فنون وآداب

رحيل الموسيقي السوري نوري إسكندر: الترتيلة السريانية في الموسيقى السورية

العربي القديم – خاص:

بعدما ساهمت في تهجيره وخذلانه، نعت وزارة الثقافة التابعة لنظام الأسد والمعهد العالي للموسيقا، اليوم الاثنين، الموسيقار السوري نوري إسكندر عن عمر ناهز 85 عاماً.

وكان نوري اسكندر قد توفي اليوم في مقر لجوئه في السويد التي سبق أن أوضح سبب هجرته إليها بالقول:

“طموحي الذي  بات يسابق عمري أصر عليّ المغادرة، فمازال في جعبتي الكثير من الأبحاث وأنا قطعت السبعين من العمر فأخشى أن تخونني قواي قبل أن أكمل أبحاثي في تحليل الموسيقى السريانية التراثية وأتمم تجاربي بالعلاقات بين المقامات والأجناس الشرقية، وللأسف برغم التكاليف القليلة التي احتجتها للاستمرار في البحث الموسيقي، لم أجد دعماً في بلدي ولا حتى طلبي بإستئجار غرفة تحوي حاسبين آليين وموظف يعينني بأبحاثي، وأعتقد أن الحد الأدنى من المعيشة التي تؤمنه السويد سيساعدني على استمرار وتأمين ما أحتاج إليه لتنويط ما تبقى لي من نتاجات”.

ولد نوري اسكندر عام 1938 نوري اسكندر لعائلة نزحتْ من مدينة الرها وعاش في حلب. درس الموسيقا في صغره على يد الموسيقي الروسي ميشيل بوزيرنكو. وبعد نيله الشهادة الثانوية سافر إلى مصر، حيث درس في المعهد العالي للتربية الموسيقية في القاهرة عام 1959 وتخرج فيه عام 1964.

مارس تدريس الموسيقا في ثانويات حلب بعد عودته إليها في منتصف ستينيات القرن العشرين، وكانت له أياد بيضاء على جيل كامل أسهم في تعميق تذوقه للموسيقي وتنمية معارفه ومهاراته، وخصوصا بعد أن تولى إدارة المعهد العربي للموسيقا بين عامي 1996و 2002. وقد عُرف عن اسكندر اشتغاله على الموسيقا الشرقية وبحثه عن جذورها وجمعها ونقلها من تراث شفوي، إلى مدونات، ولاسيما ما يتعلق بالموسيقا السريانية (الكنسية أو المدنية) التي تعود لكل من مدرسة الرها (أورفا) ومدرسة دير الزعفران، حيث قدم العديد من الدراسات والأعمال الموسيقية والأبحاث في الألحان السريانية التي قام بتدوينها بالنوطة لأول مرة ضمن كتابين وفق نظام الكتابة الموسيقية الحديثة (التنويط). ‏
في العام 1973 شارك نوري إسكندر في أول مهرجان تخصصي للموسيقى السريانية أقيم على القاعة الكبرى لقصر اليونسكو في بيروت، حيث قدم عدداً من مؤلفاته في مجال الفولكور السرياني التي قام بتطويرها وبنائها بأساليبه الحديثة.. وقد كتب نوري إسكندر الكثير من الأعمال الموسيقية المستقاة من مثل هذه الأعمال الفولكلورية، والتي كان في مقدمتها الأوبريت سرياني (برقانا – الخلاص) فيما تصنَّف المسرحيَّة الغنائية (قلعة حلب) التي كتبها سنة 1997، من بين أشهر أعماله الموسيقية الكبيرة، تمثلت فيها الأغاني الشعبية السورية التي تبرز في أساسياتها ألحان الترتيل السرياني.

أما بما يتصل بالموسيقى الكنسية، فقد كتب الكثير، وفي مقدمتها يأتي (بيث كازو – كنز الترانيم) للكنيسة السريانية، إستخدم فيه الأوزان الإيقاعية لمدرسة (تقليد) أديسـا. إنه عمل إبداعي جميل وكبير وثَّقَ لمزايا وخصوصيات الموسيقى الكنسية السريانية. 

من أبرز تجاربه الموسيقية: الثلاثي الوتري، كونشرتو العود، كونشرتو تشللو، ومغناة صوفية: حوار المحبة والآهات ويا واهب الحب وخطامة… ووضع  الموسيقى للمسرحية الموسيقية ( الباخوسيات) ليوروبيدس، والتي عرضت ْ في الكثير من الدول الاوربية.

اجتذب نوري اسكندر العديد من مخرجي الدراما ذوي الأصول الحلبية، أمثال المخرج سليم صبري الذي ألف الموسيقى التصويرية لمسلسله (قلوب خضراء) الذي كتبه ريمون بطرس وأنتجته شركة حلب الدولية عام 1992، كما وضع ألحان أغاني مسلسل (الثريا) الذي أخرجه هيثم حقي عام 1998 وألف الموسيقى التصويرية لفيلم (الترحال) للمخرج ريمون الذي أنتج عام 1997 بطرس 2008 والموسيقى التصويرية لفيلم المخرج سمير ذكرى (علاقات عامة) الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 2005  

في موسيقاه، وفي مسيرة خذلان المؤسسات الثقافية الرسمية له في بلده، شكل نوري اسكندر عنوانا للعبقرية السورية الضائعة، وللجهود الفردية المبدعة والمؤمنة بإحياء تراثها بلدها الإبداعي… ورحل غريبا عن أرضه وبلده كما حال الثقافة السوريبة المشردة في أصقاع العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى