الإيثار هل هو قيمة معنوية فقط؟
الإيثار ليس مجرَّد شعار رومنسي أو أخلاقي يرفعه ويتغنّى به القلَّة كما يُعتَقَد مجتمعيَّاً

هايل شرف الدين – العربي القديم
ثمَّة مُعتقد عام يقول: بأنَّ القيمة الماديَّة للأشياء، أي تلك المرتبطة بالثمن والسعر، هي القيمة الفعليَّة، بينما القيمة المعنويَّة الخاصَّة بهديةٍ ما أو تكريمٍ معيّن أو ثناء بعد عمل لا تساوي شيئاً.
مما يعني بأنَّ ادخار الأموال وتكديسها والتدقيق في إنفاقها هو الحالة الصحيحة، بينما تُعتبر ميزة الإيثار والتبرُّع بالأموال للآخرين الحالة الخطأ.
لهذا الزعم الكثير من المبررات على غِرار: المال الزائد ضمان للمستقبل، و”لديك قرش تساوي قرش”…. و”خبي قرشك الأسود ليومك الأبيض” لكن ماذا لو قمنا بقياس هذه الفكرة علميَّاً؟ هل سنجد شيئاً مختلفاً عن هذا الاعتقاد السائد؟
تُظهِر الكثير من الدراسات الحديثة المبنيَّة على التجارب والمسح الدماغيّ للإنسان في مجال “علم الأعصاب الإدراكيّ”، حصول نشاط عصبي كبير في مركز “المكافأة الدماغيَّة” لحظة تبرعنا بالمال يفوق أو يوازي ذلك النشاط الحاصل لحظة قيامنا بتجميع المال والاحتفاظ به.
لهذا السبب يحقق الإيثار متعة كبيرة للدماغ، لا بل هو مفيد أيضاً للدماغ، وهو ليس مجرَّد شعار رومنسي أو أخلاقي يرفعه ويتغنّى به القلَّة كما يُعتَقَد مجتمعيَّاً، لا بل هو امتداد لسلوك إنسانيّ قديم بل ضارب في القِدم، وثمة دليل علميّ آخر يقول: بأنَّ الحاجة الاجتماعيَّة للتكاتف والرغبة في الحصول على الثناء الاجتماعيّ والشكر، يشتركون بل ويتقاسمون ذات الشبكة العصبيَّة المتعلقة بالمكافأة الجسديَّة، ويقوم الدماغ بالتعامل مع كليهما بنفس الدرجة ونفس الاهتمام.
ومن هنا يأتي الشعور بالرضا عن الذات والسعادة لدى قيامنا بعملٍ نبيلٍ يسعى إلى خير المجتمع والإنسانية جمعاء.
وهناك العديد من الحالات التي نجد من خلالها أناساً يفضلون كفاف العيش في حياتهم على تكديس الأموال واكتنازها رغم وفرة الأموال بين أيديهم.
والعمل الإنسانيّ لا يقتصر على التبرُّع بالمال فحسب، بل بتخصيص الوقت الأكبر لمساعدة الآخرين لكن من دون غاية. وبهذا يكون التبرُّع بالوقت مفيد جداً، أو يكون سبيلاً لتقديم النصيحة النفسيَّة أو الإرشاد الاجتماعيّ بالغ الأثر، على المقدِّم أو المتلقي على حدٍّ سواء.