العربي الآن

تلفزيون سوريا يرفض "فكر الأدلجة": تحقيقات مضللة تفضح محتواه وتستهدف طلاب الثورة

بلال الخلف – العربي القديم

تقف أحدث تجارب البث التلفزيوني أمام تحديات هائلة لجذب الانتباه وإثارة الحماس. في هذا السياق، ظهر مصطلح “رمادية التلفزيون” كشهاب متلألئ في سماء الإعلام المحتفي بنفسه، لكنها سرعان ما انقشعت هذه الرمادية عن غيوم سوداء تفتقد للإشراق والحيوية.

كانت الوعود التي أطلقها موظفو تلفزيون (سوريا) وإدارته الرشيدة، بالتجديد والتميز كثيرة ووافرة، بمثل وفرة صورهم ومقاطعهم التي روجوا فيها لأنفسهم على السوشال ميديا، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً. فبدلاً من إثارة الإعجاب، أثارت النفور والاشمئزاز لدى المشاهدين الذين تلمسوا في الظهور الجديد للتلفزيون الذي جدد استوديوهاته وألوانه، صورة باهتة ومزعجة، تنم عن الميل للتشبيح وتمييع المواقف الأفكار.

من الشاشة إلى الموقع: أوهام وأفهام

وليس الأمر في موقع تلفزيون سوريا مختلفاً عن شاشته الشقيقة، فقد قرأت تحقيقاً فيه، عن الأدلجة الفكرية لطلاب جامعة إدلب، وكأن القناة تريد تفصيلَ طلابٍ على هوى توجهها الجديد (11)، إذ لمن يسبق لي أن قرأت أن وسيلة إعلام تتدخل بالتوجهات الإيديولوجية لطلاب جامعيين في جامعة ما، مع أن الجامعات يفترض أن تكون مختبرا للأفكار والأيديولوجيات، وطلابها هم أحرار بتوجههاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية،  ولعل هذا ما يدفعني لأن أعرب عن تعجبي من هذا الاتهام غير المبرر والذي يبدو أنه يهدف إلى تشويه سمعة طلاب الجامعة دون أدنى دليل أو تفصيل عن أسباب هذا الاتهام.

إن الأدلجة الفكرية هي قضية جدلية، غالبا ما تستند إلى ظروف موضوعية تحتاج لقراءتها وتحليلها، ولهذا يجب التعامل معها بشكل علمي وموضوعي ونزيه، يكون على مسافة واحدة من جميع الأفكار والاتجاهات مع الإيمان بحقها في الوجود، وليس من خلال اتهامات عشوائية تنتقص من سمعة طلاب يكافحون من أجل استكمال مشوارهم التعليمي العالي في ظروف صعبة. إن تحقيق موقع تلفزيون سوريا يشير إلى أن تناوله للموضوع، ينطلق من جهل السياق الذي يحيط بالقضية ومن موقف عدائي مسبق من أية أيدلوجيا ذات صبغة دينية، حتى لو كانت في كلية الشريعة نفسها… وهذا تناقض لا يمكن أن يصفق له إلا من يقرؤون بعيونهم لا بعقولهم كمسوؤلي النشر في موقع تلفزيون سوريا! ويبدو أن رمادية هذا  التلفزيون قد اختارت البقاء في المنطقة الآمنة من الرمادي، لابتلاع كل هذه التناقضات، دون أن تخوض في عمق التجارب الإنسانية والثقافية التي تلف أحداث تحقيقهم الموهوم.

المشكلة الأساسية التي تمثل مقتلا في هذا التحقيق، هي غياب تعريف واضح لمفهوم “الأدلجة” المستمدة من كلمة “أيديولوجيا” ولهذا يمكننا أن نقرأ في هذا التحقيق العجائبي:

“تعتبر أدلجة طلاب كلية الشريعة بوابة الهيئة للإمساك بمنابر المساجد، وتحويلها هي الأخرى إلى أداة أدلجة للمجتمع”. فما المقصود في هذا المقطع مثلا؟ هل هي تعاليم الدين الإسلامي التي هي محور خطب المساجد عادة؟ أم هي الشريعة الإسلامية التي ستعمد هيئة تحرير الشام إلى استخدامها كأداة لـ “أدلجة المجتمع”؟! أم المذهب الذي تعتنقه الهيئة؟ وهل المجتمع الذي يأتي أفراده إلى المساجد طوعاً لا كرهاً، هو بعيد عن الشريعة الإسلامية التي يعتبرها كاتب التحقيق: “أدلجة للمجتمع”؟!

جملة من خلط المفاهيم التي تمزج بين الأيديولوجيا وبين الدين وبين التدين الشعبي وعقائد الناس، وبين التوجه الحزبي والتعليم الجامعي دون أي فصل أو تمييز، فكل ما لا يتقفون معه اسمه “أدلجة للمجتمع” وكفى!

15% فقط من يتبعون مشروع الهيئة في الجامعة!

ولعل أبرز مزاعم هذا التحقيق الطويل أن كاتبه قال إنه أجرى استبياناً استطاع بموجبه أن يقسم طلاب جامعة إدلب إلى ثلاثة شرائح:

  • شريحة تريد سلتها بدون العنب: يركزون على العملية التعليمية ونيل الدرجات المطلوبة ثم التخرج، وتبلغ نسبة أفراد هذه الشريحة 60%.
  • شريحة الطلاب أصحاب الفكر السياسي والاجتماعي: نسبتهم 25%.
  • شريحة الطلاب المنتسبين لهيئة تحرير الشام أو يحملون فكرها ويؤمنون بمشروعها بعيداً عن الأفكار الوطنية والمشروع الوطني: يدافعون عن الهيئة ومشروعها في نقاشات القضايا العامة، وتبلغ نسبتهم 15%.

المعروف أنه مرفوض علميا الحديث عن نتائج كهذه دون تحديد الملامح العامة للشريحة العشوائية المشاركة في الاستبيان، ودون نشر ورقة الاستبيان لإشراك القارئ أو الباحث في معرفة طبيعة الأسئلة التي طرحت على العينة المشاركة والتي أفرزت هذه النتائج والأرقام، وهل كانت أسئلة تلقينية أو إيحائية أم موضوعية علمية؟!

 لا ينشر الموقع إذاَ ورقة الاستبيان الذي قيل أنه شمل خمسين شخصا فقط، بل يدعونا للتسليم بالنتائج فقط!  

ولكن حسناً إذا تجاوزنا عن هذا العيب العلمي في هذا التحقيق، وسلمنا جدلا بأن ورقة الاستبيان كانت سليمة وأسئلتها موضوعية تقود إلى نتائج دقيقة في توصيف الواقع، فإن النتائج تقول أن هناك (85%) من الطلاب الذين لا يؤمنون بمشروع الهيئة ولا يمكن أن ينضووا تحت لوائها إما لأنهم يريدون “سلتهم بلا عنب” كما قال التحقيق، أو لأنهم “أصحاب فكر سياسي واجتماعي” أي مؤدلجين ولكن بأيديولوجيا مختلفة عن الهيئة… إذن فأين المشكلة؟ هل مشكلة التحقيق ان هناك 15% فقط يناصرون مشروع الهيئة؟ وإذا كانت هذه نسبتهم فقط، فهذا يعني أنه لا يوجد “أدلجة للفكر” ولا من يحزنون… وأن الهيئة لم “تنسل” في جامعة إدلب كما يقول عنوان التحقيق المرتبك الذي لا تعرف ما هو المقصود بكلمة “تنسل” هل خجلوا من استخدام كلمة “تندس” عوضاً عنها، كي لا يذكروا الناس بمصطلح المندسين الذي استخدمه إعلام النظام في بداية اندلاع الثورة؟!

مشاهدات طالب داخل الجامعة

والآن…. أجد نفسي محتاراً بين أن أتابع الرد على هذا التحقيق بلساني كناشط إعلامي أم بلسان طالب جامعي يعيش تجربة التعلم  في هذه الجامعة.  لكنني اخترت الرد كطالب جامعي  يفنذ ويعري ما تحدثوا به، كوني جزء من الطلاب الذين تحدث باسمهم هذا التحقيق.

في البداية تتميز جامعة إدلب بتنوعها الثقافي والفكري الذي يعكسه طلابها، حيث يجتمع فيها الشباب من مختلف الخلفيات والتجارب الحياتية، (نشطاء – إعلاميون –  تجار – عسكريون ……الخ)  مما يُشكل خليطاً فريداً من الأفكار والمعارف المستقاة من خلفيات مهنية وحياتية مختفلة، ويمكن أن نرى هذا التنوع الثري في المناقشات الأكاديمية والأنشطة الثقافية التي يشارك فيها الطلاب.

ومن الملاحظ أيضاً الفارق العمري الواضح بين الطلاب في كل سنة دراسية، حيث يجتمع الشباب من مختلف الأعمار والمراحل العمرية كطالب جلمعي مستجد في السنة الاولى عمره ١٨ سنة وطالب مستجد في السنة نفسها عمرو ٣٥ عاما، مما يضفي طابعاً مميزاً على الحياة الجامعية في إدلب. فهذا التنوع العمري يسهم في تبادل الخبرات والآراء بين الطلاب، ويثري البيئة التعليمية بمزيد من الديناميكية والتجدد. لم يكن الطلاب بمعزل عن الحراك الثوري المطالب بالإصلاح الإداري والاقتصادي والتشريعي لحكومة الإنقاذ لكن هذه المطالب لم تتجلَّ بما يتصوره كاتب تحقيق موقع تلفزيون سوريا،  بإقفال الجامعة وتوقف العملية التعليمة والخروج ببيانات سردية تحمل الكلام المنمق، إنما كانت بجلسات مع إدارة الجامعة والهيئة الطلابية التى اوصلت الاصوات والمقترحات لوجهتها الصحيحة

أما هنا سأنتقل إلى كاتب التحقيق الذي يزعم بأن وجود طالب يتبع للهيئة يعطيه حضورا مميزا وأفضلية وسبقاً في كل شيء، بينما – حسب تجربتي في الجامعة – على العكس تماماً، الأفضلية تكون للطلاب المتمزين والأوائل وتعود للمستوى الذي يظهر عليه الشخص أمام زملائه ومدرسيه، وأنا خلال انتقالي للدراسة ضمن كليتين مختلفتين، فلم أجد أحدا من الكادر الإداري والتدرسي يخاف او يهاب احد طلابه، لـنه عسكري او يتبع لجهة معينة كما يزعم هذا (البطل)

أما مزاعمه بأن كوادر الهيئة الطلابية منتقون، فلم أعرف من أين حصل عليه وعلى ماذا يستند في اتهامه…  فهل اللجان الانتخابية بكل كلية هم “كومبارس” أو من الفضاء ليعلنوا غير الأسماء التي قمنا بانتخابها؟!!

أما أفكاره عن التهجم على الجامعات الأخرى، فلم أر هذا الأمر شخصيا، ولا أدري ما الفائدة من طرحه إذا كانت هناك بعض الحالات الفردية الشاذة… وهل دور الإعلام تعميق الخلافات بين الناس وتضخميها؟ على العكس لدينا مجموعة اسمها “ملتقى طلاب الهندسة” تضمن عددا كبيراً من طلاب الجامعات الهندسية بحلب، ‘لا اذا كان يتحدث عن مجموعات من وحي خياله الخصب

دس السم في العسل

الغريب أن كاتب التحقيق أنكر علينا ٤ مواد شرعية منها السيرة النبوية الشريفة وفقه العبادات والعقيدة الاسلامية والتيارات الفكريه وشبه وجودها بدسم السم بالعسل  اما نحن منقول عنها انها عسل طبيعي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل شكك ايضا بالاغلبيه السنية لسكان سوريا  والظلم الذي كان يعتريها قبل الثورة… وهو أمر مفهوم مادام الموقع الذي سينشر فيه هو تلفزيون سوريا!  

وأنكر علينا مناقشة أخطار: الإلحاد، النسوية، الإنسانوية، الشذوذ، التفاهة…  للصراحة لم أتعجب من إنكاره لأنه يعمل ضمن هذا التلفزيون الذي يجري حورات عن  المساكنة والنسوية والجندرة ووحدة الأديان، ويعتبر الحجاب حرية شخصية بما يخالف قيم وعادات المجتمع السوري، ويخصص زوايا عديدة لنقل أخبار فناني النظام واستضافتهم ويدفع الأموال لشراء وعرض أعمالهم التي يقول عنها السوريون إنها مجرد نقل لأخبار التفاهة والتافهين.

أما بالنسبة لكتاب التيارات الفكريه الذي نسبه لـ (عبد الرحيم عطون) عضو الهيئة العليا للإفتاء، فالرجل ليس بالخجل. إنه يقول هذا الكتاب لي.. وهذا ليس بمقام الدفاع عنه، فقد اخترع الكاتب تهمة بينما اسم الكاتب موجود على الكتاب…  

أما تعجبه لوجود مدرسين موالين للهيئة، فهذا لأنهم يحملون شهادة الدكتوراه ومؤهلون علمياً لممارسة دورهم التدريسي. الفضيحة عندما تجد مدرسا لا يحمل شهادة أو سيرة علمية تؤهله للتدريس.  وبما أن كاتب تحقيق موقع تلفزيون سوريا، يتهم جزافأ، وينشر في موقع ليس فيه من يقرأ ويدقق ويمحص أو يمتلك ثقافة للتقييم، فسأقول لك أن ضمن كليه الحقوق يوجد عدد من المدرسين المناهضين لأفكار الهيئة وهم على رأس عملهم، أما قول هذا (البطل) بأن طلاب  العلوم السياسية هم فقط من الهيئة وخريجي معهد الإعلام فهذا لا يمكن وصفه إلا بـ “البهتان” أي الكذب الذي يبهت سامعه ويدهشه…  لأن الكثير ممن أعرفهم يدرسون ضمن هذه الكلية ليسوا من الهيئة ولا الحكومة ولا من خريجي الإعلام… وهذه السجلات موجودة.

النتيجة: إرادة ربانية تفشل خطط الهيئة!

باختصار، يُظهر ” تلفزيون سوريا ” أنه ليس سوى طبقة رقيقة من الرماد تحتاج إلى تنظيف عميق. إنه ليس إلا تجسيدا للتشبيح والتمييع الذي يفرضه نظام الأسد، يحاول من خلاله الحفاظ على سيطرته الفاشلة على الإعلام والثقافة… وبالتأكيد هم أحرار أن يكونوا هكذا لكن يجب علينا كأشخاص يفترض أن هذا التلفزيون يتوجه لنا، رفض هذه الميوعة وهذه الرمادية السامة بحجة استيعاب الجميع، بما في هؤلاء “الجميع” أمثال أندريه سكاف الذي جاء فصور حلقة من برنامج طبخ لديهم، وقبض ما فيه النصيب، ثم عاد ليقول أنه سخر من التلفزيون وأخذ أجرا لم يأخذه أحد قبله.  

أخيراً أود أن أتوقف عند أطرف الشهادات التي أوردها الموقع لدعم وجهة نظره في تحقيقه الاتهامي المطول، وسأنقل المقطع حرفياً:

“أحد مصادر موقع تلفزيون سوريا الرافضة لفكر الأدلجة من داخل كوادر الجامعة اختصر ما يحدث بالقول: “هذه الأفكار والوسائل الموجهة للطلبة كفيلة بتخريجهم ككوادر في هيئة تحرير الشام واستلام مهامهم في الدفاع عنها والترويج لمشرعها على الفور، لكن هناك إرادة ربانية تحول دون ذلك”

انتهى الاقتباس الذي يؤكد لنا بعد كل ما بذله كاتب التحقيق الحصيف من جهد في الكتابة والتقصي وإجراء الاستبيانات والمقابلات، واستنباط الاتهامات، وتحليل الذرائع والكشف عن النوايا، أن الإرادة الربانية  تحول دون أن تفرض هيئة تحرير الشام “فكر الأدلجة”!!!!

 حكمتك يارب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى