائية في حديثها عن مأساة السوريين ومعاناتهم حين قيام الثورة.

 وقد بدا للقارئ أن المتحدث عن ذلك في الرواية شخص باحث وأبعد ما يكون مواطناً سورياً، إذ جاء وصف الناس والمخيم باردا وأقرب للحياد منه للتعاطف الإنساني على النقيض من ذلك نرى أن التعاطف الحار واللافت في الروايه كان لشخصية الدكتورة جمانه بدران المختصة بالأنثربولوجيا الثقافية حين تصاب بالسرطان، حيث تصف لنا حالتها النفسية والصحية بدقة أثناء تطور المرض وحين تخوض تجربة العلاج من داخل مركز الطب النووي بعمان وحتى شفائها من المرض، لتختتم الرواية بقولها وهي تنظر إلى بناء مركز الطب النووي من خارجه “السماء هنا قريبة قريبة جدا ولا تحتاج إلى سلالم أو حبال” وهي عبارة غامضة وفضفاضة تحتمل معنى الألم أو الشكوى أو الموت أو الشفاء، لقد كانت (سماء قريبة من بيتنا) سيره ذاتيه لشهلا التي يبدو أنها لا تزال أسيرة لذكريات مسقط رأسها ونشأتها الأولى مدينة الرقة، إذ رغم مكوثها لبضع سنين في حلب وعمان لم تستطع ان تخرج من إسار تلك البيئة التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية واتخذها عاصمة له ما بين عامي 2014 و 2017 .

الرواية إذن لم تتحدث عن الثورة السورية ولم يكن موضوعها يخصها، ونرى أن حديثها عن بعض أحداثها جاء بشكل غير مباشر وسطحي وغالبا ما كانت تصف أحداثها بالاضطرابات “الاضطرابات اشتعلت في أكثر من مكان في سوريا، وتجاوزت درعا إلى حمص ودير الزور” (صفحة 32)، “ثم اندلعت الاضطرابات وتم عطب السكك وتفجيرها في بعض المناطق” صفحة 100 كما تصف الثوار بالجماعات المسلحة وهو  وصف مقتبس  من وصف إعلام النظام  للثوار “وبعد أن اشتدت وطأة هجوم الجماعات المسلحة على ريف حلب الشمالي” (صفحه 57 ). ثم تتساءل وكأنها جاهلة وبعيدة كل البعد عن أسباب الثورة والحرب في سوريا “ما الذي سيخسره الناس لو بقيت سوريا بلا حرب” صفحه 239!

 يا سيدتي خسروا ويخسرون كرامتهم وحريتهم وسعادتهم وثرواتهم ووطنهم إن سبب ما حصل في سوريا وحولها إلى ساحه حرب هو النظام والاحتلالات التي استعمرت بلدنا بسببه، وفي روايتها (صيف مع العدو) نلاحظ تكرارا للشكل والأسلوب السردي الذي توسلته في روايتها السابقة؛ إذ تسرد لنا أيضا سيرة حياة لميس ابنه العائله الإقطاعية الرقاوية، ومن يعرف شهلا العجيلي وعائلتها التي اشتهرت بسوريا من خلال الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، سيكتشف أن هناك تطابقا وتشابها كبيرا بين واقع سيرة حياة شهلا العجيلي والشخصية الخيالية في الرواية (لميس) حتى بدتا كأنهما شخصية واحدة. وفي هذا يقول ياسر الظاهر: “إن الروايه سيرة ذاتيه لشحن العجيلي سردتها على  لسان شخصيتها الرئيسية لميس ابنة العائلة الرقاوية   الإقطاعية التي كان معظم أفرادها متعلمين ويحملون الكثير من السمات الثقافيه، والسمات الذاتية لـ لميس تنطبق معظمها على سيرة حياة شهلا العجيلي” القدس العربي 4/2/2020

صيف مع العدو: تجاهل جميع الأعداء باستثناء واحد!  

ورغم أنها عنونت روايتها هذه بعنوان لافت ومشوق ومغر لقراءة الرواية الصادرة في خضم لهيب أحداث الثورة السورية وسيطرة الأعداء والمحتلين على سوريا، بدءا من داعش وانتهاء بروسيا وأمريكا وإيران وتركيا على أننا لا نلمس تطابقا بين مضمونها وعنوانها الرواية، فالكاتبة تتجاهل جميع الأعداء في الرواية باستثناء داعش الذي تتحدث عن أفعاله في مدينة الرقة وقصة حصاره للمدينة، فتسرد لنا  كل ذلك ببضعة صفحات من الرواية “تصوير سنوات الحصار من داعش كان مبتورا وسطحيا” فايز غازي 7/7/2018

كما تنقلت الكاتبة في سردها لحياة لميس بين عده أمكنة، وتوقفت طويلا عند تاريخ الرقة وعالمها الفلكي الشهير (البتّاني)، ونجدها هنا قد بالغت كثيرا حين تحدثت عن مكانة الرقة وأهميتها بلسان شخصيتها الروائية عالم الفلك الألماني نيكولاس الذي زار الرقة؛ حيث اعتبرتها من أهم مدن العلم والجامعات كحران والرها في تلك الفتره الزمنيه التي اشتهر فيها (البتّاني) فجذبته ليتخذها مقرا له “جاء بسبب هذا المثلث الرقة حران الرها هنا حيث جامعات العلم والترجمات حيث أقام السريان الذين برعوا في علوم الفلك والطب والترجمة..” فضلاً عن تصويرها الرقة في الثمانينيات ولوهلة ستظنها تصف مدينة أوروبية في الانفتاح واليسر والسهر وسهولة عمل المرأة، حتى بدت هذه الرؤية منسلخه عن الواقع ولا تشكل مقياسا له، ثم تأخذنا إلى مدينه كولونيا الألمانية لتستعرض لنا بعين سائحة أسواقها وأنواع   وأسماء عطورها بتفصيل ممل وكلام حشوي لو تم   حذفه لما شكل أي خلل أو تأثير على بناء الرواية ثم تتوقف عند كاتدرائيتها لتصف لنا فن بنائها الجميل مقارنة بينه وبين آثار أبنية الرقة العباسية.

.بلى لقد تألمت الروائية وشعرت بالحزن ولكن ليس بسبب الثورة كما ادعت في الرواية حين قالت “مياه كثيرة مرت تحت جسري الفرات القديم والجديد وحل الخراب بسبب الثورة، وفوضاها والقصف المستمر لأماكن تجمع الفصائل التي تعددت..” فبدت وكأنها تجهل أو تتجاهل المسبب الحقيقي لكل هذا الدمار والقتل والتخريب، وربما تتحامل على من قام بالثورة، ولم يكن يعنيها من كل ما حصل في سوريا إلا تدمير جزء من الرقة وتهجير بعض سكانها، وتطرف داعش مما جعل الناقد احمد العربي يقسو عليها ويصف الروايه بأنها: “ولدت عمياء وبلا أقدام وعاجزة عن العيش في فضاء يلتمس حياة مجموع  الناس. في سوريا الصمت هنا خيانة” 28/9/2020

سرد ذاتي رؤى سلبية 

بعد هذه القراءة المتأنية لهاتين الروايتين لا يمكن لنا أن نصنفهما من الروايات التي احتفت بحدث الثورة السورية 2011 أو انحازت إلى أهداف وآلام السوريين، بل كانت أقرب إلى السرد السيري الذاتي الذي يمر على واقع سوريا والسوريين مرور الكرام حيث نراها فتحت عينا وأغمضت أخرى عما جرى في بلدنا.

إن من حق الكاتب أن يعبر عن رؤيته للواقع  الاجتماعي والسياسي بحرية تامة دون أن يساله أحد لماذا كانت رؤيتك للأحداث بهذا الشكل أو ذاك، أو أن يفرض عليه رايا محددا، ولكن الروائي مثقف يجب أن يكون مسؤولا تجاه قضايا شعبه ووطنه أخلاقيا وإنسانيا، لا منفصلا ولا مزورا أو صامتا، عما يمت للإنسان بصلة إذ تصبح بذلك كلماته دون جدوى وذات  مضمون فارغ.

ولابد لي هنا من الإشارة أيضا إلى  أن روايتيها افتقدتا إلى الصدق الفني والموضوعية والدقه بل والتناسق والمتانة في شبك العلاقات ونسجها كون الروايه هي (واقع مكثف مضاف إليه الفن).

 كما لم يكن تصويرها  للحراك الثوري السوري واضحاً منذ عام 2011 وحتى تاريخ كتابتها لهاتين الروايتين، أضف إلى ذلك سلبية معظم رؤاها المتعلقة بالحركة السياسية والاجتماعية، وضبابية موقفها من النظام السوري ومن الثورة التي لا تزال جذوتها متقده تحت رماد التآمر والتزوير والخيانة.                  

ورغم ما ذكرناه من سلبيات في تلك الروايتين نجد أنهما وصلتا إلى القائمة القصيرة لجائزة الإمارات للرواية العربية (البوكر) بعد عام من تاريخ صدور الأولى  2016 والثانية 2019 مما يدعو للتساؤل هل كانت رؤية الكاتبة فيما يتعلق بما حل بسوريا والسوريين من دمار وقتل وتخريب وتفجير، وتحميلها مسؤولية كل ذلك للتنظيمات الإسلامية التي سيطرت على جزء من سوريا التي لاتزال بعض فصائلها تسيطر على مدن سورية وتحكمها، دون تجريمها أو إدانتها للنظام وروسيا وإيران وأمريكا بما فعلوه بالبلاد من مآس بشكل مباشر، هي وراء وصول روايتيها إلى القوائم النهائية لتلك لجائزة؟.

زر الذهاب إلى الأعلى