تسول الأطفال.. ظاهرة جديدة تنتشر في محافظة السويداء
العربي القديم- إيمان أبو عساف
يبدو أن ظاهرة التسوّل ظاهرة معقدة ومركبة في المسببات وفي النتائج، ونرى أن العالم يعاتي من هذه الظاهرة وتحاول المجتمعات التصدّي لها بحلول تنطلق أولاً من الدعم والرعاية. وعندما يتحول التسوّل إلى طريقة لكسب المال عبر شبكات منظّمة، تقوم الجهات المختصة بالقانون والتشريع بسن العقوبات التي تقرر الملاحقة وتحميل المسؤولية.
في سوريا، كانت الظاهرة موجودة سابقاً، لكنها تفاقمت خلال سنوات الصراع، وستكون ظاهرة التسول عند الاطفال فاقدي الرعاية وكذلك الدعم عينة لها خصوصية في محافظة السويداء و خاصة إذا علمنا أن هذه الظاهرة كانت شبه معدومة في المحافظة وأخذت في التزايد حتى أصبحت ملحوظة، وهو الأمر الذي يثير القلق وخاصة في ظل غياب رعاية مجتمعية وحكومية فاعلة.
وفي حديث للسيدة سلام النبواني، وهي معنية بهذا الأمر كونها عملت مديرة سنوات طويلة لرياض الاطفال وكانت متعاونة مع بعض المبادرات لتتبع الاطفال و محاولة الدعم والرعاية، قالت، “أن الاطفال الذين يتسولون هم في غالب الأحيان اطفال لأسر مفككة بسبب الطلاق أو وفاة المعيل أو التهجير أو من ذوي الاعاقات النفسية والجسدية.” وحدثتنا عن عدة حالات عاينتها منها حالة طفل يتردد بشكل دائم على الساحات ويتسوّل أمام المطاعم، ليتبين أثناء البحث في الأسباب عن انه ابن لأم وأب مطلقين، وأن الأم تركته للعمل في المنطقة الصناعية بعد زواجها الثاني، وبعد ان استطاعت السيدة سلام إدخاله بيت اليتيم، وهو دار رعاية اجتماعية في السويداء، عاد الأب ليخرجه، وعاد الطفل للتسول.
أما السيدة أمال القنطار، التي عملت مديرة لمدرسة تعليم اساسي لسنوات طويلة، فلقد عاينت حالة لطفل فقد أبواه في حادث وعاش عند أقارب ليسوا من الدرجة الأولى. حاولت أمال معالجة الطفل من خلال نشاط قامت به جمعية الهلال الأحمر واستطاع الطفل بعد حالة تشرد أن يتقدم ويتطور مستواه التعليمي والنفسي.
وحدثنا السيد باسم حسّون، وهو يعمل مدير لمعهد علاجي تخصصي، حدثنا عن حالات متعددة لأطفال خارج الرعاية والدعم، وفي إحدى الحالات التي تابعها الأستاذ باسم، وهي حالة أخوة ثلاث ذكور وبنت، استطاع بجهود دؤوبة أن يدخل الاطفال الى دار اليتيم، لكن الأوضاع النفسية والعصبية لهم جعلت دار اليتيم غير مرحبة بالأخوة الثلاث لأنهم بحاجة متابعة نفسية وتربوية، ولأن دار اليتيم تعنى بالأيتام حصراً من محافظة السويداء. فعاد الأطفال للتشرد والتسول والنوم تحت الجسور.
وفي الحديث المطول للسيدة سلام النبواني ، أضافت أن الأسرة المفككة والفقر الشديد هما خلف هذه الظاهرة وأن المخاطر تحيط بالاطفال لأن اغلبهم ينام في الشوارع ويبحثون عن سد الرمق تسولاً في الاماكن الموبوءة، ومن منهم حصل على عمل كان في سوق الخضار حيث يحمل الاطفال البضاعة بكميات تفوق طاقتهم، والبعض أصبح على مرمى تجارة الكبتاغون.
أما الدكتورة سلام الخطيب، علم اجتماع، فلقد تحدثت عن الظاهرة كحالة تستدعي التدخل، وقالت أن الحرب كان ضحيتها هذه الشريحة من المجتمع، فلقد تفككت روابط التكافل المجتمعي بالإضافة إلى أن المؤسسات المعنية ضعفت وانهارت ماديا وهجّر من فيها او هاجر المختصون، وأن الحكومة بحالة شلل تقريبا في هذا المجال.
وعند سؤالي عن دور الرعاية المتواجدة في حدودها الدنيا ذكرت لي دار اليتيم، لكنها تعمل ضمن شروط محددة ومقننة وهي وحدها حكومية، ثم هناك الكنائس الشرقية والغربية وتقوم بأدوار أفضل من الجميع والأمر يعود الى إمكانياتها المادية الجيدة. وأيضا هناك بعض المبادارات التي تستهدف هذه الشريحة، كمبادرات وأنشطة الهلال الاحمر، إلا انها موسمية. أضافت السيدة سلام أسماء لجهات أخرى منها مؤسسة شمس، مركز مقام عين الزمان الخيري، ومؤسسة براعم.
إن هذه الظاهرة بمسبباتها ونتائجها تحتاج لجهود حكومية من تشريعات وقوانين وإجراءات تربوية للحد منها قدر الإمكان، إلا أن سنوات النزاع الطويلة كان لها ما لها من آثار سببت التفكك في المجتمعات، أعاقت حتى جهود الجهات التي تعنى بفئة الأطفال بسبب الإمكانات المادية المحدودة وعدم تكامل منظومة الرعاية والاستجابة مما يمنع الاستمرار وتحقيق نتائج طويلة الأمد.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.