الرأي العام

نوافذ الإثنين | ثلاث حكايات ساذجة عن انتصار اسرائيل!

يكتبها: ميخائيل سعد

لا يمكن للانتصار أن يحدث فجأة؛ لا بدّ من مقدمات تراكمية في مجالات عديدة تكون الأساس المتين لأي انتصار يحققه طرف على الآخر أو الآخرين. سأروي ثلاث وقائع عايشتها تحمل مدلولات بسيطة، وقد يراها البعض ساذجة، عن السبب أو الأسباب التي جعلت إسرائيل تنتصر في غزة ولبنان، وقبلهما في جميع حروبها مع العرب؛ حرب 1948، وحرب 1967، وحرب 1973، واحتلال بيروت عام 1982، كل ذلك قبل حرب الإبادة التي تجري الآن في غزة ولبنان، والتي من الصعب تخيل نتائجها على المديين القريب والبعيد.

1- تهريب الفيديو إلى سورية

كنت في مكتبتي، في مدينة حمص، أحد أيام عام 1986، عندما دخل إليها أحد الأصدقاء حاملا بيده مجلة إنكليزية، لا أتذكر جنسيتها أمريكية أم بريطانية. جلس الصديق مدرس اللغة الإنكليزية، وفتح مجلته قائلا: اسمع هذا التقرير يا صديقي، اسمع وفكر معي بصوت عال. يقول موجز التقرير الصحفي الميداني: ”إن إسرائيل قد طرحت 30 ألف جهاز فيديو بنصف السعر الذي كان متداولا في ذلك الوقت، عبر المهربين، في المحلات التجارية القريبة من معابر الحدود السورية، والهدف من ذلك هو تسريب هذه الأجهزة إلى السوق السوري تهريبا، وقد تم بالفعل دخول أغلبية تلك الأجهزة إلى سورية.“

يقول الكاتب: إن الدراسات الاسرائيلية المعنية بمتابعة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في داخل سورية، كانت قد لاحظت الانتشار الواسع لمحلات الفيديو، ليس فقط في المدن، بل في البلدات الصغيرة والقرى، ورأت إمكانية استثمار هذه الظاهرة في دعم سياسة حافظ الأسد التي تعمل على تفكيك المجتمع السوري وإبعاده عن الاهتمام بالسياسة، عبر توسيع دائرة الفساد الأخلاقي والثقافي والديني، وتقطيع التضامن الاجتماعي.

كان من الملاحظ لبعض المهتمين السوريين بالشأن العام أن إرسال الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، كان بموافقة إسرائيلية أمريكية روسية أوروبية، ودون الإشارة إلى السلبيات السياسية لهذا القرار الخطير، فقد كانت من نتائجه المرعبة تحويل الجيش إلى الذي كان معروفا بوطنيته، إلى جيش من المهربين، نتيجة سياسة التجويع التي مارسها النظام بمهارة فائقة، كي يبعد الناس عن التفكير بالسياسة، ويجعل من الجيش أداة قتل للشعبين السوري واللبناني. وهكذا كان سلوك إسرائيل في موضوع تهريب الفيديو إلى سورية، سلوكا مدروسا، وهو في ذلك يشبه بشكل ما قضية التحضير ”لمجزرة البيجر“ ، أي خلق الظروف الموضوعية لدفع حزب الله لشراء الأجهزة التي تقتل قياداته، أي الانتحار الجماعي الذاتي للحزب.

عودة إلى قصة انتشار محلات الفيديو في سورية، فقد كانت كل أشرطة الفيديو غير نظامية، وغير مراقبة من قبل وزارة الثقافة، وهي الجهة المعنية بذلك، وكانت كل الجهات الرسمية والشعبية تعرف أن هذه المحلات تعيش على تأجير الأفلام الجنسية والسيئة جدا، كانت تُهرب من لبنان من قبل الجنود، ويتم التغاضي عن انتشارها بفضل الرشوة، وحياة صاحب المحل مرتبطة بها، لأن سعر تأجير هذه الأفلام كان أربع أضعاف الفيلم العادي. وكانت هذه سياسة عامة غير معلنة لدولة حافظ الأسد.

ولما كنت صاحب مكتبة ثقافية ودار نشر، فقد رأيت أن الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة بإضافة جناح لفيديو ثقافي للمكتبة يسدّ ثغرة ثقافية، فهو من جهة يغني العمل الثقافي الذي تقوم به المكتبة، ومن جهة ثانية يتيح لهواة السينما الجادة فرصة لرؤية أعمال إبداعية سينمائية، وكان جواب وزارة الثقافة على طلبي ومبرراته الرفض.

2- العودة إلى تحت الاحتلال

في العام نفسه أي 1986، كان أحد أصدقائي يشغل موقع رئيس مكتب أحد المكاتب الهامة في جامعة البعث بحمص. ورغم انتمائه إلى الحزب الحاكم، إلا أنه كان منفتحا على الحوار مع المختلفين عنه وغير المعادين، نسبيا.

كنت في مكتبه أحد الأيام عندما دخل عليه أحد الطلاب، وكان واضحا فورا أنه فلسطيني بسبب لهجته. قال: الحقيقة أنني هنا الآن كي أودعك، فقد قررت ترك الدراسة في هذه الجامعة والعودة إلى الضفة الغربية المحتلة.

قاطعه صديقي ووجه كلامه لي: أعرفك على الطالب (٠٠٠)، فهو من الأخوة الفلسطينيين، وقد حصل على منحة دراسية مجانية من قبل جامعتنا، بفضل توجيهات سيادة الرئيس الداعمة للقضية الفلسطينية، التي هي قضية سورية بقدر ما هي قضية عربية، وهو من سكان الضفة الغربية.

التفت بعد ذلك يسأل الطالب عن سبب تركه للجامعة وعودته إلى الضفة.

قال الطالب العشريني بوضوح: يؤسفني أن أقول إن العملية التعلمية في هذه الجامعة فاشلة تاما، فقد مضى على وجودي هنا أكثر من أربعة أشهر لم أتعلم فيها ما يمكن أن أسميه دراسة جامعية، إنها مضيعة للوقت ومحاولة استزلام للطلاب وربطهم بالأمن. ثانيا، وأقول لك بصراحة أن العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة أسهل من هنا، رغم كل التسيهلات المعاشية الممنوحة لي هنا. أشكرك ووداعا.

خرج الطالب من المكتب بعد أن أغلق الباب وراءه. قال صديقي: شو رأيك بنكران الجميل هذا وقلة الذوق؟

قلت له مبتسما: أنت تعرف أنني كنت سجينا سياسيا لمدة عام، وقد سُرحت من عملي، ولم أقل، علنا، ربع ما قاله هذا الطالب.

3 – التجارة في فرع فلسطين

عام 1988، في الشهر العاشر، كنت ضيفا على فرع فلسطين بتهمة التعامل مع حزب الكتائب اللبناني، لم يغفر لي تاريخي السياسي اليساري، ولا وجودي في السجن لمدة 13 شهرا عام 1976، بتهمة الانتماء لجماعة 23 شباط البعثية. كان الهدف غير المعلن من توقيفي، هو إزاحتي من سوق الكتاب، فقد علمت بعد إطلاق سراحي، ومن قبل طرف أحد ضباط المخابرات، أن بعض مكتبات دمشق قد دفعتْ لرئيس الفرع في ذلك الوقت ”مظهر فارس“ مبلغ نصف مليون ليرة سورية كي يبعدني عن سوق الكتاب، فكانت أسهل التهم لأنني من أسرة مسيحية وأذهب كثيرا إلى لبنان، توجيه تهمة طائفية لي.

ما أريد الإشارة إليه هو أنني بعد وجودي في فرع فلسطين بثلاثة أيام خرج من المهجع الذي كنت فيه شاباً لبنانياً من أصول درزية، وهذا واضح من ثيابه ولهجته، ولم يعد. سألت بعد مضي عدة أيام عن قصة هذا الشاب، ولماذا كان معتقلا، وكيف خرج بسرعة من السجن؟

روى السجناء ما يعرفونه عنه من أقواله: كان يأتي من لبنان إلى سورية بشكل مستمر. وكان هدف زياراته هو التواصل مع السوريين الدروز الذين تركوا أملاكهم في الجولان المحتل، وفروا إلى سورية بعد حرب1967، من أجل إقناعهم ببيع تلك الأملاك لجهات وأشخاص إسرائيليين. في آخر زيارة له إلى سورية تم اعتقاله وقيده إلى فرع فلسطين، وقد اعترف لزملائه في السجن أنه استطاع ضمان إطلاق سراحه بعد دفعه    10 آلاف دولار أمريكي. هذا في الوقت الذي كان فيه صبيان لبنانيان معتقلان عندما كانا في عمر 14سنة، وقد مضى على وجودهما بالفرع أربع سنوات بتهمة التعاطف مع ياسر عرفات.

بعيداً عن التقدم التكنولوجي ودعم الغرب، هل عرفتم الآن لماذا انتصرت وتنتصر علينا إسرائيل؟؟؟؟؟

مونتريال/ ٣٠/٩/٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى