تفاصيل سورية | بدايات التراجع الدراسي... وأول رواية قرأتها في حياتي
غسان المفلح
رجعنا لوجع القلب، كانت مدرستي في الصف السابع الاعدادي في الغواص، على مشارف حي الميدان القديم من الجهة الأخرى. الغواص هو حي جديد يحيط بحي الميدان من الجهة الغربية. من حارة الشوام في التضامن للغواص أكثر من عشرين دقيقة مشي. لكن الكائن الطفل المراهق يخلق أجواءه، كي يتخلص من وجع القلب مع شتاء الذهاب للمدرسة، الذي خلقته لي مدرسة أم العلاء الابتدائية.
صار الطريق بالنسبة لنا كشلة من جديد، متعة إضافية. لم يعد فقط مطرا وطينا وبردا قارصا أحيانا، بل هو تسكع لذيذ. خاصة عندما نمر بسوق (الزاهرة) القديم حيث كان محل فول وفلافل. كان مصروفي يتراوح بين فرنكين وثلاثة فرنكات، حسب ميزانية وزارة المالية، التي هي أم غسان الله يرحمها: “لف زعتر أو جبنة يلعن اللي خلفوك” بعد أسطوانة أنني أريد شراء سندويشة فلافل “تبع الفرنكين”، كي احصل على فرنك ثالث، للحلوى. هذه أسطوانة يومية. وأبو غسان رحمه الله يضحك ويبتسم من تحت لتحت. مرة وحدة اشتكيت له، فرد: “تصطفل انت وأمك”.
كان طريقنا للإعدادية، التضامن ثم نتجه غربا، نمر من جانب ما كان يعرف ببنايات “النازحين”. النازحون من سكان الجولان والقنيطرة، الذين نزحوا على إثر نكسة 5حزيران عام 1967 ثم استقر بعضهم في بنايات مهجورة في ضواحي دمشق. لهذا الأمر قصة ربما نرويها لاحقا. بعد ذلك نستمر بالمشي حتى سوق الزاهرة القديم ومحل الفلافل. نشتري سندويشة مرة سعرها فرنك ومرة فرنكين حسب ميزانية “الخرجية” أو المصروف اليومي. بعدها نخترق حي (الحقلة) بالسير بجانب مقبرة الحقلة لا أتذكر أن لها أسما آخر، حتى نقطع شارع الميدان الرئيسي ونتابع لمنطقة (الغواص). هذا عام الأول الاعدادي والدخول إلى عالم اللغة الإنكليزية. حيث عقدنا مدرسها جميعا. في آخر السنة نجح فيها خمسة او ستة من كل الصف البالغ عدده أكثر من 45 طالبا. كانت علامتي على الحد.
كانت هذه السنة أيضا سنة انني أخذت من مكتبة والدي المتواضعة أول قصة قرأتها. في الحقيقة لم أعد أذكر اسمها، لكنها للروائي المصري احسان عبد القدوس. بعدها كنت كل فترة أقرأ رواية لنجيب محفوظ كونها قصة مشوقة. وأحيانا أستعير قصصا من أصدقائي “الزعران” في شلة إعدادية الميدان الأولى التي غير الأسديون اسمها لاحقا.
في تلك السنة لعب فريق حارتنا لكرة القدم مع فريق بنايات “النازحين”، وكان اللعب على أربع فرنكات، وخسرنا هدفين مقابل هدف. حاولنا “نزعبر” عليهم في الهدف الثاني، لأن الهدف أصاب الحجارة التي نحدد فيها المرمى في الملعب الترابي. لكن الحكم هو من حاراتنا ويكبرنا بأربع سنوات تقريبا، احتسب الهدف وصرخ فينا “بلا زعبرة”. أيضا في هذه السنة بدأ مستواي الدراسي ينحدر صار فوق الوسط، ألف شغلة براسي: كرة قدم وسينما وقصص. من أين أجد وقتا للدراسة؟ بدأت تشغل الرأس قضايا أخرى أيضا. الشطرنج تدربت بسرعة وصرت لاعبا ماهرا نسبيا في نهاية هذا العام. الشطرنج سحرني في الحقيقة. في المرة الأولى لتعلمه في المرحلة الابتدائية، وجدته لعبة مملة. لكن في المرحلة الإعدادية كان كالسحر بالنسبة لي. في صيف هذا العام علمت أصدقائي في قريتنا الشطرنج أيضا وبسرعة تعلقوا بهذه اللعبة أيضا. بتنا في هذا الصيف نسهر شطرنجيا حتى الفجر تقريبا.
لكن لم يكن الشطرنج في ذلك التاريخ مطروحا على طاولة النشاطات الطلابية في مدارس البعث والأسد. هذه من الاخبار التي سرت والدي أنني تعلقت بالشطرنج. من شلة التضامن لا أحد من أصدقائي اهتم بالشطرنج. كانت بالنسبة لهم لعبة مملة من جهة وورق اللعب أو ما يعرف” بورق الشدة” فيه إثارة أكثر من جهة أخرى.