وريث مملكة كلبستان
قصة قصيرة كتبها: صخر بعث
كان “قرباش” مجرّد كلب ربّاه الأغا “عزّ الدين الأهبل”، والأهبل لم تكن صفةً له أو نعتاً لازمه، ولا بسبب تربيته للكلب ومحبّته العظيمة له وعنايته الفائقة به كما عُرِف عنه لاحقاً، ولا بسبب جنونه الرسمي المنعكس من خلال أيّ تصرّف من تصرّفاته، لا أبداً، فلقد كانت تلك هي كنيته العائلية المعتمدة في قيود الأحوال المدنية، ولاية “طاجيك ليش” في “خراستان”، “مملكة كلبستان المتّحدة المتحدّية”.
المفاجأة أنّ “قرباش” عاش حياته مثل أيّ كلب آخر، لكنّ أحداً من رعايا “طاجيك ليش” لم يعلم أبداً بهذه الحقيقة طوال حياة “قرباش” الكلب هذا، فلقد أخفى “الآغا الأهبل” حقيقة “قرباش” عن رعيّته من القرويين الذين كانوا يعيشون في كنفه وكنف عائلته المهبولين، ولأنّه -أي الأغا- عانى ما عاناه من معاملة الناس السيّئة له، الأقرباء الأصدقاء الجيران وحتّى الأبناء، فلقد قرّر أن يوصي وحال حياته بكلّ ثروته وأمواله وممتلكاته جميعها للسيّد الكلب “قرباش”، وليتمّ ذلك جعله في قيود الأحوال المدنية ابناً له، نعم جعله ابناً له في سجّلات الأحوال المدنية وبشكل رسمي، تمّ الأمر وعلم الناس أنّ للأغا الأهبل ابناً اسمه “قرباش” دون أن يراه أحد منهم!.
إذا أردنا تقدير ثروة “الآغا عزّ الدين الأهبل” فلن يمكن!، علينا أن نضع مائة كلمة جدّاً بعد وصفها بالثروة العظيمة، أو بالثروة المخيفة أو الرهيبة، لا يمكن استعمال كلمات مناسبة لوصف ثروته أبداً، أصلاً هو بحدّ ذاته لم يكُن يعرف مقدارها أو حجمها أو تعدادها أو امتدادها، ولكنّه قرّر لكلّ أسبابه وهبها لابنه الكلب أي ابن الأهبل “قرباش”، لكنّ مشكلات واقعية وعملية واجهت الابن الكلب مباشرةً.
ما استطاع مراجعة دار “القائم مقام” ليحصل على أوراق رسمية تثبت أنّه من أبناء آدم، و لم يكن بوسعه بالطبع الذهاب إلى دار الخزانة ليسجّل أو ينقل أملاك أبيه لحضرة جنابه، ولا إلى مديرية السجلّ العقاري في “طاجيك ليش”، ولا إلى أيّة جهة رسمية كي يثبت ملكيّته لشبر واحد من أملاك أبيه، رغم رغبة أبيه العارمة بتحقيق هذا الإنجاز، مكتب “السراي” نفسه الذي يداوم في “القائم مقام” يملكه “قرباش” فعلياً، لكن ماذا يفعل؟، يذهب إلى هناك يعوي وينبح؟، مجرّد كلب!.
بالنتيجة لم يستطع الابن الكلب إثبات ملكيته لشبر واحد من ولاية أبيه، لا عقاراً ولا منقولاً ولا حقّا عينياً أو شخصياً، لا شيء أبداً فواجه الأغا مشكلةً كبيرة، لكنّ القدر كان بالمرصاد!.
بعد أيّام استيقظ أهل “طاجيك ليش” الذين لا يعرفون عن “قرباش” سوى اسمه ونسبه الذائعين في كلّ مكان في الولاية، مطعم قرباش للّحوم المشوية، تكيّة قرباش للتنابل المنسيّة، سريّة درك قرباش السلطانية، سوق الفارس قرباش ابن السوقية، وحتّى مسجد الموحّد بالله قرباش ومدرسته السحرية.
استيقظ الجميع على الخبر المذاع في كلّ مكان من “طاجيك ليش”، الخبر المحزن المفجع والرهيب، خبر موت الكلب المليونير الذي لم يستطع الحصول على أكثر من لحم أبيه وعظامه، افترسته منيّة الكلاب، ووقع الحزن في قلب أبيه “الآغا عزّ الدين الأهبل” وقعاً، وبين الذهول والحيرة بل والغضب والجنون، وقد كان الناس جميعاً يتوقون توقاً لمعرفة “قرباش” أو توديعه أو حتّى إلقاء النظرة الأخيرة على حبيبهم ابن الأغا شاغل الولاية وأهلها.
مكث الأب الأغا ساعات يفكّر: كيف أُخبر أهل “طاجيك ليش” بهذه المصيبة؟، وكيف يمكن أن أقوم بواجب “قرباش” كما ينبغي لكلب ابن كلب مثله؟، وما الذي سيصنعه الناس بي حين يعلمون أن “قرباش” الذي يأكلون في مطاعمه ويرتاحون في تكاياه و يخدمون في سراياه و يدرسون في مدارسه ويمشون في شوارعه و يصلّون في مساجده، مجرّد كلب!.
أخيراً.. أُقيمت جنازة “قرباش”، وحضر كل واحد من رعايا “طاجيك ليش”، ندب كل واحد منهم، وكل واحد منهم بكى بتأثّر شديد فقدان الابن الغالي، لكنّ أحد الشيوخ “بعص” الجنازة لمّا –ولشدّة تأثّره وحزنه- أراد أن يودّع الفقيد فكشف غطاء التابوت عن وجهه عازماً على تقبيل جبينه، فرأى كلباً!.
كان “الآغا” منتبهاً إلى ابنه الكلب، حريصاً على راحة جثّته، وحالما حدث هذا، أمسك الآغا بتلابيب الشيخ وقال له: نسيتُ أن أخبرك بأن ابني قد أوصى لك بعشرة ليرات ذهبية.
وإذّاك ألقى الشيخ الغطاء على وجه “قرباش الكلب” وصاح في وجوه الناس: وحّدوووه!.