الرأي العام

قصد السبيل | منهجية الإصلاح عند البوطي

د. علاء الدين آل رشي

محمد سعيد رمضان البوطي، ذلك العالم الكبير الذي عاش طفولته مشرداً مع والديه من دياره الأصلية، كان رجلاً انتقل من عالم التشريد إلى سكن الإيمان.

رحمه الله، كان إنساناً يرى مصيره ومصير الناس جميعاً كشيء واحد. لذلك، كانت مسؤوليته أن يفكر في غيره قبل أن يفكر في نفسه، وأن يسعى دائمًا لحماية الآخرين. كانت انتصاراته انتصارات على الضعف الإنساني الداخلي. كان رحمه الله يرغب في أن يُشعرنا بواجبنا في إدارة تلك الفوضى النفسية والشهوانية التي يمكن أن تعصف بنا.

فشرح الحكم العطائية في أبهى توضيح. لقد كان الحكماء يقولون: “إن ميزة الخير تكمن في قدرتنا على أن نجعل أنفسنا أوضح وأكثر مصداقية، بحيث لا نحتاج إلى براهين تثبت وجودنا أو تؤكد قيمتنا”.

هذه كانت هي منهجية الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، رحمه الله. كان يريد منا أن نتعرف على الأشياء بوضوح، وأن نكون على حافة الانطلاق نحو الخير وليس نحو السقوط في الهاوية، ولذلك حذر من الدم والاقتتال. كان يسعى رحمه الله إلى أن يكون الإنسان بعيدًا عن الانصياع للكراهية، يبحث عن الخير والربانية، ويبث في نفسه وفي من حوله السكينة.

كان يُدرك أن القانون الأساسي الذي تحققه لنا هذه الحياة هو العبودية لله سبحانه وتعالى.  وقد شهدنا الكثير من الناس الذين اغتالتهم الكراهية، بينما كان الشيخ يمزج بين الحب والحق، ويؤكد أن “كلما ارتفعت راية الحب، خفقت رايات البغض”.

كان رحمه الله يتابع ميراثه بفخر، لكنه كان يؤكد أن الحب ليس ضعفًا، بل هو القوة الأكبر. وقدرفض فكرة أن البقاء للأقوى، أو الأكثر استعاراً للنار. كان يرى أن الحرب يجب أن تُخاض مع الشر، وأن المعارك التي تُكتب لها الفوز هي التي تستحق العناء.

لكنه كان بعيداً عن جنون العواطف وعربدتها، مؤمنًا بأن الحكمة هي القانون الحقيقي للدعوة، وأن الرحمة هي الأساس الذي ينبغي أن يُبنى عليه فهمنا للإسلام. كان يسعى لرفع مراسي الخير، وليجعل من حياتنا سفنًا تبحر في بحار الدفء، ويمضي بنا نحو ثراء الروح وبناء الفكر، وليس نحو بناء أبراج من الدم وجماجم من المقهورين.

من خلال إيمانه العميق وثقته الكبيرة بالله، لم يكن يتأثر بالفتن السياسية الدولية. وكان يرى الاضطراب والقلق بمنزلة بقايا طعام حامض، تنفثه معدة قوية. كما كان يؤكد أن الإيمان هو المناعة الحقيقية في وجه هذه الأزمات، وأن الحياة الإنسانية تتقدم ولا تتراجع، تزدهر ولا تزوي.

هكذا كان رحمه الله متفائلًا، يذكّرنا بأننا نظلم الحياة حين نحسبها فقيرة أو محجوبة بالألم. كان يدعونا أن نتمسك بالأمل وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى. رحم الله إمامنا البوطي وألهمنا السير على دربه. تحدوه نظريةٌ مفادها أنه إذا كنت ناقلاً في الصحة أو مدعياً، فإن الدليل يحكمه ثنائية العيش بين الفكر والقلب؛ فلا هو قاس بفكره ولا هو شاطح بقلبه.

 كان رحمه الله تعالى وسطاً بين إفراط وتفريط  وبين تهور وجبن. كان يرى أن الحياة الإسلامية تفتح ذراعيها الحانيتين لتضم إلى صدرها الودود المؤمن بكل محبة ورحمة.

كان رحمه  الله تعالى يريد أن يعلم الناس معنى التصوف كطريقة سلوك، وليس مجرد أقوال أو شعارات. وعلى هذا كان مذهبه قريباً من مذهب ابن القيم رحمه الله، الذي قال: “كان التصوف حرقه فصار حرفه” وذكر أنه كان في مواطن القلوب فصار في ظواهر الثياب.

كان الشيخ البوطي رحمه الله شهيد المحراب، ولم يكن ينشر للصوفية رايةً بعيدة عن إمارة الفقه، بل كان يرى أن من يزرع البغضاء يحصد القطيع، ومن يزرع الدين الحكيم يجني الحياة الرشيدة، وأن من أقام  الميزان فلن يعتوره في كفتيه اضطراب… فإذا  الداعية أحب الناس بصدق وتجرد لدعوته، فإن قلةً من يكرهه، حتى وإن كرهه سيكون في  احترام له.

كان يرى أن التفوق الأخلاقي يحمي النفس ويفرض الكلمة، لذلك عاش ثرياً مع ربه فقيرا في إيمانه بعطايا الناس. لم يكن يرى لأي منصب أو جاه مكانة في قلبه، بل كان يرى أن التفوق الأخلاقي هو البرج الحامي المانع. أما الثراء أو القرب من جهة متنفذة، فهو الفقر الحقيقي.

كان يريد أن يعطي كل ما يملك، وكان ما يملكه هو المعرفة، فعاش رحمه الله تعالى معلماً ومات على كرسي التعليم. وعلى قولهم في آدابهم: “يعيش المرء ويموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه”.

مات شهيداً في المحراب، في نشاط بهيج تعبر به الروح عن نفسها، وقال في حالته الرحمانية وهو يلاقي الموت: “إياكم أن تدنسوا هذه العمامة، أياكم أن تنحنوا إلا لربكم سبحانه وتعالى”.

عدل العمامة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن اغتالته يد إثم. وهويقول:

مهما تكن عثراتك وأخطاؤك، أنت إنسان طيب.

مهما تكن عوامل الشر كاملة في أنفسنا ومنتشرة من حولنا، عليك أن تطاردها بنوازع الخير.

لا تكن مؤمنا  بنفسك على عثراتها، ناقش نفسك في أخطائك، ولا تلق الكيل والمكيال والوزن الثقيل على الآخرين.

 نعم هناك مكائد للآخرين، ولكن المكيدة الحقيقية هي من صنع نفسك.

هكذا كان رحمه الله يفكر، وهكذا كان يقول: “إن نفسك هي الجديرة بالإصلاح قبل أن تفكر بمكائد الآخرين. فمن أصلح نفسه، فوضى على الآخرين كيدا كيده”.

هذا هو المنهج الذي عاش من أجله، وهو الدعوة الحقيقية التي نحتاج إلى تذكير أنفسنا بها في زمن يتطلب منا الكثير من الوعي والإصلاح.

تعليق واحد

  1. الأستاز علاء بدو يعمل شيخو البوطي الإيمامو علي تبع القرن العشرين.

    لا أدري لما يستمر الموقع بنشر هذا الهراء دفاعًا عن شيخ باع آخرته بدنياه وناصر طاغيةً طائفي قتل المسلمين ودمر الحجر والحجر.

زر الذهاب إلى الأعلى