العربي الآن

بصمات الفقدان على الأطفال: كيفية نساعد أطفالاً فقدوا ذويهم؟!

بقلم: براء الجمعة *

يهدف هذا المقال إلى تقديم معلومات عامة حول تأثير الفقدان على الأطفال وما يتركه من آثار نفسية مؤلمة… عاشها مئات آلاف الأطفال في الواقع السوري الذي تعرض فيه السوريون للقتل والتشرد والتهجير.. إذا كنت قلقاً بشأن طفل يعاني من الفقدان، يرجى استشارة مختص في الصحة النفسية.

أطفال فقدوا أصدقاء الطفولة والبيت والجوار في ظل عيشة المخيمات

يمثل فقدان أحد الأحباء تجربة مؤلمة لكل فرد، ولكن الأطفال يتأثرون بها بشكل خاص. فرحيل أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين يترك جرحاً عميقاً في نفوسهم، ويؤثر على نموهم النفسي والاجتماعي،  في هذا السطور سنتناول رحلة الطفل في مواجهة الفقدان، ومراحل الحزن التي يمر بها، وكيف يمكننا دعمه في تجاوز هذه المحنة.

فهم الأطفال للموت

لا يدرك الأطفال مفهوم الموت بالطريقة نفسها التي يدركها البالغون، يمر الأطفال بمراحل تطورية مختلفة في فهم هذا المفهوم، تبدأ بالاعتقاد أن الموت حالة مؤقتة يمكن الرجوع منها، وتنتهي بإدراك أن الموت حدث نهائي ولا رجعة فيه. هذا الفارق في الفهم يجعل من الصعب على الطفل استيعاب حقيقة فقدان شخص مقرب.

يتغير إدراك الأطفال للموت تبعاً لمراحلهم العمرية. وفقًا لدراسة ” Maria Nagy ” التي تعد من الأوائل من درسوا مفهوم الموت عند الأطفال، يمر الأطفال بثلاث مراحل رئيسية في فهمهم للموت:

1.         الموت كحدث قابل للعودة (من 3 إلى 5 سنوات): في هذه المرحلة، يعتقد الطفل أن الشخص المتوفى يمكنه العودة إلى الحياة وينتظر عودته. هذا الفهم المحدود يجعل الطفل في حالة من الإنكار والانتظار المستمر، معتقدًا أن الموت مجرد حالة مؤقتة يمكن عكسها.

2.         الموت كحدث مادي (من 6 إلى 9 سنوات): يبدأ الطفل في إدراك أن الموت نهائي، لكنه قد يتصوره كقوة ملموسة أو شخصية خيالية تأخذ الأشخاص. مع الوقت، يتطور هذا الفهم ليشمل بعض الجوانب العاطفية المرتبطة بالفقدان، مثل الشعور بالخسارة الدائمة.

3.         الموت كتوقف للوظائف الحيوية (من 10 إلى 12 سنوات): يصل الطفل إلى فهم أكثر واقعية للموت، حيث يدرك أنه عملية بيولوجية تؤدي إلى توقف جميع وظائف الجسم الحيوية بشكل نهائي. يمكن أن يصاحب هذا الفهم شعور بالقلق والخوف من فقدان الآخرين أو حتى من مواجهة الموت الشخصي.

بحلول سن الخامسة، يمكن للطفل أن يبدأ في فهم معنى الحياة، لكن مفهوم الموت يبقى معقدًا للغاية بالنسبة له في هذا السن الصغير. على الرغم من مشاهدته للموت على الشاشات أو في الطبيعة (مثل موت عصفور أو حشرة)، أو حتى من خلال وفاة أحد المسنين في العائلة أو الجيران، فإن فهمه لا يزال محدودًا.

أما الطفل في سن الثامنة وما بعدها، فيبدأ بفهم أعمق لمعنى الموت. وفيما يلي تطور فكرة الموت لدى الطفل عبر مراحل العمر:

• الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2-5 سنوات غالبًا لا يدركون أن الموت يحدث للجميع.

• الطفل في سن 3 سنوات لا يفهم معنى الموت، لكنه يعبر عن الحزن والفقدان من خلال تقليد سلوكيات الكبار، خاصة إذا كان الفقيد شخصًا قريبًا منه. قد يظهر لديه خوف شديد من فقدان شخص آخر قريب.

• الطفل في سن 4 سنوات قد يعبر عن قلقه بعد سماع خبر وفاة أحدهم، وقد يتساءل مثلاً: “من سيعطيني الحلوى؟ ومن سيرافقني إلى الملاهي؟”. في بعض الأحيان، قد لا يظهر أي رد فعل ويواصل لعبه، معتقدًا أن الشخص سيعود مجددًا. غالباً ما يتعامل الأطفال في هذا السن مع الموت كأنه انفصال مؤقت، وقد يقومون بسلوكيات تُمكّن الميت من العودة، مثل إبقاء الباب أو النافذة مفتوحة.

• الطفل في سن 6 سنوات يبدأ في إدراك أن الموت هو مصير كل حي، وأنه لا عودة منه، ولكن هذا الفهم يكون مجرد ترديد للمعنى دون استيعاب كامل.

• الطفل بين 7-9 سنوات يدرك أن جميع الكائنات الحية ستموت يومًا ما. في هذه المرحلة، قد لا يعتبرون الموت شيئًا مخيفًا، لكنهم يحاولون فهم سببه، وتتزايد أسئلتهم في هذا الشأن. مع فهمهم لمفاهيم الثواب والعقاب، قد يرون الموت عقابًا لهم، مما قد يسبب لهم مخاوف. في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال في إظهار مظاهر الحداد بطريقتهم الخاصة.

مراحل التكيف مع الفقدان عند الأطفال

بعد فقدان شخص عزيز، يمر الأطفال بمجموعة من المراحل النفسية التي تساعدهم على التكيف مع هذا التغيير الشاق في حياتهم. هذه المراحل ليست متتابعة بشكل قطعي، حيث قد يعود الطفل إلى مرحلة سابقة أو يتجاوز بعضها بسرعة، وفقاً لتجربته الشخصية. تشمل هذه المراحل:

الذهول والإنكار: في البداية، قد يشعر الطفل بالذهول وعدم القدرة على استيعاب الخبر. قد يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث، ويعتقد أن الشخص الراحل سيعود.

• الغضب والاحتجاج: يبدأ الطفل في الشعور بالغضب تجاه الشخص المتوفى أو الحياة بشكل عام. يمكن أن يظهر هذا الغضب من خلال سلوكيات عدوانية أو لوم النفس أو الآخرين على ما حدث.

• التفاوض مع الذات أو الخالق: قد يحاول الطفل إبرام نوع من الصفقة الداخلية لإعادة الشخص الذي فقده. يمكن أن يعد بتغيير سلوكه أو القيام بأفعال جيدة مقابل عودة المتوفى.

• الحزن والانسحاب: يشعر الطفل بحزن عميق ويفقد الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها من قبل. قد ينسحب من التفاعل الاجتماعي ويفضل العزلة.

• التكيف والقبول: يبدأ الطفل تدريجياً في قبول حقيقة الفقدان ويبدأ في التكيف مع حياته الجديدة. يعود إلى ممارسة أنشطته اليومية ويبدأ في تكوين علاقات جديدة، متكيفاً مع الوضع الجديد.

هذه المراحل هي جزء طبيعي من عملية الحزن والتعافي، وهي تساعد الأطفال على التكيف مع الفقدان والمضي قدماً في حياتهم.

تأثير الفقدان على حياة الطفل

يترك فقدان أحد الأحباء آثاراً عميقة على حياة الطفل، وقد يؤثر على:

• أدائه الأكاديمي: قد يواجه الطفل صعوبات في التركيز والتعلم.

• علاقاته الاجتماعية: قد ينسحب من الأنشطة الاجتماعية ويواجه صعوبة في بناء علاقات جديدة.

• صحته النفسية والجسمية: قد يعاني من مشكلات في النوم والشهية، وأعراض جسمية مثل الصداع وآلام المعدة.

•           نموه النفسي: قد يؤثر الفقدان على تطور مشاعر الطفل وقدرته على بناء علاقات صحية.

كيف نساند أطفالنا في مواجهة الفقدان؟

لدينا كآباء ومربين دور حيوي في دعم أطفالنا خلال هذه الفترة الصعبة:

•           التحدث بهدوء ووضوح:  شرح للأطفال حقيقة الوفاة بلغة بسيطة ومناسبة لأعمارهم.

•           التعبير عن المشاعر:  نشجع أطفالنا على التعبير عن مشاعرهم بحرية، سواء بالكلمات أو من خلال الأنشطة المناسبة.

•           الحفاظ على الروتين:  يساعد الحفاظ على روتين يومي مستقر على الشعور بالأمان والاستقرار.

•           توفير بيئة آمنة : يجب أن يشعر الطفل بأنه محاط بالحب والدعم والاهتمام والاحتواء.

•           طلب المساعدة:  لا تتردد في طلب المساعدة من مختص في الصحة النفسية إذا كنت تشعر أن طفلك يحتاج إلى دعم إضافي.

فقدان أحد الأحباء هو جزء من دورة الحياة، ولكن يمكننا مساعدة أطفالنا على تجاوز هذه المحنة من خلال تقديم الدعم والحب والعناية الملائمة، من المهم معرفة أن كل طفل يمر بتجربة الحزن بشكل مختلف، وأن الصبر والتفهم هما مفتاح التعافي.

أؤمن بأن الأطفال لديهم القدرة على التكيف والتعامل مع الصعوبات، من خلال تقديم الدعم المناسب، يمكننا مساعدتهم على بناء حياة أفضل.

إدلب 12 أيلول 24

________________________________________

  • مختص في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى