بعد 36 عاماً على صدوره: كاتب يهاجم محمد الماغوط ويجرّمه بسبب كتاب (سأخون وطني)!
العربي القديم – خاص:
يعتبر كتاب (سأخون وطني) الذي عرفه مؤلفه بأنه: “هذيان في الرعب والحرية” واحداً، من أشهر كتب الأديب السوري الراحل محمد الماغوط.
ومنذ صدوره عن دار رياض نجيب الريس، في طبعته الأولى عام 1987، تحول هذا الكتاب إلى واحد من كلاسيكيات الأدب العربي المعاصر في فن المقال السوداوي الساخر، وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، صدر (سأخون وطني) في عدد من الطبعات، سواء عن ناشره الأصلي، أو دور نشر أخرى، كما تحولت مقالاته إلى عرض مسرحي في المغرب في تسعينيات القرن العشرين، واستلهمت وسرقت منه، العديد من اللوحات التلفزيونية في مسلسلات الكوميديا الانتقادية في سورية وغيرها.
وفي مقال نشر اليوم (الثامن والعشرون من أيلول/ سبتمبر الجاري) في صحيفة (الأيام) البحرينية اليومية، تخت عنوان: (محمد الماغوط بين المعاناة والخيانة) هاجم الكاتب والإعلامي البحريني محمد كمال محمد الماغوط بسبب عنوان كتابه الإشكالي (سأخون وطني) الذي اعتبر منذ صدوره، من أكثر العناوين جرأة وإثارة للجدل والدهشة في آن معاً.
وقد عبر الكاتب عن حيرته إذا العنوان بداية، إذ كتب يقول:
” بين عموم الخيانة وخاصية خيانة الوطن، نقف حيارى أمام كتاب عنوانه «سأخون وطني» تأليف الأديب والشاعر السوري المعروف محمد الماغوط (….) وقد استعان بقلمه البليغ وبشهرته الأدبية والصحفية أن ينشر رسالته «سأخون وطني»، ولا ندري الجهة التي استهدفها بهكذا رسالة؛ لأنها تخص نفسه وترفض الوطن كله”.
وإزاء حيرة الكاتب تلك، يمضي كي يستعرض سخرية الماغوط الجارحة والعميقة في ثنايا الكتاب معبرا عن دهشة هي أقرب إلى الصدمة البالغة من وصف الماغوط للوطن بأنه “يساوي حذاء”، فيقول:
“سبق هذه الرسالة، الرافضة للوطن، برسالة أخرى مُهينة للوطن، وجاءت في سياق حوار قصير بمثابة مساءلة قضائية بين قاضٍ ومتهم. كان المتهم قد أشاع بين الناس في المجتمع أن الوطن يساوي حذاء ! فيقول له القاضي: «هل كنت بتاريخ كذا، ويوم كذا، تنادي في الساحات العامة، والشوارع المزدحمة، بأن الوطن يساوي حذاء؟»، فيجيبه المتهم: نعم ! ويستمر الحوار في نفس السياق، بسؤال طويل من القاضي وأجوبة من المتهم لا تتعدى كلمة «نعم». في خاتمة المساءلة يقول القاضي للمتهم موضحًا معنى الوطن: «الوطن.. حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة، وهاجس الشباب، ومقبرة الغزاة والطامعين، والمفتدى بكل غالٍ ورخيص، لا يساوي بنظرك أكثر من حذاء؟ لماذا؟ لماذا ؟»، فيرد المتهم: «لقد كنت حافياً يا سيدي!». هذا الحوار قد حمل رسالة في حينه، إلى المواطن، رغم قسوة الكلمات على مدلول الوطن، وقد كسب شيئاً من التجاوب المشوب بالتعجب المربك، لأن الكاتب قد وضع الوطن برمته في قفص الاتهام والمهانة”.
وبعد أن يذكّر الكاتب بسلسلة الأعمال الأدبية الشهيرة، التي حملت رسائل المعاناة الإنسانية، وتفاعل الظالم والملوم في أطار تلك الأعمالبدءا من (الإلياذة) لهوميروس، ومرورا بـ (البؤساء) لفيكتور هوغو، وليس انتهاء بـ (المعذبون في الأرض) لطه حسين، مؤكدا إلتزام الأدباء فيها بما أسماه: “احترام كل تجمع إنساني بداية من الأسرة، مروراٍ بالعشيرة والقبيلة إلى حضارة الدولة، والوطن هو الوصف الإنساني لكل هذه التجمعات” يصب جام غضبه على سخرية الماغوط من مفهوم الوطن في كتابه فيقول:
“شَطَّ الماغوط عن نهج تلك الرسائل، إذ فجر موقفًا منكراً، في سياق أدبي، بكلمتين فيه من اللغط ما يبكم لسان التعاطي والجدل ويربك العقل ويجرح النفس، عندما قال «سأخون وطني»، وجعل من هذا القول عنوان كتاب يفضفض فيه معاناته في وطنه، ويجتر تلكم المعاناة في الحاضر الذي عاشه قبل وداعه الأخير، ليختتم المعاناة بإعلان موقف عدمي يائس يجيز رذيلة الخيانة وبصريح العبارة؛ إذ لم يحصل في تاريخ البؤس والبائسين والمظلومين من رأى في الخيانة متنفساٍ او نجاة له أمام واقع يذله ويفقده حقوقه، ويحط من كرامته، ويعامله بما هو أدنى حتى من الحيوان”.
ثم يختتم الكاتب محمد كمال مقاله بتجريم كامل لسخرية الماغوط المرة، إذ يقول: “الخيانة عهرٌ داعرٌ ليس من نجاسة أنتن منها.. افعل ما تشاء أمام مصيبتك في الوطن لكي تفكك قيود المصيبة، ولكن ليس في الخيانة من سبيل لفك تلك القيود، لأن الخيانة هي أم المصائب كلها… وما هكذا تعالج أمور الدنيا وجُلُّ الناس تعاني أكثر مما أنت تعاني!!!”
تعليق واحد