العربي الآن

إيران تحيك سجادة النووي على إيقاع “الروك” الأمريكي

ربما يمكن "حياكة سجادة" جديدة، تحفظ ماء وجه إيران، وتمنحها متنفساً داخلياً ودولياً.

سامي زرقة – العربي القديم

في أروقة السياسة الدولية، لا شيء يُترك للصدفة.. وبين شدّ وجذب، وصعود وهبوط في نبرة التصريحات، قررت طهران أن تعود إلى طاولة المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، في خطوة أثارت تساؤلات عميقة: لماذا الآن؟ وما الذي تغيّر في الحسابات الإيرانية حتى تعود إلى رقصة التفاوض التي طالما وصفتها بالمسرحية الغربية؟

لعبة الوقت.. الاقتصاد الإيراني في قبضة الانهيار

أحد أبرز العوامل التي دفعت إيران للعودة إلى التفاوض هو الضغط الاقتصادي الخانق، فمنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، أعادت إدارة ترامب فرض عقوبات صارمة، طالت قطاعات النفط والبنوك والنقل وحتى الأدوية.. والنتيجة: تدهور الريال الإيراني، ارتفاع معدلات التضخم، وهروب رؤوس الأموال.

وعلى الرغم من محاولات الالتفاف على العقوبات من خلال التعاملات غير الرسمية مع الصين وروسيا، فإن الواقع الداخلي يفرض نفسه بقوة.. الشارع الإيراني متململ، والاحتجاجات لم تعد عابرة.. لذلك، فإن التفاوض بات أداة لتخفيف الخناق، لا خياراً دبلوماسياً فحسب.

 مناورات القوة.. التخصيب مقابل التنازل

خلال الأشهر الماضية، صعّدت طهران من وتيرة تخصيب اليورانيوم، حتى تجاوزت النسب المسموح بها في الاتفاق السابق، مُظهرة قدرتها على الوصول إلى مستوى قريب من إنتاج قنبلة نووية.. لكنها في الوقت ذاته، لم تغلق الباب أمام المفاوضات، بل استخدمت التقدم النووي كورقة ضغط سياسية تُقابلها بامتيازات اقتصادية ودبلوماسية.

بهذه المعادلة، لا يبدو أن إيران تستسلم، بل تفاوض من موقع القوة النسبية، متّكئة على تحالفات إقليمية، ودعم صيني – روسي غير معلن، ورغبة أمريكية في تجنب حرب جديدة في الشرق الأوسط.

ترامب.. سياسة العصا والجزرة

الرئيس ترامب يُواصل نهجه القائم على الضغط الأقصى، مع فرض رسوم جمركية جديدة وتهديدات بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية.. لكن في الوقت ذاته، يُبدي استعداداً للتفاوض إذا ما رأت إدارته أن هناك فوائد استراتيجية لذلك، وهذا يضع إيران في موقف يتطلب منها التوازن بين الصمود أمام الضغوط والاستعداد لتقديم تنازلات تكتيكية.​

هذا الواقع جعل إيران تعيد التفكير: ربما يمكن “حياكة سجادة” جديدة، تحفظ ماء الوجه، وتمنحها متنفساً داخلياً ودولياً.. فالمفاوضات هنا ليست تراجعاً، بل قد تكون مناورة محسوبة على رقعة الشطرنج الإقليمية.

رهانات إيرانية خفية

كسب الوقت: طهران تدرك أن استمرار الضغوط سيفرض خيارات كارثية، لذا تسعى لتخفيفها دون تقديم تنازلات جوهرية.

ترميم الشرعية: النظام بحاجة إلى نصر دبلوماسي أمام الداخل بعد سنوات من التآكل الشعبي.

الرسائل الإقليمية: إيران تريد أن تُظهر نفسها كقوة عقلانية تفاوضية، لا كمصدر تهديد دائم في المنطقة.

في الختام: ربما إيران لا تفاوض لأنها ضعيفة، ولا تفاوض لأنها مقتنعة بجدوى الحل.. إنها تفاوض لأنها تُجيد “فن البازار” السياسي، وتعرف متى ترفع السعر، ومتى تقدم خصماً مؤقتاً لتكسب الزبون الأكبر.

السجادة النووية التي تنسجها طهران اليوم قد تكون مليئة بالتعقيد والتشابك، لكنها تُنسج بإيقاع محسوب… على أنغام الكاوبوي الأمريكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى