فنون وآداب

عبد الكريم بكار في كتابه "العدل قوام الوجود الإنساني": الدولة العادلة وإن كانت كافرة

علاء الدين آل رشي – العربي القديم

في ظل التحديات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، تزداد الحاجة إلى كتب تعيد التأكيد على أهمية العدل، ليس كقيمة دينية فحسب، بل كقيمة إنسانية ضرورية لاستقرار المجتمع واستدامته.

ويأتي كتاب (العدل قوام الوجود الإنساني) للمفكر الإسلامي عبد الكريم بكار، الصادر حديثا عن دار القلم،  كمصدر لمعالجة قضايا العدل بأسلوب مبسط وشامل، ليكون مرجعاً يسيراً يمكن أن يستفيد منه الأكاديميون، ورجال الدين، والمفكرون، والعامة، إذ يلبي حاجة ملحة لتعزيز الوعي بأهمية العدل كأساس للتعايش بين الأفراد وتوازن المجتمع.

إطار نظري وعملي معاً

يقدم كتاب “العدل قوام الوجود الإنساني” معالجة شاملة لمفهوم العدل، ويوفر إطاراً نظرياً وعملياً لفهم تطبيقات العدل في مختلف مجالات الحياة.

بفضل عمق الطرح وتنوع التطبيقات، يُعد الكتاب إضافة علمية إلى المكتبة الإسلامية والفكرية، ويشكل قاعدة معرفية تلهم الأفراد للعمل على تحقيق العدالة في حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية، مستنيرين بتوجيهات وتعاليم الإسلام السمحة.

يعد كتاب “العدل قوام الوجود الإنساني” أحد المؤلفات الرفيعة التي جاد بها يراع  وفكر  شيخنا المفكر د. عبد الكريم بكار، ويستعرض فيه العدل كقيمة أساسية ضرورية لاستقامة الحياة البشرية.

يتناول الكتاب بتفصيل واستيعاب جوانب العدل في مختلف نواحي الحياة، من العلاقات الشخصية والأسرة إلى المنظومة الاجتماعية والسياسية، مقدماً العدل كركيزة محورية لازدهار المجتمعات واستدامتها.

يتناول أستاذنا المبدع البكار في مستهل كتابه:

  • أهمية العدل في الإسلام.
  • كيف يعد العدل من أسس الحياة المستقرة والعادلة، حيث يقول: “العدل هو النظام الذي يستند إليه كل شيء؛ فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم تقم لم تقم” (ص 16).

ويستشهد المؤلف بقول الإمام ابن تيمية: “إنّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة”، لتوضيح أن العدل هو أساس بقاء الأمم وتوازنها، بغض النظر عن عقائدها.

العدل في صورته الشمولية 

تبرز أهمية هذا الكتاب من خلال طروحاته الشمولية حول العدل وتطبيقاته في شتى المجالات. وفي فصل العدل الاجتماعي، يناقش فضيلة العالم الدكتور بكار ضرورة تحقيق العدالة في توزيع الفرص والخدمات، مؤكداً على أهمية تساوي الخدمات التعليمية والصحية بين جميع المواطنين لضمان الاستقرار الاجتماعي.

يقول: “العدل في توزيع الموارد هو عنصر أساسي لضمان الاستقرار الاجتماعي” (ص 47). كما يتناول المؤلف العدل داخل الأسرة، ويحث على تحقيقه بين الأولاد باعتباره من دعائم التربية السليمة وتجنب التفرقة التي قد تؤدي إلى النزاعات داخل الأسرة.

 ويشير إلى قول النبي ﷺ: “اعدلوا بين أولادكم” (ص 36)، مؤكدًا أن العدل ليس تفضيلًا، بل واجبًا يحفظ المودة والتآلف.

إلى جانب ذلك، يعالج الكتاب العدل كأحد الأسس الحيوية في النظام القضائي، موضحاً أن استقلال القضاء ضروري لتحقيق العدالة.

 ويؤكد المؤلف أن المساس باستقلال القضاء يعيق الوصول إلى العدل، قائلاً: “استقلال القضاء ضمان مهم لعدالة توزيع الفرص… وإن الفساد المالي والإداري يدمر تلك الفرص ويخلق فجوة بين الأغنياء والفقراء” (ص 28).

القيمة العلمية للكتاب:

يحتل الكتاب مكانة علمية مرموقة بين الأدبيات التي تناولت مفهوم العدل، حيث يجمع بين

  1. التحليل الفلسفي،
  2. الاستدلال بالنصوص الدينية،
  3. التطبيقات العملية في حياة الناس.

يعتمد د. بكار على نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، ويعزز أطروحاته بأقوال أهل العلم، مما يجعله مرجعًا قيمًا للمهتمين بفهم قضايا العدل من منظور إسلامي شامل.

ومن بين النقاط التي يعرضها المؤلف، التفريق بين مفهوم العدل والمساواة، حيث يقول: “المساواة قد تكون أحيانًا عين العدل، وقد تكون عين الظلم” (ص 24)، ويشرح أن العدل يجب أن ينظر إلى ظروف الأفراد بدلاً من فرض المساواة المطلقة.

يتناول فضيلة العالم الدكتور في صفحات الكتاب فكرة “ثقافة العدل” وأهميتها في بناء مجتمع قوي ومستقر، حيث يرى أن المجتمع الذي يلتزم بتطبيق القوانين بعدالة هو مجتمع يُبنى على قيم متينة ويحافظ على تماسكه.

 يقول في الصفحة 28: “البيئة التي تسود فيها ثقافة احترام القوانين، هي بيئة يطبق فيها الناس القوانين لاعتقادهم أنها تلبي بإنصاف وعدل احتياجات الأفراد والمجموعات”.

دعوة للمتابعة…

نظراً للقيمة العلمية والفكرية الكبيرة التي يقدمها كتاب “العدل قوام الوجود الإنساني”، فإننا ندعو شيخنا المفكر د. عبد الكريم بكار إلى استصدار جزء ثانٍ مكمل لهذا العمل القيم. إن إصدار جزء إضافي يتيح الفرصة للتوسع في الأمثلة التاريخية والمعاصرة التي تجسد دور العدل في ازدهار المجتمعات وسقوطها، مما يضفي على النصوص النظرية بعداً تطبيقياً يثري فهم القراء. كذلك، فإن تناول العدل في المجالات الاقتصادية على نحو أعمق سيسهم في تعزيز الوعي حول أهمية التوازن الاقتصادي كمحور من محاور العدالة الاجتماعية.

كما نأمل أن يتناول الجزء الثاني مقارنة بين تجسيد العدل في الحضارات المختلفة، مما يثري المقارنات الفكرية ويفتح آفاقاً جديدة أمام القارئ لفهم أوسع وشامل لمفهوم العدل. إن إصدار هذا الجزء المكمل سيحقق توازناً مثالياً ويضيف للكتاب بعداً إضافياً يجعل منه مرجعاً متكاملاً للباحثين والمهتمين بفلسفة العدل وتطبيقاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button