دلالات وقضايا | في الهيمنة الثَّقافيَّة هل أنت مسيَّر أو مخيَّر؟
مهنا بلال الرشيد
يتشابه مفهوم الهيمنة الثَّقافيَّة مع مفهومي السَّيطرة العسكريَّة والسَّيطرة السِّياسيَّة، من حيث قدرة كلٍّ من الهيمنة والسَّيطرة على تنميط سلوك أفراد المجتمع وتحديد ردود أفعالهم؛ ليغدو أفراد المجتمعات المحكومة بالسَّيطرة نماذج متشابهة مثل حجارة البناء؛ يسهل على المعمار أن يتحكَّم بها، ويُخضعها لسيطرته خلال بناء البيت أو الهرم؛ لأنَّ معظم المحكومين (يمشون الحيط الحيط، ويقولون يا ربُّ السِّترة)! وباقي المحكومين يقولون: (ضَع رأسك بين الرُّؤوس! وانتظرْ قطَّاع الرُّؤوس)!
إنَّ السَّيطرة على الإنسان المحكوم أفقدته حرِّيَّته أو فردانيَّته أو خصوصيَّته، وهي أعلى قيمه الَّتي يملكها، وتميَّزه من الآخرين. وحين يفقد الفرد حرِّيَّته وخصوصيَّته الفردانيَّة يتجرَّد من إحساسه بإنسانيَّته، ويصبح حقًّا مثل أيِّ حجرة مقولبة بين آلاف من حجارة البناء، يمكن تحطيمها أو استبدالها أو الاستغناء عنها بسهولة، وهذ ما يُعزِّز شعور المثقَّف بتعاسته وانسحاقه وسط مجتمعات خالية من القيم الإنسانيَّة، وإن كان بإمكان الثَّائرين أن يهبُّوا في وجه المحتلِّ، أو ينتفضوا ضدَّ الأحزاب السِّياسيَّة المدعومة منه؛ خوفًا على حرِّيَّتهم من الضِّياع وخصوصيَّتهم الفردانيَّة من القولبة فإنَّ الثَّورة ضدَّ الهيمنة الثَّقافيَّة صعبة جدًّا؛ لأنَّ معظم صيحات أصحابها تضيع مثل أيِّ صرخة في وادٍ بعيد، وإن انتفضت الجماهير ضدَّ حزب البعث وحكم العسكر في العراق وسوريا؛ لأنَّ هذا الحكم امتداد لحكم الاحتلال في هذين البلدين فإنَّ نضال الفلسطينيِّين أمام الهيمنة الثَّقافيَّة الصُّهيونيَّة الرَّجعيَّة أصعب من نضال السُّوريِّين ضدَّ العسكر والأحزاب السِّياسيَّة المدعومة من قوى الاحتلال.
ما الهيمنة الثَّقافيَّة؟
ترتبط الهيمنة الثَّقافيَّة بالهيمنة الاقتصاديَّة؛ ولأنَّ الاقتصاد يتحكَّم بمفاصل الحياة كلِّها، تعاون أصحاب الشَّركات الاقتصاديَّة العالميَّة الكبرى مع العسكر والأحزاب السِّياسيَّة للسَّيطرة على المجتمعات في مراحل سابقة، وبدأ أصحاب هذه الشِّركات العملاقة يتعاونون في وقتنا الرَّاهن مع المنابر الإعلاميَّة والثَّقافيَّة ومنظَّمات المجتمع المدنيِّ للسَّيطرة على الإنسان داخل هذه المجتمعات من خلال الغزو الفكريِّ والهيمنة على الأنماط الثَّقافيَّة ودعم بعضها في مجابهة كلِّ تيَّار يحارب العبوديَّة، ويُعلي من شأن الحرِّيَّة والفردانيَّة. ويدعم أصحاب هذه الشِّركات العملاقة أصحابَ المنابرِ الثَّقافيَّة والإعلاميَّة ومنظَّمات المجتمع المدنيِّ المتواطئة معهم لتكريس أنماط ثقافيَّة محدَّدة، ويستغلِّون نفعيَّة القائمين على تلك المنابر وجشعهم مع حاجات الخاضعين لنفوذهم من فقراء البشر وضعفائهم للطَّعام والشَّراب والملبس، وفي المحصِّلة لا تموِّل الشَّركات العظمى أيَّ حزب سياسيٍّ أو منبر إعلاميٍّ أو ثقافيٍّ أو منظمَّة مجتمع مدنيٍّ أو كاتب أو شاعر أو شخصٍّ عاديٍّ إلَّا إذا كان مُخْبِرًا مجرَّبًا وناجحًا في تفكيك بيئته الموجود فيها وغزوِها؛ فهذا يموِّلونه لكفاءته في هذا المجال، ولا يموِّلون أحدًا من الآخرين إلَّا إذا كان على درجة مقبولة من الثَّقافة أو التَّفاهة أو كليهما معًا؛ ليحارب المُخْبِرون والتَّافهون والخانعون من المثقَّفين كلَّ نمط ثقافيٍّ حرٍّ أو مغاير، ويمرِّر هؤلاء المنتفعون رسائل مموِّليهم بعد الحصول على تمويل بالرَّشوة المباشرة أو الحصول على الرَّواتب من خلال الجوائز الثَّقافيَّة أو الأدبيَّة المشبوهة، وقد يحصلون على التَّمويل بعد تكليفهم بكتابة الأبحاث والمقالات أو تصوير مقاطع التِّيك توك وفقرات مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ المأجورة، أو من خلال توقيع اتِّفاقيَّات تعاون لاستقطاب الصِّغار من مراكز الأبحاث المموَّلة من الشِّركات العملاقة إلى المؤسَّسات الثَّقافيَّة في البيئات المستهدفة من أجل تفتيتها أو إخضاعها لهيمنة الشَّركات العملاقة.
بعد مرور الزَّمن يُنَمِّط أذناب الشِّركات العملاقة مثقَّفي البيئة المستهدفة، أو يقولبونهم؛ فيصح كلُّ واحد منهم نسخة عن الآخر، وقد يكون القالب السَّائد في هذه البيئة المستهدفة قالبًا مقاومًا بخطاب ممانع، وربَّما يكون في بيئة أخرى قالبًا أخونجيًّا بلحية، أو علمانيًّا أو يساريًّا أو شيوعيًّا بقبَّة مثل قبَّعة ماركس أو حافظ أسد. ولا يهمُّ المموِّلين شكل القالب السَّائد ذاته، بقدر ما يهمُّهم قدرة أذنابهم على تمرير رسائلهم؛ لإخضاع الجميع لهيمنتهم الثَّقافيَّة. وهكذا يغيب دور المثقَّف العضويِّ، الَّذي تحدَّث عنه أنطونيو غرامشي (1891-1937) في (دفاتر السِّجن) أو كرَّاسات السِّجن، وإن أطلق غرامشي فكرة جوهريَّة تحدَّث فيها عن دور المثقَّف العضويِّ في مجتمعه فإنَّه نبَّه الشَّركات العملاقة إلى دور المال في محاربة المثقفَّ العضويِّ وتحويله إلى مثقَّف تقليديِّ أو مأجور، وتمكَّنوا من خلال تطوير بعض أفكار غرامشي وتفكيكها من إيصال الأموال (لمثقَّفيهم) من خلال عقد اتِّفاقيَّات التَّعاون المشترك بين مراكز أبحاثهم ومنظَّمات المجتمع المدنيِّ والمؤسَّسات في البيئات المستهدفة.
تفكيك مفهوم المثقَّف العضويِّ
يشير مفهوم المثقَّف العضويِّ عند غرامشي إلى فاعليَّة المثقَّف ودوره في المجتمع، وعندما فكَّكت الشَّركات العملاقة هذا المفهوم إلى صِنفين: مثقَّف عضويٍّ حقيقيِّ حاربته، ومثقَّف أجير دعمَته تمكَّنت من الهيمنة على المجتمعات المستهدفة، ربط الغزو الثَّقافيِّ بالأموال وإغداقها على المتعاونين من خلال اتِّفاقيَّات مراكز الأبحاث ومنظَّمات المجتمع المدنيِّ مع مؤسَّسات البيئة الاجتماعيَّة المستهدفة؛ فظهر الأجير المدعوم بمظهر المثقَّف العضويِّ الحقيقيِّ الفاعل في مجتمعه برغم انخفاض كفاءته الأكاديميَّة، ومهما يكن لا تعني الكفاءة الأكاديميَّة المموِّلين والشِّركات العملاقة أبدًا، إنَّما يعنيها قدرة هذا المثقَّف الأجير على تمرير اتِّفاقيَّات الدَّاعمين وأفكارهم؛ لتمكين هيمنتهم الثَّقافيَّة، وتعنيهم كفاءته في ممارسة دور المُخْبر على زملائه في مؤسَّسة العمل والبيئة، والحقُّ لا تختار هذه الشِّركات مثل هذا الأجير المخبر إلَّا بعد تجريبه ونجاحه في أكثر من مكان، وعندما تأكَّدت من قدرته على كتابة التَّقارير لمحاربة أيِّ نمط ثقافيٍّ تنويريٍّ آخر يعرف مخاطر تلك الهيمنة، أو يواجهها، دلَّلت المؤسَّسات العملاقة أجيرَها، وصار بإمكانه أن يغزو المجتمع المستهدف باتِّفاقيَّة (ثقافيَّة) مع مركز بحثيٍّ كلَّ أسبوع، وراح يعقد النَّدوات، وينظِّم المؤتمرات بين كلِّ عشيَّة وضُحاها.
فكَّكت الشِّركات العملاقة مفهوم المثقَّف العضويِّ عند غرامشي، وحاربت المثَّقف الفاعل غير الخاضع لهيمنتها، ودعمت بأموالها المثَّقف العضويَّ التَّقليديِّ الآخر؛ ليغدو أكثر فاعليَّة من غيره في بيئته أو مجتمعه، وشجَّعته على زيادة هيمنته وفاعليَّته من خلال استغلال شبكة علاقاته الاجتماعيَّة المشبوهة مع كثير من طبقات أبناء المجتمع كالرَّاشين والمرتشين والرَّائشين بينهم وبنات اللَّيل ورؤساء منظَّمات المجتمع المدنيِّ الفاسدين وأصحاب الشَّهادات المشبوهة وغيرهم. وإن فكَّكت الشَّركات العملاقة مفهوم المثقَّف العضويِّ، وحاربت النَّموذج الإيجابيَّ، وأعلت من شأن النَّموذج السَّلبيِّ فإنَّ غرامشي لم يخترع مفهوم المثقَّف العضويِّ من بنات أفكاره، بل جاء مفهومه هذا تطويرًا وتتويجًا لأفكار من سبقوه مثل هيغل (1770-1831) وأليكسيس دو توكفيل (1805-1859)، فقد نبَّه هيغل إلى دور منظَّمات المجتمع المدنيِّ وقدرتها على اختراق العائلة والدَّولة معًا؛ لأنَّ العائلة نواة الدَّولة أو نواة المجتمع، وخدمات المنظَّمة المشبوهة تشكِّل صلة وصل بين العائلة والمجتمع. وتستطيع المنظَّمة المدعومة من الشَّركات العملاقة أن تمارِس غزوَها الثَّقافيِّ ضدَّ عوائل البيئة المستهدفة ومؤسَّساتها الرَّسميَّة معًا. وأكَّد دو توكفيل بعد هيغل على دور منظَّمات المجتمع المدنيِّ في ممارسة هذا الغزو لصالح الدُّول الاستعماريَّة وأصحاب الشِّركات العملاقة، ثمَّ جاء أنطونيو غرامشي (1891-1937) ووجد أنَّ المثقَّف العضويَّ هو الإنسان الفاعل في المجتمع؛ لذلك بحثت منظَّمات المجتمع المدنيِّ والشَّركات العملاقة عن الأجير الفاسد، وأظهرته بمظهر المثقَّف العضويِّ الفاعل، وزادت من بريق قِناعه الثَّقافيِّ، ودعمته بالنُّفوذ والأموال واتِّفاقيَّات التَّعاون لاختراق المجتمعات المستهدفة.
من نماذج الهيمنة
الهيمنة الثَّقافيَّة مرتبطة بأنواع الهيمنة الأخرى كلِّها؛ كالسَّيطرة العسكريَّة والسَّيطرة الحزبيَّة والهيمنة الاقتصاديَّة، لكنَّ علاقتها بالهيمنة الاقتصاديَّة أعلى وأوثق وأشدُّ؛ لأنَّ أنماط المهيمنين الثَّقافيَّة تتكرَّس من خلال دعم نماذج الأُجراء المتعاونين معهم بشرط أن يُظهروا كفاءة عالية في التَّعاون وممارسة دور المُخبِر المدمِّر، الَّذي لا يشترطون عليه تحقيق أيِّ كفاءة في الإنتاج الثَّقافيِّ. والأنماط المتعدِّدة لهذه الهيمنة ليست غريبة عن مجتمعاتنا الشَّرقيَّة، وإنَّما وُلدت فيها في مراحل تاريخيَّة مبكِّرة، وتطوَّرت، وازدهرت اليوم على أيادي الجيوش الكبيرة والأحزاب الجماهيريَّة والشَّركات العملاقة. وأختم هذا المقال بجملة من الأمثلة والنَّماذج؛ فعندما ظهرت الحنفيَّة الإبراهيميَّة صارت بسرعة أزهى نمطٍ دينيٍّ-ثقافيٍّ، وبسبب قناعة الجماهير بهذا النَّمط الثَّقافيِّ ظلَّ التَّوحيد فكرة جميلة وسائدة برغم تعاقب الدِّيانات (اليهوديَّة، والمسيحيَّة، والإسلام)، وظلَّت المدن المشرقيَّة تأخذ أسماءها من الثَّقافات الأكديَّة والإيبلاويَّة، واصطبغت أسماء المناطق والأماكن والمخترعات بصبغة يهوديَّة ثمَّ صبغة سريانيَّة مسيحيَّة ثمَّ صبغة إسلاميَّة نتيجة للتَّعاقب التَّاريخيِّ للدِّيانات والثَّقافات، ولم يشعر أفراد المجتمع بأيِّ غزو فكريٍّ أو هيمنة ثقافيَّة بخلاف ما تقوم به منظَّمات الهيمنة الصُّهيونيَّة من تهويد أسماء القرى والمدن في فلطسين ومنحها أسماء توراتيَّة في حركة رجعيَّة تتناسب مع أفكار المموِّلين وشركاتهم العملاقة، وتتعارض مع حركة التَّطوُّر الطَّبيعيَّة للتَّاريخ.
وفي القرآن الكريم أكثر من إشارة إلى سيادة النَّموذج الدِّينيّ-الثَّقافيِّ، كما في قوله-سبحانه وتعالى-في سورة يونس: (قالوا أجئتنا لتلفتنا عمَّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين) [يونس 78]. وقد حذَّر الرَّسول الكريم محمَّد-صلَّى الله عليه وسلَّم-من تقليد النَّماذج السَّائدة دون وعيٍ، فقال: (لتَتَّبعنَّ سنَنَ من كان قبلكم، شبرًا بشبرٍ، وذِراعًا بذراع؛ قالوا: اليهود والنَّصارى يا رسول الله؟ قال: ومَن غيرهم؟). ونجد معنى حديث الرَّسول الكريم في قصَّة (خِراف بانورج) الفرنسيَّة، والَّتي تدلَّ على التَّقليد الأعمى وهيمنة ثقافة القطيع دون وعي؛ وذلك عندما اشترى (بانورج) خروفًا من خِرفان التَّاجر الجَشِع (دونوردو) عندما كان يشحنها للبيع على ظهر سفينة، ثمَّ سمح (بانورج) لخروفه بالهرب، بعد أن اشتراه من الجَشِع (دونوردو)، وعندما قفز الخروف في مياه البحر قلَّدته خراف القطيع، وسقطت كلُّها في عرض البحر؛ وهكذا تمامًا يفتك التَّنميط الثَّقافيِّ والتَّقليد الأعمى والمثقَّف الأجير بالمجتمعات المستهدفة.
وفي قول هارون الرَّشيد للغيمة: (أمطري حيث شئتِ فسيعود خراجك لي!) أكبر دليل على هيمنة الدَّولة العبَّاسيَّة الاقتصاديَّة، ورحيل المثقَّفين والشُّعراء والكتَّاب والأدباء والفقهاء من المِلل والنِّحل المتعدَّدة من بلدانهم إلى بغداد دليل آخر على الهيمنة الثَّقافيَّة. ومع تأكيد ابن خلدون (1332-1406) “أنَّ المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شِعاره وزيِّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده” نفهم دور هذا الولع في زيادة الخضوع للهيمنة الثَّقافيَّة. ولم يقف الأمر عند تقليد الشَّباب والشَّابَّات والمراهقين والمراهقات نجومَ إعلام الهيمنة الثَّقافيَّة، حتَّى وإن كانوا تافهين جدًّا، بل تجاوز الأمر ذلك التَّقليد إلى غزو شركات الهيمنة مؤسَّسات الدُّول المستهدفة ومراكزها الثَّقافيَّة من خلال الاستفادة من فكرة أليكسيس دو توكفيل (1805-1859) حول توظيف منظَّمات المجتمع المدنيِّ في الغزو الثَّقافيِّ. وبدلًا من أن يرسم أساتذة المعاهد والجامعات لطلَّابهم ملامح البحث العلميِّ الواعدة وآفاقه ومجالاته المستقبليَّة المفيدة، وبدلًا من أن تُصدِّر الجامعات أولئك الأساتذة؛ ليحاضروا في المنابر العالميَّة المرموقة حول أسس البحث العلميِّ، صارت مؤسَّسات المجتمعات المستهدفة أو جامعات البلدان المغزوَّة ثقافيًّا تستقطب مُحاضري المهيمنين، وتتعاون معهم للحديث في هذه المجالات على مبدأ (جاء ليبيع الماء في حارة السَّقَّائين).
وبعد هذا العرض هل جمعك العمل أو الصُّدفة بمثقَّف أجير في مكان ما؟ هل حاربك الأقزام المأجورون؟ هل عانيت منهم أو من وجودهم على أرض الواقع؟ هل حافظتْ على فردانيَّتك، ومارستَ حرِّيَّتك رغمًا عن أُنوفهم أو حاربوك وسيَّروك؟ إنْ عانيت فأنت مثقَّف عضويٍّ، وإن لم ترَ أحدهم فحظُّك سعيد؛ لأنَّك (إنْ تسمع بالمُعيديِّ خيرٌ من أن تراه). ولا شكَّ أنَّ القارئ المتنوِّر والمثقَّف العضويِّ يدركان تمامًا مع نهاية هذا المقال أنَّ معظم المحاضرين والمثقَّفين المأجورين والمستمعين المجلوبين إلى قاعات الاستماع لم يجتمعوا رغبة بتحقيق أيِّ فائدة علميَّة، وإنَّما اجتمعوا في نوع من المضاربة؛ لمحاربة المثقَّف العضويِّ وإبعاد أصحاب الفكر الحرِّ وإخضاع المستهدفين المجلوبين للحضور أو المسرورين باجتماعهم لهيمنة غزوِهم الثَّقافيِّ وتكبيلهم بقيود سلطانهم لعقود وأجيال قادمة.