التاريخ السوري

"أبو الفقراء" ووزير المالية الذي مات فقيراً بعد انقلاب البعث

لم يكن الحاج وهبي جميل الحريري مجرّد نائب في البرلمان السوري في أربعينيات القرن الماضي، أو وزير للمالية في حكومة جميل مردم بك بُعيد استقلال سوريا عن الاحتلال الفرنسي وحسب، بل كان تاجراً حلبياً تخطت مشاريعه حدود الوطن، أفقره التأميم، ثم انقلاب البعث، فمات لا يملك شيئاً.

عُرف وهبي الحريري بأنّه “أبو الفقراء” في مدينته حلب، وشهد على ذلك كلّ من عاصره، حين كان ينادي الدلّالون في شوارع الشهباء وأزقتها بين الناس يدعون فقراءها، ومتوسطي الدخل فيها إلى تناول الطعام على مائدته، وعليها ما لذّ وطاب.

ذات مرة.. سئل الحريري عن أسعد يوم عاشه في حياته، فأورد على الحاضرين قصة ربما تجهلها الغالبية.

يقول الحاج وهبي: كنت في رحلة عمل إلى أوروبا، وعندما انتهت تعثّر حجز الطائرة إلى حلب، فكانت بغداد أقرب وجهة متاحة حينها، فقلت فليكن الحجز إلى بغداد أفضل من انتظار أيام أخرى. تناقلت الصحف خبر قدومي إلى بغداد، بالتزامن مع وصول عدد من كبار التجار والمستثمرين إلى العاصمة العراقية، للظفر بمشروع ضخم، فما كان منهم إلا التسابق للقائي وثنيي عن تقديم عرضي للمشروع الذي لم أكن على دراية به، لكنني أخفيت ذلك، وأظهرت رغبتي في الحصول على ذلك المشروع، ليتفق التجار على منحي مبالغ خيالية مقابل الانسحاب، وبالفعل وافقت وأكملت طريقي إلى حلب، وبحوزتي شيكات الصيد الوفير.

كان ذلك قبل أن تنقلب الأحوال، وتعاكس الأيام صاحب السعادة حينما أصدر جمال عبد الناصر قرار التأميم عام 1959 وتمت مصادرة أملاكه ومصانعه كلّها إلّا 60 هكتاراً من الأراضي البعلية وكرم زيتون لا يزال يحمل اسمه حتى الآن “كرم الحريري” وقصراً للاصطياف في قرية قسطون بسهل الغاب بريف حماة.

       سند مالي باسم وهبي الحريري عام 1959 – المصدر: التاريخ السوري المعاصر

بعد انفصال سوريا عن مصر عاشت الأولى سلسلة تجاذبات سياسية، انتهت بسيطرة “حزب البعث” على السلطة في انقلاب الثامن من آذار عام 1963 فوجد وهبي الحريري نفسه مديوناً لخزينة الدولة التي قررت رهن أملاكه المتبقية، لحين سداد المديونية، فمنحت الكرم والأراضي الزراعية للفلاحين وفق ما سُمي قانون الاستصلاح الزراعي، وحوّلت قصره إلى مدرسة، ثم إلى مبنى للبلدية.

في مطلع الألفية الجديدة، وبعد مساعٍ حثيثة، وتدخل الكثير من الوساطات تمّكّن قحطان، أحد أبناء الحاج وهبي، من استرداد بعض الأملاك المرهونة، فاستعاد ملكية القصر، وعاش فيه وزوجته وأولاده، وكذلك كرم الزيتون الكبير، أما الأراضي الزراعية، فبقيت تحت تصرّف الفلاحين الذين منحهم إيّاها قانون الاستصلاح الزراعي مقابل أن يحصل قحطان على نسبة الثلث من كلّ محصول يزرع فيها، بعد سنوات طوال من وفاة والده الذي قضى فقيراً في حادث سير قرب مورك على طريق حماة – حلب.

زر الذهاب إلى الأعلى