تاريخ العرب

كتاب: (أكبر سجن على الأرض) مؤرخ إسرائيلي يكشف جوهر الجريمة الإسرائيلية في غزة!

العربي القديم – خاص:

في كتابه «أكبر سجن على الأرض»  الصادر عن دار نوفل بترجمة أدونيس سالم عام 2017 والحائز على جائزة كتاب فلسطين عام 2017 يستحضر المؤرخ إيلان بابيه Ilan Pappe أحد أبزر وجوه  تيار «المؤرّخين الجدد» وهم مجموعة من المؤرّخين الإسرائيليين الذين بدأوا في الظهور منذ ثمانينات  القرن العشرين لمراجعة الرواية  الإسرائيلية للصراع العربي الصهيوني، يستحضر سياسات إسرائيل في الأراضي التي احتلّتها إبان حرب 1967 خلال الأيام الأولى للاحتلال، حين واجهت سلطات الاحتلال المعضلة التالية: كيف ستتعامل إسرائيل مع الأراضي التي احتلها لكنها لم تفلح بضمّها، خصوصاً أن هناك سكاناً فلسطينيين؟

سكان عديمو الجنسية

يرصد هذا المؤرخ المسكون بروح نقدية تتحرى الموضوعية في قراءة الوقائع ومآلاتها، عبر فصول كتابه ال 12، ولادة تلك الصيغة التي جعلت من قطاع غزة أكبر سجن في العالم. حيث يكشف إيلان بداية، كيف أنه بعد ثلاثة أيام من القتال في حزيران عام 1967، أحكمت إسرائيل سيطرتها على فلسطين التاريخية، ووضعت تحت سيطرتها مليون فلسطيني بالضفة الغربية، وحوالي نصف مليون في قطاع غزة، كلهم تحولوا بين ليلة وضحاها إلى لاجئين على أرضهم، حين أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي أشكول يوم الثامن من حزيران 1967 أن القدس هي عاصمة أبدية لإسرائيل. كما تم الاتفاق على سياسة عامة تجاه الواقع الجديد يركز على ثلاث نقاط: مصير الأراضي وطرد السكان ومستقبل القدس. لكن ما لم يظهر في السجلات كان قرار ترك آلية السيطرة على حياة الناس في الضفة والقطاع إلى الجيش، وتحويل السكان هناك إلى حالة عديمي الجنسية دون وضع قانوني يحمي حقوقهم المدنية والإنسانية. أما في منطقة القدس الكبرى، كانت فقد جميع هذه المواقف والممارسات قد دخلت حيز التنفيذ في الشهر الأول من الاحتلال.

أربعة أسئلة جوهرية  

يرى المؤلف أن ابتداع صيغة ذلك السجن، سواء في القطاع أو في الضفة الغربية المكتظة سكانيا كذلك، كان بديلا عن الطرد، إذ يقول: «كان على الحكومة الإسرائيلية الإجابة في الأسبوع الأول الذي تلا الاحتلال عن أربعة أسئلة جوهرية تتعلق بمستقبل الـ20 في المئة المتبقّية من الأراضي الفلسطينية، التي أصبحت خاضعة لها، بعد أن فشلت في احتلالها سنة 1948. السؤال الأول كان: ما مصير هذه الأراضي؟ هل تحتفظ إسرائيل بها أم تختار البقاء فيها لفترة زمنية مؤقتة، بانتظار إبرام اتفاقية سياسية مع الأردن، الدولة ذات السيادة على الضفة الغربية قبل الاحتلال، ومع مصر، الدولة التي كانت تحكم قطاع غزة قبل احتلاله؟ وبما أن قرار الاحتفاظ بالأراضي كان الرد على السؤال الأول، فقد نوقش مقترناً بالسؤال الثاني: ما هو مصير السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ولمّا كان الجواب تجنّب الطرد الجماعي، فقد ناقش صانعو القرار السياسي مختلف الطرق الممكنة لحكم السكان من دون طردهم، أو منحهم الجنسية. وقد جرى التمييز في وقت مبكر بين المناطق التي ستقع تحت الحكم الإسرائيلي المباشر، وتلك التي ستوضع تحت المراقبة غير المباشرة. وبالتالي، كان الحل المطروح تقسيم فلسطين مرة ثانية، وهو التكتيك المفضّل دائماً لدى الحركة الصهيونية في كل ما يخصّ فلسطين. وهكذا جرى تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مساحة يهودية وأخرى فلسطينية».

الاقتصاد مكافأة على السلوك الجيد

ويوضح إيلان بابيه أن تجنب التطهير العرقي، أنتج واقعا أسوأ يصفه بالقول: «كان تشريع عملية طرد جماعي على غرار ما حدث سنة  1948 أمراً صعباً… وكان القرار يختلف بحسب رغبة المساجين: فإن كانوا يريدون الرحيل، يُمنعون من ذلك، وإن كانوا يريدون البقاء، يُهدَّدون بالطرد». وفي هذا السياق يستعرض الكتاب جملة من الضغوط التي مارستها إسرائيل على سكان الضفة والقطاع لكي «يقبلوا بأن يكونوا لا رأي لهم على الإطلاق بتقرير مستقبلهم، وأنهم في حال رفضوا هذه الظروف الجديدة، سيجدون أنفسهم داخل سجن مشدد الحراسة، أما إذا قرّروا التعاون فيمكنهم الاستمتاع بالعيش في سجن مفتوح يديرونه بأنفسهم».

لقد وضعت إسرائيل أساس واقع جديد في الضفة والقطاع استمر حتى اليوم. كانت السياسة المتبعة بناء مجموعتين من المصالح، وجعل الاقتصاد مكافأة على السلوك الجيد، وأيضا وسيلة عقاب على السلوك السيئ من وجهة نظر المستعمرين.

أما السؤال الثالث فيتعلق «بكيفية تسويق هذه الفكرة التي تقضي بإنشاء سجن مفتوح بحكم ذاتي، على أنها اقتراح للسلام». والسؤال الرابع هو «كيف يمكن تسويق هذا الواقع الجديد للشعب اليهودي، هو الذي لم يكن، أقلّه في تلك المرحلة، مقتنعاً بجدوى الاحتلال كاستراتيجية طويلة الأمد؟»، حيث كانت إسرائيل تبرر احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها إياه رد فعل أمنيا ضروريا ضد أنشطة المقاومة، أو القيام بعمل انفرادي في مواجهة الجمود الدبلوماسي في تلك الفترة.

بيروقراطية الشر

يعرّي بابيه العقد الأول من تاريخ الاحتلال، الممتد من 1967 حتى 1977 (إرث حزب العمل)، الذي يُصوَّر في «عدد من المنشورات الإسرائيلية، بصورة العقد المستنير، أي سنوات عشر من فرص السلام والتقدم للفلسطينيين». ويرى أنه «لو أمعنّا النظر لاكتشفنا واقعاً مختلفاً، قائماً على ترسيخ حكم أحادي أبقى سكان الأراضي المحتلة محتجزين في سجن لمدى الحياة، هم وأولادهم وأحفادهم. ومنذ اليوم الأول من ذلك العقد، كانت حياتهم خاضعة لبيروقراطية (يسميها في مكان لاحق بيروقراطية الشر) رأت فيهم تهديداً محتملاً واعتبرتهم مصدر خطر، ما لم يخضعوا كليّاً لنزواتها ومطالبها».

بعد «إرث حزب العمل» هذا، يتحرى بابيه سياسة اليمين: من رفض مناحيم بيغن إعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حزيران 1967 (باستثناء سيناء التي أعادتها اتفاقية كامب ديفيد إلى مصر)، إلى «بصمات» إرييل شارون التي حولت تلك الأراضي إلى «السجن الكبير». ويبيّن بابيه أن ذاك الإرث وتلك السياسات والبصمات هي السبب الرئيس لـ»انهيار نموذج السجن المفتوح». ويستنتج أنه في ظل واقع إنساني واقتصادي واجتماعي وأمني قاسٍ على سكان الأراضي المحتلة، ومع تداعيات اجتياح لبنان في صيف 1982 وإبعاد المقاتلين الفلسطينيين، فُتح «الطريق نحو الانتفاضة» (1987) التي تشكل عند بابيه «نموذج السجن المفتوح».

زر الذهاب إلى الأعلى