الرأي العام

نحو جمهورية ثانية: سوريا بين الخيانة والغفران

الخرائط تُرسم في مكاتب الخونة، أما الأوطان فتنزف في الشوارع.

نوار الماغوط- العربي القديم

سوريا، تلك الجميلة التي حلمت أن تكون طاووس الشرق، انتهى بها المطاف كطائر جريح في قفص صدئ. منذ عقود، ونحن نكتب عنها كما يكتب السجين عن الحرية… وعن الحب. فمنذ أن أعلن الاستبداد الحرب على البلاد، هرب العقل إلى الملاجئ، وانكفأ القلب، وباتت البلاد تُدار من مجالسها المغلقة لا من سواعد أهلها.

اليوم، تقف سوريا عند حافة السؤال الكبير:
هل يمكن أن تتحول من دولة فاشلة إلى دولة تشبه سنغافورة أو ماليزيا؟

سوريا التي كانت يومًا مهدًا للتنوع والنهضة الثقافية، غدت ساحة للدمار والاستبداد. فمنذ 1963، عندما استولى حزب البعث على السلطة، وحتى تحول الحكم إلى نظام عائلي بعد عام 1970، تَحوّلت الدولة إلى ثكنةٍ بلباسٍ مدني. كل شارع، كل مؤسسة، كل قصيدة، كانت تمر عبر حاجز أمني. صار الوطن مسرحية، والشعب جمهورًا، والخيانة مرادفًا للاعتراض، والولاء أن تصمت حتى لا تجوع.

الاستبداد في سوريا
دُسّ في المناهج، في الإعلام، في صحن الفول، وحتى في كعك العيد. من الطبيعي إذًا أن ينهار العقد الاجتماعي، أن تنفجر الطوائف، أن يُفرز الكردي والدرزي والاسماعيلي والسني في صناديق “للدفن”، لا للحياة.

ما حدث في 2011 لم يكن مجرد ثورة، بل انفجارًا لما خزّنته صدور السوريين من طائفية، وإقصاء، وكذب باسم الوطن. لقد كانت لحظة الحقيقة: لحظة انكسار الصمت أمام الصوت، ولحظة صار فيها السوري يهمس في قلبه: “لن أخونكِ مرة أخرى… يا سوريا“.

ومع كل هذا الألم، تبقى هناك نافذة، نافذة واحدة تطل على الاحتمال:
أن تعود سوريا دولة… لا مجرد أرضٍ يسكنها من بقي حيًا.

نعم، بإمكان سوريا أن تصبح دولة حديثة. ليس نسخة عن سنغافورة أو ماليزيا، بل سوريا التي لم تولد بعد. تلك التي تُعامل المواطن ككائن حر، لا كرقم في سجلات الأمن. التي ترى في المثقف ضوءًا، لا خطرًا. التي تجعل الرأي فعل حياة، لا مشروع اعتقال.

تجارب مثل سنغافورة وماليزيا لم تُبنَ على المعجزات أو الثروات الطبيعية، بل على مشروع وطني:
حوكمة رشيدة، تعليم متحرر، مؤسسات مستقلة. هذه هي شروط النهوض، لا الشعارات ولا الصور المرفوعة في الساحات.
بينما بنت تركيا اقتصادها على النساء العاملات، وبنت ماليزيا نهضتها على عقل “مهاتير محمد”،  نحن بنينا البلاد بخطب الجنرالات وقوانيين الطوارئ. وصنعنا اقتصادها من التقارير الأمنية،

التعليم؟ تم تدجينه ليُمجّد القائد لا الوطن.
الثقافة؟ أصبحت أداة للولاء، لا للتحرر.
الاقتصاد؟ جثة على أجهزة التنفس.
العدالة؟ غائبة، وملفّات المعتقلين أطول من سنوات الضياع.

ورغم كل شيء، فإن سوريا الآن كالعائد من الموت… ترى الضوء في آخر النفق، لكنها لا تعرف كم تبقّى من النفق.
ربما سنمشي حفاة، وربما سنتعثر كثيرًا، لكن الأهم ألا نعود إلى القبر ذاته.

إن بناء سوريا الحديثة لا يبدأ من تقليد الآخرين، بل من تحرير سوريا من نفسها القديمة.
لا نريد معجزة اقتصادية، بل مشروعًا وطنيًا.
لا نريد رجلًا قويًا، بل مؤسسات أقوى من الجميع.
لا نريد أصنامًا جديدة، بل دستورًا حيًا يحترم الإنسان.

سوريا ليست سنغافورة، ولن تكون ماليزيا. لكنها تستطيع أن تكون “سوريا التي تعِدُها بأنك لن تخونها مرة أخرى.” ولذلك، لا نريد سوريا جديدة مزيفة،
نريد سوريا حقيقية، دولة لا تُنتج الجوع والخوف، بل تصنع الأمل والمعنى. ولن تكون هناك سوريا حقيقية إذا بُنيت على الصمت والنسيان. العدالة الانتقالية ، هي حجر الأساس في بناء وطن لا يكرّر مأساته.
نعم، قد يغفر التاريخ للذين صمتوا في الماضي ، لكن لا غفران لمن سرق و قتل، وعذّب، ونهب، وجوّع، واعتقل وطنًا بكامله؛ فالتسامح مع القتلة والفاسدين ليس تسامحًا… بل خيانة للضحايا، خيانة لمستقبلٍ نحاول إنقاذه من بين الركام.

الخرائط تُرسم في مكاتب الخونة، أما الأوطان فتنزف في الشوارع.

سوريا، تلك الجميلة التي حلمت أن تكون طاووس الشرق، انتهى بها المطاف كطائر جريح في قفص صدئ. منذ عقود، ونحن نكتب عنها كما يكتب السجين عن الحرية… وعن الحب. فمنذ أن أعلن الاستبداد الحرب على البلاد، هرب العقل إلى الملاجئ، وانكفأ القلب، وباتت البلاد تُدار من مجالسها المغلقة لا من سواعد أهلها.

اليوم، تقف سوريا عند حافة السؤال الكبير:
هل يمكن أن تتحول من دولة فاشلة إلى دولة تشبه سنغافورة أو ماليزيا؟

سوريا التي كانت يومًا مهدًا للتنوع والنهضة الثقافية، غدت ساحة للدمار والاستبداد. فمنذ 1963، عندما استولى حزب البعث على السلطة، وحتى تحول الحكم إلى نظام عائلي بعد عام 1970، تَحوّلت الدولة إلى ثكنةٍ بلباسٍ مدني. كل شارع، كل مؤسسة، كل قصيدة، كانت تمر عبر حاجز أمني. صار الوطن مسرحية، والشعب جمهورًا، والخيانة مرادفًا للاعتراض، والولاء أن تصمت حتى لا تجوع.

الاستبداد في سوريا
دُسّ في المناهج، في الإعلام، في صحن الفول، وحتى في كعك العيد. من الطبيعي إذًا أن ينهار العقد الاجتماعي، أن تنفجر الطوائف، أن يُفرز الكردي والدرزي والاسماعيلي والسني في صناديق “للدفن”، لا للحياة.

ما حدث في 2011 لم يكن مجرد ثورة، بل انفجارًا لما خزّنته صدور السوريين من طائفية، وإقصاء، وكذب باسم الوطن. لقد كانت لحظة الحقيقة: لحظة انكسار الصمت أمام الصوت، ولحظة صار فيها السوري يهمس في قلبه: “لن أخونكِ مرة أخرى… يا سوريا”.

ومع كل هذا الألم، تبقى هناك نافذة، نافذة واحدة تطل على الاحتمال:
أن تعود سوريا دولة… لا مجرد أرضٍ يسكنها من بقي حيًا.

نعم، بإمكان سوريا أن تصبح دولة حديثة. ليس نسخة عن سنغافورة أو ماليزيا، بل سوريا التي لم تولد بعد. تلك التي تُعامل المواطن ككائن حر، لا كرقم في سجلات الأمن. التي ترى في المثقف ضوءًا، لا خطرًا. التي تجعل الرأي فعل حياة، لا مشروع اعتقال.

تجارب مثل سنغافورة وماليزيا لم تُبنَ على المعجزات أو الثروات الطبيعية، بل على مشروع وطني:
حوكمة رشيدة، تعليم متحرر، مؤسسات مستقلة. هذه هي شروط النهوض، لا الشعارات ولا الصور المرفوعة في الساحات.
بينما بنت تركيا اقتصادها على النساء العاملات، وبنت ماليزيا نهضتها على عقل “مهاتير محمد”،  نحن بنينا البلاد بخطب الجنرالات وقوانيين الطوارئ. وصنعنا اقتصادها من التقارير الأمنية،

التعليم؟ تم تدجينه ليُمجّد القائد لا الوطن.
الثقافة؟ أصبحت أداة للولاء، لا للتحرر.
الاقتصاد؟ جثة على أجهزة التنفس.
العدالة؟ غائبة، وملفّات المعتقلين أطول من سنوات الضياع.

ورغم كل شيء، فإن سوريا الآن كالعائد من الموت… ترى الضوء في آخر النفق، لكنها لا تعرف كم تبقّى من النفق.
ربما سنمشي حفاة، وربما سنتعثر كثيرًا، لكن الأهم ألا نعود إلى القبر ذاته.

إن بناء سوريا الحديثة لا يبدأ من تقليد الآخرين، بل من تحرير سوريا من نفسها القديمة.
لا نريد معجزة اقتصادية، بل مشروعًا وطنيًا.
لا نريد رجلًا قويًا، بل مؤسسات أقوى من الجميع.
لا نريد أصنامًا جديدة، بل دستورًا حيًا يحترم الإنسان.

سوريا ليست سنغافورة، ولن تكون ماليزيا. لكنها تستطيع أن تكون “سوريا التي تعِدُها بأنك لن تخونها مرة أخرى.”

ولذلك، لا نريد سوريا جديدة مزيفة،
نريد سوريا حقيقية،
دولة لا تُنتج الجوع والخوف،
بل تصنع الأمل والمعنى.

ولن تكون هناك سوريا حقيقية إذا بُنيت على الصمت والنسيان.
العدالة الانتقالية ، هي حجر الأساس في بناء وطن لا يكرّر مأساته.
نعم، قد يغفر التاريخ للذين صمتوا في الماضي ، لكن لا غفران لمن سرق و قتل، وعذّب، ونهب، وجوّع، واعتقل وطنًا بكامله.
فالتسامح مع القتلة والفاسدين ليس تسامحًا… بل خيانة للضحايا، خيانة لمستقبلٍ نحاول إنقاذه من بين الركام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى