فيما يواصل الذهب سلسلة خسائره: تاريخ الذهب يروي سجله المجيد
ترجمة وإعداد: وسنان الأعسر
بعد أن وصلت أسعاره إلى ذروة ارتفاعها في أيار/ مايو 2023، واصل الذهب سلسلة الخسائر التي مني بها، مسجلا أدنى مستوى في نحو سبعة أشهر.
عوامل ضاغطة تؤثر على المعدن النفيس في الوقت الحالي، وربما تلقي هذه الأرقام الضوء على حركة المعدن الأكثر جاذبية في علميات الادخار والاستثمار والاقتراض على مر التاريخ:
– العقود الآجلة للذهب تسليم شهر ديسمبر وصلت إلى 1847 دولاراً للأوقية عند تسوية تعاملات أمس الأول، وهو أدنى مستوى منذ مارس الماضي.
– سعر التسليم الفوري، واصل الهبوط لمستوى يقل عن 1830 دولاراً للأوقية. هذا وقد تراجع سعر التسليم الفوري للذهب بنسبة 4 في المئة، في أكبر هبوط منذ يونيو 2021.
– انخفض المعدن بنحو 5 في المئة في سبتمبر الماضي، ليسجل أسوأ أداء شهري منذ فبراير 2023.
– على الصعيد الفصلي، تعرض الذهب لخسارة تتجاوز 3 في المئة في إجمالي الربع الثالث من هذا العام.
– منذ تجاوز مستوى 2000 دولار للأوقية في بداية مايو الماضي، فقد الذهب أكثر من 11 في المئة من قيمته.
ضغوط سلبية على الذهب
تعرض الذهب لضغوط كبيرة في الأيام الماضية بفعل عدة عوامل تسببت مجتمعة في تراجع جاذبييته بالنسبة للمستثمرين. ولعل الصعود الملحوظ للدولار الأميركي في مواجهة العملات الرئيسية الأخرى هو في صدارة هذه العوامل الضاغطة إذ إن ارتفاع الدولار يجعل شراء الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، مع حقيقة أن المعدن الأصفر مقوم في معظم البورصات بالعملة الأميركية.
كذلك تأثر الذهب بالارتفاع الملحوظ لعوائد سندات الخزانة الأميركية، حيث إن صعود تلك السندات يجعل الذهب أقل جاذبية للمستثمرين، إذ إن المعدن لا يمنح أي عائد.
ويأتي ارتفاع الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية مع إصرار الاحتياطي الفدرالي على إبقاء معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول من الوقت، مع تأخير التحول نحو الخفض.
تاريخ الذهب المجيد
للذهب تاريخ موغل في القدم، في سجل الحضارات وحركة المال والأعمال، وربما من المفيد أن نروي سطورا من قصته الحافلة، المتوجة بالبريق
- فتن قدماء المصريين ببريق هذا المعدن الثمين الذي رأوا في لمعانه بريق أشعة الشم، وبحلول عام 3000 قبل الميلاد كانوا قد أنشأووا خرائط توضح مناجم الذهب القديمة الخاصة بهم، ومكان وجود رواسب الذهب في جميع أنحاء مملكتهم، حيث تُظهر إحدى خرائط ورق البردي في متحف تورين، مناجم الذهب وأماكن عمل المناجم والطرق المؤدية إليها والجبال الحاملة للذهب.
- بسبب الجهد الكبير الذي كان يقتضيه التنقيب عن الذهب، استخدم الفينيقيون والمصريون والهنود والحثيون والصينيون أسرى الحرب والعبيد والمجرمين للعمل في المناجم.
- قدماء المصريين هم أول من فرض مكانة عليا للذهب. فقد قام مينا، مؤسس السلالة المصرية الأولى، في عام 3100 قبل الميلاد، بتحديد قيمة قطعة واحدة من الذهب بقطعتين ونصف من الفضة.
- أول حضارة استخدمت الذهب كعملة هي مملكة (ليديا)، التي كانت تقع في الجزء الغربي مما يعرف الآن بتركيا وأول استخدام للذهب باعتباره عملة نقدية، كان حوالي 700 قبل الميلاد، عندما أنتج التجار الليديون العملات المعدنية الأولى التي كانت مجرد كتل مختومة من خليط ذهب بنسبة 63% و27% من الفضة يُعرف باسم “الإلكتروم”. وقد ساعدت التجار الليديين في نجاحاتهم واسعة النطاق. وبحلول زمن (كروسوس ميرمنادي)، آخر ملوك ليديا (546 قبل الميلاد)، جمعت ليديا كنزاً ضخماً من الذهب.
- أحد الأسباب التي تجعل الذهب أسهل من تصنيع الحديد والنحاس، هو أنه يوجد بشكل طبيعي في حالة نقية وقابلة للتطبيق في الغالب، وليس من الضروري استخراج الذهب من أجسام اأخرى لصهره، ومع الطلب المرتفع على الذهب على مر العصور، برزت الحاجة لاستخراجه من الحجر، وكان أول من عمل في تعدين الذهب هم الإغريق. وبعدهم توسعت الإمبراطورية الرومانية في تعدين الذهب، وقام الرومان بتحويل مجاري المياه لاستخراجه هيدروليكياً. حيث قاموا ببناء فتحات أولية وصنعوا أول طوم طويل وهو عبارة عن حوض يوضع في الماء المتحرك ومجهز بصفيحة مثقبة تمتلئ بالأوساخ أو الرمل لتصفية الذهب بالماء سريع الحركة… كما قاموا باستخراجه من تحت الأرض، واستخدام عجلات المياه في التعدين، وخامات “محمصة” بالذهب فيها لفصل المعدن الثمين عن الصخر.
- شهدت الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها ظهور الدينار والدراهم الذهبية كوسيلة للتبادل. واعتمد النظام النقدي الإسلامي على وزن الذهب في تقدير قيمة العملات، والتي استخدمت لاحقًا على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
- لعب الذهب دوراً كبيراً في الاقتصادات الأوروبية خلال قرون العصور الوسطى، حيث تم استخدامه كوسيلة للتبادل، فيما اعتمدت قيمة العملات على كمية الذهب التي تحتفظ بها كل دولة. على سبيل المثال، أصبحت الفلورين الذهبي، والتي كان يجري سكها في جمهورية فلورنسا، عملة متداولة في كافة أنحاء أوروبا.
- بعد اكتاشف كولوموبس لأمريكا في نهاية القرن الخامس عشر، أثر اكتشاف الذهب بكميات كبيرة في الأمريكيتين بشكل كبير على التجارة العالمية، فقد استخرجت أسبانيا والبرتغال الذهب والفضة من مستعمراتها في العالم الجديد، ما شكل أحد روافد الثروة الهامة لنمو اقتصاداتها. كما ساهم اكتشاف الذهب في كاليفورنيا وأستراليا خلال القرن التاسع عشر في تحفيز نمو الاقتصاد العالمي.
- أصبح الذهب معياراً عالمياً في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبحسب “معيار الذهب”، كانت قيمة العملات وأسعار صرفها تعتمد على كمية الذهب التي تحتفظ بها الدول.
- ظل معيار الذهب مستخدماً على نطاق واسع في أنحاء العالم حتى ثلاثينات القرن الماضي، عندما تخلت عنه معظم البلدان بسبب الأزمة الاقتصادية التي رافقت حقبة الكساد الكبير. وحسب نظام «بريتون وودز» الذي وضع الدولار كمعادل للذهب، فقد صارت قيمة كل عملة، هي بما تملكه من ذهب ومن رصيد بالدولار، وفي عام 1973 رفعت الولايات المتحدة الأمريكية الغطاء الذهبى عن الدولار عام 1973، وذلك عندما طالب رئيس جمهورية فرنسا شارل ديغول استبدال ما هو متوفر لدى البنك المركزى الفرنسى من دولارات أمريكية بما يعادلها ذهباً.