هآرتس تكشف: قطر والنفوذ السياسي لحماس بعد الـحرب
بقلم: تسفي برئيل
“لا يتوقع استمرار الأمور كما هي العادة مع حماس”، أوضح وزير الخارجية الاميركي، انطوني بلينكن، اثناء زيارته إلى قطر في 13 تشرين الاول/ أكتوبر الماضي. إلى جانب بلينكن وقف في حينه رئيس حكومة قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي لم يكن بحاجة الى توضيحات كثيرة. تحذيرات بلينكن القوية، رغم أنها قيلت بشكل عام، وتم توجيهها لكل من له علاقة بحماس، فقد تم إطلاقها بشكل محدد تجاه الدوحة.
رئيس حكومة قطر تلوّى. عندما سئل إذا ما كانت دولته ستتوقف عن استضافة قيادة حماس أو اقامة علاقات مع حماس، أجاب آل ثاني: “طالما أننا نحافظ على اتصالات مفتوحة وننشغل في إنهاء هذا النزاع، وهذا أمر مفيد، فإننا الآن نركز على ذلك”. حتى الآن “الاتصالات المفتوحة” لقطر مع حماس هي الأمل الوحيد تقريبا لإجراء مفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين. هي تعتمد على سنوات من المساعدة والدعم القطري لحماس، التي بدأت قبل فترة طويلة من سماح إسرائيل للدوحة بتحويل الأموال لحكومة حماس في غزة.
قطر تعرف بشكل جيد حجم الضغط الممارس على الإدارة الأميركية من أجل الطلب من قطر قطع علاقتها مع حماس. مثلا، قبل يوم على زيارة بلينكن في قطر طلب عضو مجلس النواب (ماكس ميلر)، النائب الجمهوري من أوهايو: “ملاحقة حلفائنا، مثل قطر، والطلب منهم طرد مخربي حماس”.
في الدوحة يذكرون جيدا الحصار الذي فرضته عليها السعودية والبحرين ومصر واتحاد الامارات في 2017، الذي طلب منها مقابل رفعه، قطع علاقتها مع ايران وإغلاق قناة “الجزيرة” والتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية. ولكن بعد أربع سنوات، رغم أن قطر لم تطبق أي طلب، تم رفع المقاطعة عنها وعادت الى الحضن العربي. قيادة حماس فهمت حينها بأن الملجأ الآمن لها في قطر سيستمر في خدمتها.
ماذا سيحدث بعد الحرب
السؤال ماذا سيحدث للعلاقة بين قطر وحماس بعد الحرب؟
في الوقت الذي تستمر فيه الحرب بكامل القوة، يظهر كسؤال سابق لأوانه، لاسيما على خلفية الافتراض بأنه عند انتهاء الحرب لن تكون حماس موجودة ككيان عسكري وسياسي في القطاع. ولكن حماس ليست خلية مخربين بحيث أن تصفيتها ستزيل تهديدها. فهي لها بنى تحتية عسكرية وسياسية في لبنان، وشركات استثمارية في تركيا، وممثلية في ماليزيا التي فيها رجالها أيضا تدربوا.
استئناف العلاقات بين حماس وسورية التي قطعت في 2012 على خلفية مذابح نظام الأسد لأبناء شعبه، فتح أمام حماس خيارا آخر للتمركز. ستوافق إيران بالتأكيد على استضافة قيادة حماس إذا قررت قطر الاستجابة للضغط الاميركي. في مجلس النواب تم تمرير مشروع قانون يمكّن من فرض عقوبات على الدول التي تساعد تنظيمات مثل حماس والجهاد الاسلامي، وفي هذه الأثناء تتم مناقشة المشروع في مجلس الشيوخ. ولكن حتى لو تم تمريره فانه سيكون له تأثير قليل نسبيا على دول مثل سورية، التي هي في الأصل تخضع لعقوبات مشددة، أو إيران أو ماليزيا، التي أعلن رئيس حكومتها أنور ابراهيم بأن “الامر يتعلق بقانون من طرف واحد”، وأن بلاده ملزمة فقط بعقوبات مجلس الامن.
مسألة أخرى هي كيف ستتصرف تركيا، التي وافقت على إبعاد قيادة حماس من أراضيها في إطار استئناف علاقاتها مع إسرائيل. ولكن حتى الآن يوجد فيها ممثلون لحماس وقد حصلوا أيضا على الجنسية التركية. التصريح الغض لرئيس تركيا بأن حماس ليست منظمة إرهابية، بل حزب سياسي فاز في الانتخابات في 2006، يمكن أن يدل على نواياه.
تركيا وقطر حساستان جدا للعقوبات الاميركية أكثر من أي دولة أخرى في دائرة المؤيدين لحماس. ولكن أردوغان لا يطبق حتى العقوبات الاميركية التي فرضت على روسيا بسبب الحرب في اوكرانيا، وقد تجاوز في السابق العقوبات على ايران. أيضا قطر، مثل دول الخليج الاخرى، لا تطبق عقوبات الولايات المتحدة على روسيا. ولكن حقيقة أنها تستضيف القاعدة الاكبر للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وملف الاستثمارات الضخم لها في الولايات المتحدة وفي الدول الغربية بشكل عام، وبسبب أنها احدى الدول المهمة المزودة للغاز، فانها يمكن أن تشكل الكابح أمام العقوبات.
السؤال الذي سيطرح أولا هو: هل الولايات المتحدة سترغب أو ستستطيع القيام بالخطوة الاخرى وتنقل القاعدة العسكرية الى دولة اخرى، اذا استمرت قطر في توفير الملجأ لحماس؟
في الوقت الذي تستخدم فيه قطر كقاعدة لقيادة حماس السياسية؛ فإن لبنان هي القاعدة العملياتية الأفضل التي تتوفر الآن لحماس وللجهاد الاسلامي. سواء بسبب قرب لبنان من الحدود مع إسرائيل، أو بسبب القدرة على مهاجمتها بشكل مباشر. ولكن نشاطاتهم في لبنان تخضع للتنسيق مع حزب الله، الذي اعتباراته ليست بالضرورة تشبه اعتباراتهم. هذا ما يتبين حتى الآن من الحجم المحدود لمشاركته في “وحدة الساحات”.
من فتح لاند الى حماس لاند
في العام 1969 تم التوقيع على “اتفاق القاهرة” بين ياسر عرفات وقائد الجيش في لبنان، اميل بستاني، وهو الاتفاق الذي فرضه الرئيس المصري جمال عبد الناصر. سمح هذا الاتفاق للفلسطينيين بحمل السلاح والمشاركة في نضالهم الوطني ضد اسرائيل من داخل لبنان. هذا كان الاساس لاقامة “فتح لاند” في لبنان، لكن في العام 1987 قام الرئيس امين جميل بالغائه.
سيكون من الخطأ الافتراض بأن حزب الله، مع كل تعاطفه مع المشكلة الفلسطينية ودعمه لحماس والجهاد الاسلامي، سيسمح باقامة “حماس لاند” على حدود اسرائيل، بصورة ستأخذ من يده احتكار استخدام السلاح ضدها وتقوض الوضع الراهن الهش في لبنان الذي يسعى حزب الله الى توجيهه لصالحه. تحويل لبنان الى ساحة عمل للفلسطينيين ضد اسرائيل سيهز أسس استراتيجية المنظمة الشيعية التي تطرح نفسها كمنظمة وطنية تطبق معادلة الردع مع اسرائيل لاسباب لبنانية – ليس لاسباب اجنبية، ايرانية أو فلسطينية.
لكن حماس ما زال يمكنها لعب دور مهم في السياسة الفلسطينية داخل لبنان بصورة يمكن أن تؤثر على السلوك السياسي الفلسطيني في الضفة وفي غزة وفي شرقي القدس؛ حتى المبادرة من هناك لتنفيذ عمليات ضد اسرائيل. يصعب تقدير تأثير الحرب على دعم الجمهور الفلسطيني لحماس الآن، وعلى الدعم الذي يمكن أن تجنده في المستقبل.
لكن عندما تتحدث أو تكتب جهات رفيعة في فتح، من بينهم من تولوا مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية مثل رئيس الحكومة السابق سلام فياض، عن اليوم التالي للحرب فانهم لا يستبعدون فرضية أن حماس أيضا ستكون لها مكانة ودور في تشكيل النظام السياسي المستقبلي في رام الله. حسب رأيهم فان م.ت.ف والسلطة الفلسطينية مجبرة على إجراء اصلاحات هيكلية وفكرية من أجل أن تتمكن من خدمة المصالح الفلسطينية – من أجل ذلك يجب ضم كل الفصائل، من بينها أيضا حماس والجهاد الاسلامي، كي يتمكنوا وبحق من التفاخر بلقب “الممثل الحصري” للشعب الفلسطيني، وهذه ليست أفكارا جديدة.
من المهم التذكر بأن مروان البرغوثي، السجين في أسرائيل والذي يعتبر المرشح الطبيعي لقيادة م.ت.ف والوقوف على رأس السلطة الفلسطينية بعد محمود عباس، هو مقرب جدا من حماس. قبل سبع سنوات قام البرغوثي بصياغة وثيقة استراتيجية للتعاون السياسي مع حماس، التي من ناحيتها طالبت دائما باطلاق سراح البرغوثي في أي صفقة تبادل مع اسرائيل، وحتى أنه يمكن أن يخضع نفسه لقيادتها في اليوم التالي للحرب.
عن “هآرتس” الإسرائيلية