العربي الآن

السلطات اللبنانية وإعادة اللاجئين السوريين: ابتزاز سياسي متعدد المخاطر

حازم بعيج – العربي القديم

يعيش اللاجئون حول العالم نمطا استثنائيا من متطلبات الحياة الكريمة والتمتع بالحقوق الأساسية والحريات، لذلك هم من ذوي الأوضاع الخاصة الذين يحتاجون إلى الدعم الوافر والمناصرة القانونية والاجتماعية دائما، وهذا بالضبط ما ينطبق على اللاجئين السوريين في لبنان الذين يمرون بتجارب مريرة نتيجة قصور التشريعات المحلية والإخلال بالالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان امتناعا أو خرقا، ناهيك عن تداخل هذه الحقوق بالسياسة مما يجعلهم أداة ابتزاز سياسي متعدد المخاطر.

أعلنت الحكومة اللبنانية في الرابع عشر من آب/ أغسطس لعام ٢٠٢٤ عن جملة تدابير جديدة بخصوص ما تسميه “العودة الطوعية” للاجئين السوريين في لبنان إلى وطنهم، وذلك عن طريق تقديم مقترحات وزارية ومن الهيئات الإدارية ذات الصلة خلال مدة معجلة لا تتجاوز الأسبوع قبل بدء التنسيق مع دمشق لاستمرار حملة إعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سورية قسرا، في حالة تؤكد وتلمح إلى ثغرات واضحة على صعيد التزامات لبنان الدولية، إذا تبدو الالتزامات قانونية للوهلة الأولى من حيث الشكل، لكنها بمعنى حقوق الإنسان غير ذلك تماما، ويتعين على لبنان مراجعتها ومداولة الخطة بطريقة جماعية مع جميع الفاعلين المعنيين الدوليين لضمان جودة الخطة ومواءمتها للشروط الإنسانية الأساسية.

التزامات لبنان الدولية حول اللاجئين

أولا: اتفاقية اللاجئين الدولية لعام 1951 وبروتوكولها عام 1967: من المستهجن بكل تأكيد أن يكون لبنان في ذيل قائمة الدول التي لا تقر وتصدق اتفاقيات دولية بهذه الأهمية بوصفها طرفا دوليا ذا شرعية حقيقية، هذه الاتفاقية بموجبها يكون الفار من بلاده ضمن أصول لاجئا يستحق الحماية والرعاية اللازمة، وبموجب ذلك يرى لبنان في اللاجئين السوريين “نازحين” مما يحرم اللاجئين السوريين وغيرهم من اللاجئين إلى لبنان جملة واسعة من الامتيازات التي يراعى من خلالها حاجة الفئة اللاجئة، فهل لهذا القصور في توطيد العلاقة مع الأطراف الدولية أسباب سياسية متعلقة بنظرة الدولة اللبنانية لنفسها على أنها جزء من لعبة سورية السياسية تاريخيا؟! فيحمل اللاجئ إليها صفة نازح بوصفه ما زال داخل أراضي الدولة السورية. ثم إن كانت مبررات عدم تصديق الاتفاقية من قبل الطرف اللبناني جاهزة، فكيف نبرر التقصير الحكومي اللبناني في سن تشريعات لجوء للسوريين على أراضيها كما فعلت الحكومة التركية في تعاملها مع ملف اللاجئين السوريين على أراضيها؟! بعيدا عن الاتفاقية الدولية.

ثانيا: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة: صدق لبنان اتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكولها الملحق لاحقا بالاتفاقية، ويعد طرفا ملزما كل ما جاء فيها، في حين نصت المادة الثالثة من الاتفاقية:

“1- لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (أن ترده) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
2- تراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك عند الاقتضاء، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية.[1]

بالتالي على عاتق السلطات اللبنانية مسؤولية استباقية مضافة إلى منع طرد أو إعادة أو تسليم أي شخص قد يتعرض للتعذيب، تتمثل في استكشاف وتهيئة الأرضية اللازمة الآمنة لأي شخص لاجئ في لبنان حال أراد بنفسه العودة إلى سورية، فخيار عودة بعض اللاجئين السوريين إلى بلدانهم طواعية في ظل تحذيرات دولية وحقوقية من مخاطر هذه الإجراءات يحمل لبنان مسؤولية قانونية وأخلاقية حال تعرض اللاجئ لأي مكروه يتعلق بالتعذيب أو المعاملة اللا إنسانية والحاطة بالكرامة الإنسانية.

وهنا يكون الحديث عن ضمانات جماعية من كل الأطراف المشاركة إضافة إلى المؤسسات الدولية المعنية التي اختار لبنان أن يمضي بخطته إعادة اللاجئين بمعزل عنها.

ثالثا: مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي[2]: مبدأ ينطلق منه التراث الإنساني منذ بدايته وحتى نهايته في أن الإعادة القسرية للاجئ إلى بلده الذي فر منه انتهاك صارخ للمشتركات الإنسانية التي لا يمكن تحويرها، وهذا ما يؤكده المسؤولون اللبنانيون مرارا وتكرارا في أن إعادة اللاجئين السوريين “طوعية وآمنة” وأن اللاجئين في لبنان ضحايا نزاع حربي دام دفعهم بهم إلى النزوح واللجوء، مما يحسم الجدل حول مبدأ الإعادة القسرية هل من مبادئ القانون الدولي العرفي أم لا؟! فالركن المادي الذي هو محل تسليم بين الدول يتمحور حول تكرار هذا المبدأ، بينما ينشأ الخلاف الحقوقي حول الركن المعنوي الذي يفترض ممارسة الركن المادي من قبل الدول عن قناعة وتسليم نهائيين، وهذا ما أتمته السلطات اللبنانية بفضل تصريحات المسؤولين الكثيرة حول “طوعية العودة”، مما يكرس التزاما مضافا إلى الالتزامات السابقة بحق السلطات اللبنانية، وهذا بطبيعة الحال هنا إقرار لبناني تطبيقي بحجية هذا المبدأ العرفي الدولي.

رابعا: مقدمة دستور الجمهورية اللبنانية: تنص الفقرة “ب” في مقدمة الدستور اللبناني على أن: “لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإِنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء”.[3] وهذا مما يوجب على السلطات اللبنانية تعاملا دقيقا في ملف اللاجئين السوريين الأشقاء، بما يعزز العلاقات الأخوية بين المجتمعين الذين تربطهما قواسم مشتركة ثقافية ولغوية ودينية متجذرة، بعيدا عن الاستنسابية المعهودة في أروقة السياسة. فلبنان كما سورية سلطة ودولة وشعبا ولا يمكن بأي حال فصل الشعب عن العنصرين الآخرين.

في المحصلة:

يظهر جليا أن الحكومة اللبنانية تخلق لنفسها إشكاليات متعلقة بسياسات الهجرة لسبب امتناعها من تصديق اتفاقية اللاجئين الدولية، في حين يتكون اللجوء في لبنان غالبا من فئتين هما السوريون والفلسطينيون، ولا شك أن اللاجئين الفلسطينيين لا يستفيدون من مميزات اتفاقية اللاجئين الدولية لاستفادتهم من خدمات منظمة الأونروا الأممية، في حين جرى عرف السلطة اللبنانية على تسميتهم باللاجئين.

وهذا ما ينعكس بالتزامات أخرى نابعة من تصديق لبنان اتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكولها الوحيد من جانبين: التزام لبنان عدم الترحيل أو التسليم أو الإعادة القسرية أو الطوعية التي لا تتوافر فيه الضمانات والضامنون الفاعلون للاجئين في لبنان تحت أي مسمى، وهذا بطبيعة الحال يفرض أيضا تمرير الحكومة ميزانية فاعلة للجنة الوطنية للوقاية من التعذيب المنشأة بموجب التزام لبنان بروتوكول اتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2008.

ثم إن الاجتهادات شديدة المرونة بما يتعلق بمبدأ القانوني الدولي العرفي في عدم الإعادة القسرية، يظهر واقعا أن السلطات اللبنانية بإداراتها ومسؤوليها يقرون سلوكا وحقيقة بوجود هذا العرف الذي يؤطر خططهم المتعلقة باللاجئين السوريين في لبنان.

فضلا عن أن الجمهورية اللبنانية بمقدمة دستورها تؤكد القواسم المشتركة في الهوية والانتماء والتاريخ مع أشقائها السوريين والمصير المشترك الذي يجب دائما أن يكون على رأس تطلعات الحكومة اللبنانية في إدارة تعقيدات ملف اللجوء السوري الذي ينعكس على الوضع السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي اللبناني بالطريقة التي تتعامل بها الحكومة اللبنانية مع الملف.

مقترح:

  • يعاني اليوم لبنان من أزمة اقتصادية سياسية خانقة، تضاعف ضريبة اللجوء السوري في لبنان، لذا من واجب السلطات اللبنانية التوجه لتصديق اتفاقية اللاجئين لتخفيف أعبائها الاقتصادية والديموغرافية باستجرار الدعم الدولي بطريقة صحية بعيدة عن أدوات الابتزاز السياسي.
  • تفرض اتفاقية مناهضة التعذيب مسؤولية استباقية على السلطات اللبنانية في ملف إعادة اللاجئين السوريين، وهذا لا يمكن أن يتحقق برؤية أحادية الجانب يكون المجتمع الدولي والمنظمات الفاعلة بمعزل عنها، أو وفق ما تراه مناسبا الحكومة اللبنانية، فلا بد من عمل جماعي حقيقي لضمان أمن وكرامة اللاجئ وعدم إكراهه على العودة إلى بلده الذي فر منه بأي وسيلة من الوسائل.
  • احتمالية تعرض اللاجئ السوري المعاد إلى سورية لانتهاكات جسيمة تصل إلى حد فقدان الحياة والتعرض للتعذيب والاغتصاب قائمة وتعززها تقارير محلية ودولية متواترة[4]، في ظل لا مبالاة حكومية لبنانية، وتنصل من التزامات قانونية قد لا يعيها اللاجئون السوريون في لبنان.
  • يعاني اللاجئون السوريون في لبنان بصفة عامة من إجراءات تمييزية بلدية، ومن تهديدات أمنية حكومية تتمثل بالاعتقال التعسفي والتعذيب والترحيل القسري، والموت أحيانا، وذلك بصورة نمطية متفاقمة[5]، إضافة إلى نقمة عنصرية اجتماعية بفعل التحريض الإعلامي، الأمر نفسه يؤكد أن خيارات اللاجئين في العودة الطوعية تحمل ضمنيا خيارا قسريا يجبر عليه اللاجئون للفكاك من الحالة الراهنة والصعوبات التي يتعرضون لها في لبنان نتيجة إهمال السلطات اللبنانية.
  • يتعين على السلطات اللبنانية المعنية بخطة إعادة اللاجئين السوريين، السماح بوصول مفوضية اللاجئين والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني المعنية بالمجال نفسه[6] إلى سجلات الأمن العام حول أسماء العائدين ومدى توفر حقوقهم الأساسية خلال إقامتهم على الأراضي اللبنانية، للبحث في خلفيات هذه الرغبة الطوعية كما تصرح مديرية الأمن العام اللبناني، ولمتابعة ومراقبة سير العملية من ناحية التحقق من مدى أمان الخطة على أرض الواقع وسلامة اللاجئين وتوفر المقومات الأساسية في مراكز التجميع التابعة لحكومة النظام السوري، ولرصد الانتهاكات الواقعة عليهم أو المحتمل وقوعها، من أجل تقييم فاعل للخطة التي انتهجتها السلطات اللبنانية بشكل أحادي الجانب.

[1] Convention against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment,

Adopted and opened for signature, ratification and accession by General Assembly resolution 39/46 of 10 December 1984 entry into force 26 June 1987, in accordance with article 27 (1), Page 2.

[2]Richard Perruchoud & Jillyanne Redpath, Glossary On Migration, Internatoinal Organization For Migration, Page 11-68.

[3] مجلس النواب اللبناني، الدستور اللبناني، ص1.

[4] سوريا: إخضاع لاجئين سوريين سابقين للتعذيب والاغتصاب والإخفاء إثر عودتهم إلى وطنهم، منظمة العفو الدولية، 7/9/2021 https://2u.pw/o4BABK.

[5] Syrians Deported by Lebanon Arrested at Home, Human Rights Watch, September 2 2019 https://2u.pw/LwWL3r.

[6] العودة الطوعية للاجئين السوريين من لبنان.. قد تكون في الواقع قسرية، وصول لحقوق الإنسان بالشراكة مع تحالف المنظمات والشبكات في لبنان، ورقة تقدير موقف، 25 تشرين أول 2022، ص 4.

زر الذهاب إلى الأعلى