الزواج المغاير عند دروز السويداء: العقيدة الشّفهية أخذت صفة قانون ملزِم
بقلم: إيمان أبو عساف
زيارة رتبت على عجل إلى دارة أحد شيوخ الطائفة الروحية في جبل العرب، تناولت في العموم تقييمات الحراك، ثم تبعها حديث يخص أزمات الجبل التي أحدثها الصراع مع السلطة على مدى عقد ويزيد.
أشار في هذه الزيارة الشيخ الروحي، الذي آثر عدم ذكر اسمه، إلى مشكلة معقدة متعلقة بكثرة عدد النساء، قياساً إلى عدد الذكور المتناقص، عاماً بعد عام، بسبب الهجرة والتفريغ، وخسارات الحرب، وهذا يبدو للمجتمع الجبلي عقدة في ظل عقيدة متحفظة، وقد كلفني خلال الزيارة بالبحث عن أصول وجذور المسألة.
ما لفت نظري أن الدروز كطائفة، ينطوي موقفها على تعدد، واختلاف في وجهات النظر غير معلن، ولكن في الواقع يتجه موقف الأغلب، نحو موقف شبه كلي من هذه المسألة، فيبدو أن المواقف المختلفة في النظر إلى هذه القضية تبدو غير ذات فعالية، لتشكل سلوكاً عاماً.
قمت بمقابلات سريعة مع العديد من رجال الطائفة ونسائها، سواء من المثقفين أو من المتدينين، والذين هم من طبقة العقّال بتشديد القاف، فمثلاً السيدة سلام (مدرسة) أجابت: إنها شخصياً تنحو نحو الزواج المدني كحل لهذه المسألة، وتتأمل أن تكون أطروحة الزواج المدني تصل بنا إلى حل منشود لهذه القضية.
وعندما سألت أحد رجال الدين، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، فأجابني: إن هذه المشكلة بغاية الأهمية، والسعي إلى حلها ضرورة، ولما سألته إذا كان الحل في الانفتاح على الزواج من خارج الطائفة، قال: إنه ليس هناك نص ديني يمنع الموحّدة الدّرزية من زواج مختلف، لكن الأمر أخذ هذه الصورة مع متغيرات مرّت على الطائفة عبر الزمن، حيث دخلت الطائفة بصراعات مع محيطها وغيره، وإن العقيدة الشّفهية أخذت صفة قانون ملزِم جعل التحفّظ والحذر موجوداً في أكثر الأحيان.
وقارب هذا الطرح أيضاً شيخ آخر قائلاً: “إن حل المسألة يكون، عبر تغييرات تشريعية وقانونية تلحق الطائفة بقانون الأحوال الشخصية للمحاكم السنية مثلاً”.
أما اللافت خلال المقابلات، هو أن التحفّظ قد يظهر من طبقة غير متدينة، معتبرة أن المذهب الدرزي، بالنسبة للزواج هو حافظ لكرامة المرأة. هكذا قال لي السيد ماهر (اسم مستعار)، وذلك لأنه يعتبر أن تعدّد الزوجات في باقي الطوائف “إهانة للكرامة ومدعاة للظلم”، وأن المرأة في الطائفة حرة نسبياً، إذ لا يوجد عنف جسدي ضدها حسب رأيه.
وأما السيدة حياة (اسم مستعار) قالت: “نساء الطائفة الدرزية أكثر حرية، لكن العنف المعنوي كبير ومعمم، إذ إن هذا النوع من الزواج (الزواج من طائفة واحدة) خاضع تماماً للظلم الاجتماعي، وإن كان لها الخيار في رفضه، أو لا، إلا أنها قابعة ضمن مايفرضه الرجل من سلوكيات كبرى، أو صغرى. ولكني شخصياً لا أمانع هذا النوع من الزواج (الزواج من غير طائفة)”،
و لما سألت السيد أشرف (اسم مستعار) عن رؤيته لهذه القضية، قال: “الأمر متعلق بالتطور، والمسألة لها مسار طويل جداً متعلق بمتغيرات متعددة، وإن الزواج المختلط سيحدث حتماً في ظل تغير شامل وكلي بدأت تتضح ملامحه”، وأضاف: “إن المرأة الدرزية تقبع داخل عبودية ظاهرها حرية، فهي داخل فخ ينتقص من إنسانيتها بحجة أنها تتعلم وتخرج للعمل، وليست ملتزمة بالحجاب، وأنها زوجة واحدة “، ولما سألته ما هو الفخ الذي ينتقص من كرامتها الإنسانية؟ أجابني: ” المرأة الدرزية برأيي خاصعة لعملية انتخاب ذكوري، من خلال التقييم الأخلاقي، والذرية والأصل، فقانون الزواج ضمن مجتمع حر بكليته هو الضامن لكرامتها وحقوقها”، وأخيراً أضاف: “أعتقد أن الوقت مازال مبكراً على مثل هذا التغيير الكبير، حيث ستشكل قضية زواج المرأة في المجتمع الدرزي من رجل مغاير في الطائفة قضية لها آثار وخيمة أقلها وأبسطها العنوسة”.
والسؤال نفسه توجهت به إلى روائي معروف، فضّل عدم ذكر اسمه، فأجاب: “ليس هناك صعوبة أكثر من صعوبة مقاربة هذه المسألة، طالما أن الكثير منا يعتبر الأمر خروجاً، بمعنى النكران، وأن مجتمعنا الدرزي بمحدداته الدينية والعرفية يعتبر الزواج هو حصراً بين درزي ودرزية ، إذاً فهو مشروط مسبقاً”، وأضاف: “لكن خلال ما يحدث من فترة، وخاصة خلال النزاع، لم تعد هذه الصورة مطلقة، وهناك تكاثر في الحالات الفردية، ما ستعني تحول في المستقبل غير البعيد، إذ إن المتغيرات ستهدم الموانع، ولن يصمد التحفظ أمامها”.
في النهاية، لا بد من ذكر أثر الثورات والنزاع، والتطور في تغيير السلوكيات المجتمعية، وخصوصاً الأعراف والتقاليد، إلا أن هذه التغييرات لا بد أن تأخذ وقتها، لتصبح القوانين الجديدة للمجتمعات، بما يتناسب مع وقتها وزمانها.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.