فنون وآداب

عن الإخبارية السورية والإعلام الرسمي السوري قبل 8 كانون أول وبعده

تجربة البث الأول للإخبارية السورية كانت مثالا حياً على التخبط في اختيار المهنيين وكانت تجربة فاشلة لا تختلف في مضمونها وشكلها عن إخبارية نظام الأسد البائد

صبري عيسى – العربي القديم

في اليوم التالي لانقلاب البعث في 8 آذار 1963 ، قام البعث بالتنكر لخطابه العقائدي كما كانوا يسمون منطلقاتهم النظرية التي عومتهم كحزب يحمل أأيديولوجيا محددة بشعاراته التي كان يردها منذ تأسيسه عام 1947، وهي ثلاثيته الشهيرة التي اطلقها وهي الوحدة، والحرية، والاشتراكية، رغم أنه كان يتمتع بكل حرية قبل انقلابه أيام “الرجعية السورية” كما يسميها الرفاق !

في اليوم التالي لانقلاب البعث قامت حكومته بإيقاف الصحف ومصادرة مطابعها وفرض الحظر السياسي والمدني على رؤساء تحريرها وأصحابها، وأسس صحفاً موالية تنطق باسمه وتدافع عن سياساته، واختار لها رؤساء تحرير مارسوا عملهم كرؤساء مخافر كانت مهمتهم منع انتقاد سياساتهم وحكوماتهم المتعاقبة، وتم تعيين كوادر صحفية من الموالين لهم، ومعظمهم يفتقد الحرفية المهنية ، وبسبب انتهازية البعض وحرصهم على التدرج الوظيفي تحولوا إلى كتبة تقارير بحق زملائهم، واستمرت المسيرة واعتاد الناس على غياب صحافة حرة تنطق باسمهم !

النافذة الوحيدة للراغبين بقراءة الصحف هي الصحافة القادمة من خارج الحدود التي كانت تخضع لرقابة مشددة من قبل شرطة وزارة الاعلام، وفي مرات كثيرة يتم فيها تمزيق عدة صفحات منها تحمل اخبار ومقالات تتعارض مع الخطاب الاعلامي الرسمي، وانتهت الحال بإيقاف إدخال هذه الصحف ومنعها من التداول، وعندم بدأ البث التلفزيوني عبر المحطات الارضية قامت وزارة الاعلام باستيراد اجهزة تشويش لمنع رؤية المحطات التلفزيونية الأرضية التي كانت تبث من الدول المجاورة لسورية !

بعد ظهور الاقمار الصناعية التي تبث النقل التلفزيوني وانتشار الفضائيات، خرج البثت التلفزيوني عن التغطية، وأصبح انتشار الاخبار والمعلومات خارج رقابة وزارة الاعلام وسيطرتها على البث التلفزيوني، وبعد انتشار وسائل الاتصال لم يعد لوزارة الإعلام اي دور خاصة بعد توقف الطباعة الورقية لصحفها الرسمية التي تحولت الى صفحات تفشل في منافسة صفحات الفيسبوك !

بعد 8 كانون أول توقف نشاط وزارة الاعلام وتوقفت محطاتها التلفزيونية عن البث، ودخلت الساحة فضائيات سورية وعربية كانت تبث من الخارج وتغطي اهتمامات المواطن السوري الذي اصبح يتلهف على معرفة ما يجري في بلده عبر الفضائيات ومواقع التواصل التي حولت المتلقي السوري إلى شاهد إثبات يشاهد عبرها بشكل مباشر وقائع كل حدث حتى لو كان شجار بين اثنين في اي شارع في بلده !

تعدد الفضائيات والخطاب الإعلامي لها يرتبط دائما برؤية الممول لها سواء كانت دول او افراد ، واصحت هناك فضائيات موالىة واخرى معادية تعتمد الخطاب الاعلامي وفق مصالح مموليها، وأصبح المشاهد السوري حريصا على رؤية أكثر من فضائية للمقارنة ومعرفة حقيقة ما يجري :

النظام الجديد أصبح يعتمد في نقل أخباره وإعلان مواقفه السياسية والمحلية عبر فضائيات اخري ووسائل تواصل معروفة يثق بها، ولم يؤسس لوسائل اعلام باسمه، وبسبب خياراته في تأسيس جكومته الاولى والثانية واعتماده على الموالين له فقط ممن يثق بهم في تجربته في جكم ادلب، وقع في فح اختيار الموالين له دون اي اعتبار لخبراتهم والمقياس الوحيد كان ثقته بهم فقط،  وتم تعيين رؤساء تحرير ومدراء لمؤسساته الإعلامية من لون واحد لا يملكون الخبرة التي يحتاجها النظام الجديد لتبرير سياساته ومواقفه للراي العام السوري. وعدنا إلى تكرار ما كان يجري قبل 8 كانون اول، وهو اختيار الموالين ومن يثق بهم فقط !

تجربة البث الأول للإخبارية السورية كانت مثالا حياً على التخبط في اختيار المهنيين وكانت تجربة فاشلة لا تختلف في مضمونها وشكلها عن إخبارية نظام الاسد البائد سوى بتفاصيل وإضافات طفيفة  لا تستحق كل هذا التفاخر!

أقول لمن يهمه الأمر :

 هناك خبرات سورية هامة سواء داخل البلد أو خارجه، وهم يمتلكون الخبرة المهنية والتجربة افادت منها فضائيات عربية ناجحة بامتياز، ودعوتهم إلى المشاركة في التأسيس لإعلام وطني يتصالح من الناس ويعبر عن معاناتهم ومصلحة الوطن، وانا متأكد انهم سيلبون اي نداء بالعودة للعمل في إعلام بلدهم الوطني  .لكن هؤلاء لن يأتوا ليعرضوا عليكم خبراتهم، ما لم يتلقوا الدعوة والتقدير.

توسيع دائرة الثقة بأصحاب الخبرات من غير المحسوبين مباشرة على النظام الجديد، وليسوا من أصحاب اللحى الطويلة والقصيرة ضرورة وطنية عاجلة  تستحق أن تكون على رأس الأولويات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى