من يتحمّل وزر العبث بتماسك حراك السّويداء؟ (3/3)
حازم العريضي* – العربي القديم
حرصاً على وقتك عزيزي القارئ سأخبرك هنا ما ستجده في آخر هذا النص وما سبقه، فإن وافق اهتمامك نتشارك البحث في تفاصيله بطريقة “الخطف خلفاً” إن جاز التعبير.
النهاية:
قيادة مجموعة من المستقلين الثقاة للمرحلة الحالية من الحراك، لبضعة أشهر، قد تكون هي الأجدى للحفاظ على تماسكه ونجاحه في الصّمود إلى أن تأخذ “التجمّعات السياسية” فرصتها في التمايز بهويّات واقعية حقيقية وتقديم قيادة جديرة بتمثيل الحراك وربما حاضنه المحلّي وتحقيق امتداده الوطني.
هل “الكيانات السّياسية” الناشئة عاجزة عن ممارسةٍ سياسةٍ مسؤولة؟
تمتع حراك السويداء باحتضان شعبي محلّي ملموس في جبل العرب، كما احتفل السوريّون بمناطق عدة في الداخل والخارج بالحراك، بل إن رمزية رفع راية المسلمين الموحدين في مظاهرات أرياف إدلب وحلب كانت ذات دلالة أعادت إحياء شعار “الشعب السوري واحد” الذي نكّل النظام بالمنادين به، كما كسر الصورة النمطية التي جهد النظام وحلفائه لتعميمها ووصف أهل المناطق الخارجة عن سيطرته في الشمال السوري بكونهم “أعداء الأقليات” !
ولذا كان واجباً على الحراك تجاه الحاضنة الشعبية المحليّة في جبل العرب بالدرجة الأولى والاحتضان الوطني المشهود في مطلعه أن يقدّم مشروعه الوطني المستند إلى تمثيل قوي من خلال جسم سياسي بمشروع واضح.
“المكونات السياسية” صرفت شهوراً في عملية التوافق لبناء هذا الجسم السياسي ولم تصل إلى نتيجة.
وقد تكون معذورة لأنها لم تشكّل بعدُ هوياتها السياسيّة الواضحة ولا هي امتلكت امتداداً شعبياً وازناً، وفي هذا الشأن يكفي أن نفكّر فيما إذا كان تجمّع العشرات في “مكوّن سياسي” قد لا يتجاوز عدد أفراده الأربعين عضواً كافياً ليكون “تيّاراً سياسياً” أم أنه أقرب ما يكون إلى لجنة تأسيسيّة لحزب ما أو تجمع أو تيّار؟!
أليس أفضل لهذه “الكيانات السياسيّة” أن تأخذ وقتها في التطور وخوض الخطوات الأولى في مشوارٍ عادة ما يكون طويلاً ريثما تطلق على نفسها مثل هذه المسميّات التي تبتعد عن الواقعيّة في الطرح؟
وبما أن أفراد هذه التجمّعات منخرطون بإخلاص في الحراك المنادي بالتغيير السياسي في ساحة التظاهر وبعض النشاطات الإضافية فبإمكانهم العودة إلى ساحة الكرامة ونقاط الحراك بوصفهم مستقلّين حين تشكيل تمثيل سياسي للحراك.
وعلى سبيل المثال، يستطيع الجميع الاستفادة من تجربة (الترشيح /التصويت في آن معاً) التي نجحت بعض نقاط الحراك في خوضها بعد نجاح التجربة في بعض التجمّعات المهنية، وبالتالي الخروج بمجموعة تمثيلية من المستقلين الثقاة يمثلون الحراك سياسياً في مرحلة أولى، ثم يكون إجراء انتخابات داخلية بمشاركة نقاط الحراك والكيانات السياسية، بعد تطورها، من بين مهامهم بعد بضعة أشهر.
“فترةٌ انتقاليّةٌ” يسيّرها مستقلّون ثقاة، ولمَ لا؟
قبل الختام لا بد من الإشارة إلى ظاهرة يصعب تفسيرها ببساطة، ألا وهي تردّد كثر من الجادّين في التّرشح لتمثيل رفاقهم على صعيد نقاط الحراك والتجمّعات المهنية وربما في الكيانات السياسية الناشئة.
ولعلّ هذه الظاهرة تبرّر آليات الترشيح على نحو سري، ففي بضعة تجارب حين مُنح جميع “الناخبين” في تجمّع ما صلاحية ترشيح من يرونه/ا مناسباً/ةً لتمثيل الجميع كانت النتائج مختلفة بعض الشيء، إذ أن كثراً من الجادين في مواقفهم لا ينازعون لأجل الطموح الشخصي في تصدّر المشهد، بل يكونون في معظم الأحيان ميّالين إلى تحقيق الهدف الجماعي بمعزل عن طموحاتهم الشخصية.
المستقلون من غير الطامحين لتصدر الواجهة السياسية لديهم مصداقية لا يُشكَّك بها، وإنما يستطيع هؤلاء من أصحاب المواقف الواضحة القوية لأجل التغيير أن يكونوا بديلا للقوى السياسية التي غالبا ما فشلت لأسباب حزبية في بناء توافق سياسي ناجز..
ولابد أن بينهم تكنوقراط مثقفون يحتفظون بقربهم إلى الناس (أهلهم) ويحظون باحترام محيطهم.
وبإمكان تضامن مجموعة فعالة منهم أن يشكل أساس بناء جسم سياسي بمنأى عن تعقيدات “التكتكة” السياسية الضيقة التي تورط بها كثر من أفراد الكيانات السياسية المستجدة.
إن المستقلين أقدر على التفاهم مع المجتمع الأهلي إن تمكنوا من تمثيل الحراك ليمارسوا دور التنسيق وتطوير التعاون والتماسك بين قواه لأنهم غالباً لن يعملوا لأجل توجّه حزبي معيّن بل وفق مصلحةٍ جامعةٍ تشبه موقف أفراد المجتمع الأهلي المنخرطين في الحراك.
مرحلة “انتقالية”، إن جاز التعبير أو سمّها ما شئت، ستكون فرصة للقوى السياسية الناضجة كي تشكل ثقلاً حقيقياً وليس مجموعةً افتراضيةً على وسائل التواصل الاجتماعي من بضعة أفراد مع بيان عام فضفاض، خاصّة وأن الناس ضاقت ذرعاً بتكرار هكذا ظواهر.
فمن الواضح أن مجموعات سياسية صغيرة، غالباً لا تختلف عن بعضها إلا بقدر الطموحات الشخصية للقائمين عليها، لن تنال ثقة المجتمع الأهلي. وإن تابع بعض متصدّري هذه الكيانات الناشئة الاعتماد على الخيال الخصب مع بضع مصطلحات أكاديمية ونخبوية غير مجدية أو واقعية، فإن المجتمع الأهلي بحمولته العائلية والقبلية لن يقيم لها وزناً.
وللنجاح، لابد من احترام المجتمع الأهلي في كلّ توجّهٍ منسجمٍ مع ضرورة التغيير…
*حازم العريضي صحفي سوري عمل في دمشق بالصحافة الاستقصائية وبالإعلام المرئي والمسموع في لندن واسطنبول وعمّان.