أورينت ومعضلة الفصل بين الإدارة والملكية
مصعب الجندي – العربي القديم
عندما طلب الأستاذ محمد منصور المشاركة بعدد خاص بمحطة الأورينت في (العربي القديم)، كانت أولى الأفكار التي تخاطرت في بالي الخشية من حديث حول الأورينت كمحطة وموقع كان لها الكثير من الخصوصية، بالنسبة لنا نحن السوريين منذ العام 2011 إلى حين توقفها، إلى الحديث عن صاحب الأورينت بحيث يضيع المغزى، والهدف من إصدار العدد، وخصوصاً معظمنا نحن السوريين أصبحنا إما محللين استراتيجيين أو قضاة ومحامين ومتهمين. وهي واحدة من مآسينا: اختلاط الحدود والسرحان ذات اليمين واليسار، اختلاط بين الملكية والمشروع إن كان من المالك، أو القيمين عليه، أو المتابعين له، وللأسف جاء مقال المالك المُستفز حول الراحليْن فؤاد بلاط وحكم البابا على صفحته الشخصية على (فيسبوك)، مما فتح جروحاً كان عليه تجنبها. مقال مقتضب مُستفز حتى لأكثر الناس بروداً للأعصاب، وأنا منهم لكني تمكنت بأن اكتفيت بالغصّة فقط، لعدم مقدرتي الرد، وتوضيح بعض الحقائق التي أعرفها (الأسباب كثيرة)، مما زاد خشيتي مما ذكرت، وخصوصاً أنني الأقل خبرة ومعرفة بالنواحي الفنية والإعلامية في مجال الحديث عن المحطة، مما اضطرني أن يكون حديثي بسيطاً ومن خارجها كمؤسسة إعلامية.
اقرأ أيضا: المقال | شهادة الزور أُمُّ الرذائل والمظالم
كثيراً ما نسمع ونقرأ شعارات “حرية الإعلام”، وهو أمرٌ لم يعد ملتبساً وغائباً عن أحد، حتى الجهلة من الناس باتوا يعرفون وهْمَ تلك الكلمتين، وإن كانت المعرفة سطحية مأخوذة من أقاويل هنا وهناك، أو معمقة ومدروسة من خلال اطلاع بسيط على حجم تكاليف إنشاء مؤسسة إعلامية بسوية عالية، بحيث أصبح أمراً تنفذه مؤسسات مالية ضخمة (بعضها تُسمى سلّات استثمارية)، أو دول قادرة على تمويلها بأشكال مختلفة، (الإعلان أو التمويل المباشر)، وقد لا تحقق عائدات، المهم أن تنفذ خطابها الإعلامي (سياسي أو غير سياسي). أما الحيادية فليس هناك مؤسسات إعلامية محايدة بالمطلق، وهي مسألة نسبية تفرضها الضرورة التنافسية بين الأجهزة الإعلامية الأكثر انتشاراً لتوهم المتابع بمصداقيتها، ومن خلال نقل الخبر وتعميمه تتلاعب فيه لنشر فكرة أو رأي، وغالباً يتم ذلك من خلال الإضاءة، وتضخيم صورة هامشية في الخبر، أو استخدام جمل وتعابير نظنها عابرة، لكنها الهدف من الخبر نفسه (ترسيخ فكرة، أو زرع موقف) …. لن يعرف التاريخ الإنساني الحديث صراعاً، شاركت بحرفه عن أهدافه المؤسسات الإعلامية بالحجم الذي شاركت فيه بسوريا، ويبقى كلمة الفصل: السوريون يتعاملون مع هذا الواقع الأليم، وهم ليسوا أغبياء. الحيادية (على ضبابية هذا التعبير)، هي عموماً أي مؤسسة خاضعة لشروط عديدة، أهمها البيئة التي تعمل فيها (المكان أو الدولة)؛ لذلك نجد الفارق بين المؤسسات في الدول الديموقراطية وسواها، ففي الأولى تكون أقرب إلى الحيادية، وتخضع للقانون والدساتير التي غالباً تحمي حرية الإعلام، بعكس الدول غير الديموقراطية، فهي تخضع للمزاجية وللسياسة المرسومة الواضحة، إن كان من المالكين، أو من الأجهزة الوصائية. بالنسبة للأورينت لا جدال في أنها اختطت ومنذ البدايات خطاً واضحاً مؤيداً ومدافعاً عن ثورة السوريين، وكانت السبّاقة في هذا الأمر عن سواها من الفضائيات، مع خطاب إعلامي واضح، برع فيه العاملون فيها، وللحق وإن عانت في جهازها الإداري والفني من بعض التوترات، لخضوع هذا الجهاز لمزاجيات فردية، وعدم فصل الإدارة عن الملكية، إلا أننا وفي مساره العام، يمكن إطلاق صفة الحرفية العالية للعاملين فيه، وأغلب الظن (لست متأكداً)، أن المحطة تمتلك أرشيفاً هاماً عن سوريا وتاريخها، وليس فقط سوريا منذ العام 2011، أتمنى أن تتم المحافظة عليه، حتى وإن أُغلقت؛ لأنه هذا الأرشيف ملك للسوريين وليس لأحد بعينه.
السنوية الأولى لإغلاقها، وبعيداً عن المواقف تجاه الأشخاص مالكين، أو عاملين مرّوا على هذه المحطة، وكان لهم بصمة فيها، كان أليماً، لأنه كاشفٌ ومؤشر واضح، وإن سبق وخُدع الكثير من السوريين بصداقة الأصدقاء، وحرصهم على حريتهم. إغلاق الأورينت أو غيرها إعلانٌ كعين الشمس، بأن ليس للسوريين الحق باختيار كلمتهم، ليس لهم سوى هذا الفيس بوك وبعض السوشيال ميديا، وحتى هذه المنابر يحسب الكثيرون حساب الكلمة والحرف. وهنا لا أظن أن الأمر تم برغبة من المالك، وإن لم يعلن ذلك صراحة؛ لأنها أهم المنابر التي اعتمدها لصناعة البرباغندا الخاصة به. وأتمنى أن أكون مخطئاً، الإغلاق كان تبدل في السياسات العامة لدول الخليج العربي، (أو العودة لبواطنها والمخفي منها)، وهي التي تحتضن استثماراته المالية وإمبراطوريته، فلم يكن أمامه مجال آخر.
_________________________________________
من مقالات العدد السابع عشر من (العربي القديم) الخاص بتلفزيون أورينت – تشرين الثاني/ نوفمبر 2024