الرأي العام

نوافذ الإثنين | الموت الرحيم والقبور

يكتبها: ميخائيل سعد

قضيتان تشغلان بال المسنين العرب؛ مسلمين ومسيحيين، في الغرب: العثور على قبر مناسب، وبسعر يناسب الوضع المادي لكل فرد، وقضية الموت الرحيم. في مقال اليوم سأتحدث عن الموت الرحيم فقط، على أمل كتابة مقال آخر عن موضوع القبور الذي يشكل همّا خاصا عند الشرقيين عموما مسيحيين ومسلمين.

زاوية المسنين

في جلساتنا اليومية في زاوية المسنين، في مونتريال، نتحدث يوميا في موضوعات عديدة أولها أخبار بلادنا العربية وأخبار الموت والموتى ممن نعرفهم، التي تنغض علينا الجلسة، فنتحول عنها سريعا إلى الحديث عن مواعيدنا الطبية وما جدّ منها، وآخر الأدوية الجديدة التي قد تشفينا من عللنا وأمراضنا المزمنة، ونتبادل أسماء الأدوية النباتية والفيتامينات، التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، لعل تناولها قد يشفينا من الأمراض التي عجزت عنها الأودية الطبية، ولا يخلو الأمر أحينا من الحديث عن فوائد استخدام التمائم والحُجب والخرافات، رغم أننا جميعا ”علمانيون“، ونحمل شهادات جامعية، ولكن الحياة غالية، وكلنا نتمسك بها أكثر كلما اقترب الموت خطوة منا.

الموت الرحيم

كان موضوع حديثنا اليوم عن أحد السوريين الذي أصيب بالزهايمر وهو في الثمانين من عمره، ولم يعد قادرا على القيام بأي عمل من الأعمال اليومية كالذهاب الحمام والتواليت، أو تغيير الثياب أو تحضير طعامه، بمعنى أنه أصبح عاجزا ولا يمكن تركه وحيدا في البيت، أو خارج البيت، لذلك وجدت عائلته (أولاده وزوجة المريض) نفسها مضطرة على نقله إلى دار للعجزة، للخلاص من الإرهاق اليومي النفسي والجسدي. وقد عرفت أن عائلته قد اتفقت على تقديم طلب إلى المشرفين عليه، بتنفيذ ”الموت الرحيم“ عليه، في حال عجزه الجسدي.

كانت قضية الموت الرحيم هي موضوع النقش اليوم في زاوية المسنين، وقد أجمع الحضور على الموافقة على سلوك أهل المريض المذكور، ولتسهيل ذلك على أهلنا، قررنا أن يكتب كل منا وصيته عن الكاتب بالعدل، يوصي فيها بأنه يطلب لنفسه الموت الرحيم في حال العجز وعدم القدرة على خدمة نفسه. وقد اجمعنا على أنه من أسباب ذلك: الخوف من العجز والضعف المتزايد مع التقدم في السن والشعور بالقلق من فقدان القدرات البدنية والعقلية، وما ينتج عنه من الاعتماد على الآخرين والحاجة إلى الرعاية المستمرة، مما يخلق الآلام والمعاناة الجسدية والنفسية التي يعاني المسنون من أمراض مزمنة أو آلام شديدة، قد يجعلهم يشعرون بأن الموت الرحيم هو الحل الأفضل للتخلص من المعاناة. إن خوف المسنين من كونهم قد أصبحوا عبئا على العائلة يجعل الموت الرحيم هو الخيار الأفضل لتخفيف هذا العبء.

لا بدّ من الاعتراف أولا أننا في زاوية المسنين متأثرون بثقافة المجتمع الكندي حول مسألة الموت الرحيم، وقناعاتنا هذه هي انعكاس لثقافة المجتمع الذي نعيش فيه، ومن المؤكد أن هناك الكثير من المهاجرين من أصول شرقية مسلمة ومسيحية لا تتفق معنا فيما ذهبنا إليه، وقد استمروا في قناعاتهم الفكرية التي حملوها معهم من بلدانهم الأصلية.

موقف المجتمعات الشرقية من فكرة الموت الرحيم:

تختلف مواقف المجتمعات الشرقية من فكرة الموت الرحيم بشكل كبير، حيث تتأثر هذه المواقف بالعديد من العوامل، بما في ذلك الدين والثقافة، فالإسلاميرى أن الله هو خالق الحياة والموت، وأن الإنسان لا يحق له أن يختار موته. أما الطوائف المسيحية فقد تختلف مواقفها من الموت الرحيم، لكنها بشكل عام ترفضه، معتبرة أنه انتهاك لحرمة الحياة. أما البوذية فإنها تركز على التحرر من المعاناة، ولكنها لا تدعم الموت الرحيم، بل تشجع على العيش بوعي وتقبل. كما أن العديد من الثقافات الشرقية تعتبر الحياة هبة مقدسة من الله، ولا يحق للإنسان أن يختار الموت.

بعض الآثار النفسية والاجتماعية للموت الرحيم على الأسر في المجتمعات الشرقية:

على عكس المجتمعات الغربية، تُعتبر فكرة الموت الرحيم موضوعًا حساسًا للغاية في المجتمعات الشرقية، وتُثير العديد من التساؤلات حول آثارها النفسية والاجتماعية على الأسر. وتُشير بعض الدراسات إلى أن الموت الرحيم قد يؤدي إلى:

  • آثار نفسية كشعور أفراد الأسرة بالذنب لأنهم وافقوا على طلب الموت الرحيم لأحد أفراد عائلتهم.
  • الصدمة التي قد تُصيب أفراد الأسرة نتيجة لوفاة أحد أفراد عائلتهم بطريقة غير متوقعة أو غير طبيعية.
  • الخوف من الموت: قد تُثير فكرة الموت الرحيم الخوف من الموت في أفراد الأسرة، خاصة إذا كانوا قد شهدوا الموت الرحيم لأحد أفراد عائلتهم.
  • الوصمة الاجتماعية: قد تُواجه الأسرة التي اختارت الموت رحيم لأحد أفرادها وصمة اجتماعية في بعض المجتمعات الشرقية، خاصة إذا كان الموت الرحيم نتيجة لمرض نفسي أو إعاقة.
  • التوتر العائلي: قد يُؤدي الموت الرحيم إلى التوتر العائلي، خاصة إذا كان هناك اختلاف في الرأي بين أفراد الأسرة حول موضوع الموت الرحيم.
  • النزاعات القانونية: قد تُواجه الأسرة نزاعات قانونية في بعض الحالات، خاصة إذا كان الموت الرحيم غير قانوني في بلدهم. يضاف إلى ما سبق ذكره الاختلافات الدينية

في الختام:

تُعد فكرة الموت الرحيم في الغرب موضوعًا مقبولا وممارسة شبه عادية، أما في المجتمعات الشرقية فهي قضية حساسًة للغاية، وتُثير العديد من التساؤلات حول آثارها النفسية والاجتماعية على الأسر. يُمكن أن تؤدي فكرة الموت الرحيم إلى الشعور بالذنب والحزن والأسى والصدمة والخوف من الموت والشعور بالوحدة في أفراد الأسرة. كما يُمكن أن تُؤدي إلى الوصمة الاجتماعية والتوتر العائلي والنزاعات القانونية والاختلافات الدينية.

مونتريال في 5/8/2024

زر الذهاب إلى الأعلى