13 سنة ثورة | السوريون يحيون ذكرى ثورتهم بوصفها الحدث الأهم في التاريخ السوري
العربي القديم – خاص:
في مواجهة محاولات إعادة توعيم نظام الأسد الذي قتل أبنائهم وشردهم وهدم مدنهم وقراءهم، احتفل ملايين السوريين في الشمال المحرر، وفي المهجر ودول اللجوء، بالذكرى الثالثة عشرة لاندلاع الثورة ضد حكم بشار الأسد، واشتعل الفيسبوك السوري ليل أمس بصور وشعارات الثورة وعلمها الأخضر، وتصاميم غرافيكية أنيقة تحمل الرقم 13.
وشهدت مدن إدلب واعزاز والباب احتفالات جماهيرية حاشدة، تدفق فيها عشرات الآلاف إلى الساحات العامة رافعين علم الثورة، ومستعدين شعاراتها الأولى، ومرددين الأهازيج الهجائية وأشهرها تلك التي تصب اللعنات على من وصفه المفكر الراحل ميشيل كيلو بأنه باني سورية الطائفية: “يلعن روحك يا حافظ”
وفي الجنوب خرجت وخرجت السويداء، المنتفضة ضد حكم الأسد في حراك ثوري جامع، بمظاهرات شعبية أحيت من خلالها الذكرى الـ13 للثورة السورية وأكدت على مطلب إسقاط النظام وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالانتقال السياسي في سورية، ومحاسبة المجرمين بحق الشعب السوري
وكانت لافتا حجم المظاهرات التي حيت الثورة في عيدها الثالث عشر، في كل مدن وبلدان اللجوء، حيث أحيا السوريون في باريس وبرلين وفيينا والعديد من المدن الأوربية التي تضم أعدادا كبيرة من اللاجئين الذين هجرهم إجرام نظام بشار الكيماوي، أحيوا ذكرى الثورة بتجمعات جماهيرية أنشدت للحرية وحلم العودة إلى سوريا الحرة.
محيي الدين اللاذقاني: تأخرت عن موعدها ثلاثين عاما
الكاتب والأديب السوري البارز محيي الدين اللاذقاني، اعتبر أن الثورة في سورية تأخرت عن الموعد الذي كان يجب أن تندلع فيه، وقال في منشور مطول على صفحته على فيسبوك موضحا أسباب قيام الثورة:
“هناك سؤال خاطئ يتكرر كثيرا في ذكرى الثورة السورية، وأيضا كلما جاء ذكرها: لماذا قامت الثورة..؟ والسؤال الأصح من هذه الصياغة هو: لماذا تأخرت الثورة السورية ثلاثين عاما عن موعدها..؟ فكل من عاش التاريخ السوري الحديث يتذكر أن المقبور بالقرداحة كثف عمليات القمع أواخر السبعينات مستهدفا النقابات، والاتحادات المهنية، وفتك بنقابة المهندسين ثم المحامين، وأكمل بالأطباء والصيادلة، ورافق ذلك عشرات المجازر، فمجزرة حماة في الثاني من فبراير ١٩٨٢ لم تكن المجزرة الأولى لكنها كانت الأكبر حتى ذلك التاريخ في سلسلة مجازر وقعت في جسر الشغور، والكلاسة وبستان القصر، وسرمدا، ومدن وقرى أخرى.
لقد كان البلد ب”الطليعة المقاتلة” ودونها يغلي قبل مجزرة حماة التي لم يُقدم المجرمون على إرتكابها بدم بارد نذل إلا بعد أن صار معظم الأحرار بالسجون، من يمين الأخوان الى يسار حزب العمل مرورا بالناصريين والوسطيين، وحينها كان الناس ينامون ويصحون على اعتقالات وتصفيات ومجازر واغتيالات، وكانت الثورة ممكنة لكن الانتهازيين من تجار المدن الكبرى الذين كان شعارهم “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد” أجهضوا بمساوماتهم أي حراك، وهو الموقف ذاته الذي سيتخذونه بعد قيام الثورة ٢٠١١، أما العالم الخارجي الذي عرف بمجزرة حماة الكبرى وسكت عنها، فهو ذات العالم الذي اتحد أشراره في جبهة واحدة ضد تلك الثورة، وكأن الفيتو السري المسكوت عنه، والذي يجري تطبيقه سرأ وبأساليب شتى، وبلسان الغرب الذي قالها بالافعال: لا يجوز ان تنجح ثورات شعبية، وتتشكل أنظمة ديمقراطية في هذه المنطقة، وإلا تقلص نهب الثروات وضاعت مصالحنا”.
وختم اللاذقاني بالقول: “نعم أيها الجيل الذي لم يعش تلك الحقب ما من فراغ تآمروا، وأجهضوا الثورات العربية في أكثر من بلد عربي ،وليس في سوريا وحدها لكن القصة مهما حاولوا وتذاكوا وضللوا، لا يمكن أن تتوقف هنا، فالشعوب العربية باستثناء بضعة أقطار مرفهة بخيرات النفط، تعيش جميعها تحت خط الفقر، وتشهد مجاعات وحصارات وهضم حقوق، وتضييق على كل أنواع الحريات، وهذه أسباب موضوعية كافية لقيام عشرات الثورات، وصدق من قال أن الربيع العربي لم يقل كلمته الأخيرة بعد”.
عدنان عبد الزراق: عيد الاستقلال الثاني
العديد من المنشورات اعتبرت الثورة ضد حكم الأسد أهم حدث في تاريخ سورية الحديث، وذهب الكاتب والصحفي السوري عدنان عبد الرزاق إلى اعتبار تاريخ اندلاع الثورة بمثابة عيد الاستقلال الثاني فكتب على صفحته على فيسبوك يقول:
“١٢٠١1/٣/١٥ الاستقلال الثاني وعيد ميلاد السوريين الحديث، كل السوريين”. واعتبر عبد الرزاق أن ” الثورة انتصرت وعرّت كل من ركب عليها كما فضحت عصابة العمالة ووريث الذل وتكريس الطائفية.. لن يعود الزمن للخلف وإن كانت حركته نحو الأمل والديمقراطية، بطيئة.. كل عام والسوريين النبلاء طلاب الحرية والكرامة بألف خير، والرحمة والراحة لأرواح الشرفاء الذين ضحوا لبناء دولة، وترفعوا عما غرق فيه التافهون”.
أما ابنة حلب الشهباء، المهندسة ريم القدسي فقد شاركت علم الثورة على صفحتها وكتبت: “أشرف شي حصل بحياتي ولآخر هالعمرمع شهدائها وأبطالها ليخلص النبض عاشت الثورة ويسقط الأسد”.
فكتب المحامي والروائي إيهاب عبد ربه:
“الثورة السورية أعظم حدث بتاريخ سورية الطويل. مأساة أن تكون اللحظة التاريخية غير مناسبة. كل ذكرى للثورة هي فرصة لإعادة النظر في أخطائنا. لو خيروني لاخترت حبك للمرة الثانية”
وفي السياق ذاته كتب المحامي السوري المخضرم سامي الخليل:
“بمناسبة يوم الثورة هذه الثورة لن ولن تتكرر فحافظوا على ما تبقى منها، وليكن بعلم جميع السوريين أن القادم يحمل الكثير من المفاجآت، فلا تضع نفسك بمحل الريبه والشك. اللهم إشهد إني قد بلغت”
خاطر ضوا: أمنية العيش بحرية وسلام
الفنان السوري خاطر ضوا، أحد أبزر الأصوات الغنائية التي برزت في سنوات الثورة الأولى، استعاد منشورا في ذكرى الثورة قال فيه:
“كانت أمنية بسيطة لتعيش الناس، كل الناس بحرية وسلام، ونعمر بلدنا إلنا كسوريين مو تصير ملك الحرامية الحاكمين. كان حلم بيشبه قلوب صبايا وشباب البلد الطاهرين، الطموحين، الغيورين، وتحول هالحلم لفاجعة ما بتنتسى ليوم الدين. وقلبي؟ آه يا قلبي مليان حزن، بيشفى أكيد وقت يطلعوا المعتقلين، كل المعتقلين. بذكرى الثورة سامحوني يا أحياء وسامحوني يا أموات ما قدرت اعمللكم شي، بس راح قول ألف رحمة ونور تنزل على دروبكم وأرواحكم يا أهلي يا سوريين”.
د. فادي أوطه باشي: تذّكرها كل عام هو فعل ثورة مستمرة
الكاتب والروائي الدمشقي د. فادي أوطه باشي، كتب يحيي ذكرى الثورة ويؤكد عمق الانتماء بها قائلا:
“في رحاب الذكرى الثالثة عشر للثورة السورية. لماذا علينا أن نتحمل ذلك السؤال الأبله: “آه بعدك بتحكي بالثورة؟ عن أي ثورة عم تحكي”؟ وهو سؤال يأتي بصيغة الشماتة أو الاتهام حين يتمتع السائل بمستوى وافر من السطحية، أو قلة الإكتراث بالشأن العام الذي يعتبره “وجع رأس”، ما يجعله في الحالتين غير أهلٍ لطرح السؤال- الإتهام؟
وقد يهزأ منك البعض، عن يأس أو خبث، لأنك ما زلت تؤمن بالثورة السورية التي انطلقت هادرة في العام 2011، فغمرتنا كرامة وحرية… لا بل يبلغ الهزء حد العتاب الصارخ لمجرد استخدام مفردة “ثورة” و”ثوار” و”مناطق محررة”، واتهامات تصل الى المبالغة في الحلم لا بل والسذاجة السياسية… بالطبع ليس عليك تحمل كل ذلك السخف و التسخيف من حقك في الحياة ، لأن المؤمن بالحريات ومحاربة الديكتاتوريات لن يتغير إذا ما قمع ديكتاتور ثورة وسجن وقتل مئات الآلاف… وفي الحالة السورية كمثل أبرز، لا تحتاج إلا لبعض من الضمير والأخلاق لتنحاز للقتيل ضد القاتل الواضح والصريح والمستمتع حتى الأن بيقين الإفلات من العقاب… فمن ثاروا هم أناس عزل تهجروا داخل أوطانهم وخارجها أو دفنوا تحت ركام الهمجية. ناس الثورة وأهلها أينما حلّوا لهم ما لنا وعليهم ما علينا فليس الإنحياز الى اللاجئين والمهجرين فعلا إنسانيا فقط، بل هو انحياز سياسي وفعل ثوري، ذلك أن حفظ الثورة يكون بحفظ ناسها وصون كراماتهم، فلمن يسأل: هؤلاء هم ثورة ولا يلغيها أي انتصار مرحلي للبطش على الحق
ومضى د. أوطه باشي متسائلاً: “كيف يمكن لثورة أن تنتهي وفيها كل هذه البقية فينا؟ الثورة رفاق لنا في المعتقلات والتغييب وتحت التراب وفي المنافي الكثيرة. رفاق – الأحياء منهم والشهداء- لم يموتوا أبدا وهم جميعهم بقية الثورة فينا، نحفظها معاً بوجه الديكتاتور أينما كان.. ومساندة كل ثائر تغرّب أو تهجر أو خسر كل ما يملك ثمنا لهذه الثورة هو ثورة مستمرة…قد نكون خسرنا الأرض والميدان لتكالب الذئاب، لكن المقياس هو الناس وأولئك الشجعان الذين خرجوا الى الشوارع كبحر هادر حينما كانت الديكتاتوريات في أوج قوتها، ففر الديكتاتور مع أنه كان يملك كل الارض عبر القوة و البطش.. ليس من حل سياسي أو انتصار بالسحل والبطش يمكن أن ينهي ثورة، فهي تستكين في مكان لتنفجر في مكان آخر. فهذا هو الوعي وكسر حاجز الخوف الذي لا يمكن أن يستكين… نعم، تهجرنا في المنافي لكن حملنا قيمنا أينما رحلنا، هذا ما جعل الثوار الرافضين للأمر الواقع يكتشفون بعضهم للمرة الأولى، جمعتنا عواصم المنفى فعرفنا كم نشبه بعضنا وكم استطعنا كسر جدران الصمت والخوف والعزل بين هذه المدن الممتدة عبر العالم، صرنا شريحة واسعة تدرك وجودها وتنتمي لمنظومة من القيم والأخلاق الرافضة لأي قمع فكأن الثورات صاغت هويتنا الجديدة العابرة للحدود والمنتمية لحق الإنسان المطلق بالحياة..
وختم يرد على من أسماهم بـ”اليائسين والخثثاء” قائلا: “نهاية، وردا على اليائسين والخبثاء في آن، أقول: حسب هذه الثورة أنها شتّتتنا فالتقينا… والتأكيد على تذّكرها كل عام هو فعل ثورة مستمرة لرفض كل من حاول تشويهها من متطرفين ومرتزقة المتأسلمين بتوجيه أعدائها. هي ثورة مستمرة لكسر الصمت والديكتاتور وظله وصوره البشعة… نعم لسى بدنا حرية.. وحق لنا وتليق بنا… الثورة حب.. والحب ثورة.. وخارج الثورة لامعنى للحياة”.