أرشيف المجلة الشهرية

كيف شوَّه فاروق اسليم مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون؟

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم

صدر كتاب (مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال) عن اتِّحاد الكتَّاب العرب في دمشق سنة 2020، ويقع الكتاب في 345 صفحة من القطع المتوسِّط، وله غلاف خارجيٌّ من جهتيه: اليمنى واليسرى. وله غلاف داخليٌّ من الجهة اليمنى، وقد اختلف عنوان الكتاب الخارجيُّ من جهته اليمنى: (مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال)، تحقيق وتحرير وتقديم: فاروق اسليم عن عنوانه الدَّاخليِّ من جهته اليمنى أيضًا، فكان العنوان الدَّاخليُّ أكثر تفصيلًا: (مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال في أعوام: 1919 و1920 و1921 و1926 و1937 و1938 و1945، الشَّيخ يوسف السَّعدون قائد المنطقة الأولى في ثورة الشِّمال 1892-1980)، تحقيق وتحرير، وتقديم: الدُّكتور فاروق اسليم، وقد صمَّمت غلاف هذا الكتاب، أو أخرجته فنِّيًّا: وفاء السَّاطي، ووضعت مصمَّمة غلاف المذكَّرات مع محقِّقها صورة كبيرة للشَّيخ يوسف السَّعدون صاحب المذكَّرات على غلاف الكتاب، وأغفلا اسم الشَّيخ السَّعدون بوصفه مؤلِّف المذكَّرات وصاحبها، ولم يذكرا اسمه على الغلاف الخارجيِّ إطلاقًا؛ فبدا الكتاب كأنَّه مذكَّرات فاروق اسليم، لا مذكَّرات يوسف السَّعدون، وفي هذه الطَّريقة من طُرق العَنونة تدليس لا يرضاه ذو علمٍ، برغم ادِّعاء المحقِّق اعتماده نهجَ المحقِّقين، واستعانته بزميله حفيد السَّعدون المهندس البعثيِّ محمَّد فادي السَّعدون للتَّقديم لهذا الكتاب، وقد عيَّن حزب البعث هذا المهندس محافظًا على مدينة إدلب بعد خروجها عن سيطرة النظام خلال الثَّورة السُّوريَّة الَّتي انطلقت ضدَّ بشَّار الأسد في آذار 2011.

بداية الاهتمام بمذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون

قدَّم الحفيد محمَّد فادي السَّعدون لهذا الكتاب بمقدِّمة، جاءت في ثلاث صفحات، وروى محمَّد فادي السَّعدون أنَّ أسرة السَّعدون في ختام دورة الشِّيخ يوسف السَّعدون -وهي الدَّورة الثَّانية من مهرجان إبراهيم هنانو- “توجَّهت إلى السَّادة الدُّكتور فاروق اسليم، والدُّكتورة الباحثة في معهد دراسات الشَّرق الأدنى في بيروت نادين المعوشيّ، وهي أكاديميَّة فرنسيَّة من أصول لبنانيَّة، والدُّكتور عمَّار السَّمر الباحث في مركز الوثائق التَّاريخيَّة بدمشق، ومعاون مدير المركز للقيام بتحقيق هذه المذكَّرات وتحريرها، والتَّقديم لها بما يرونه مناسبًا من الدِّراسات حولها، غير أنَّ ظروفًا مختلفة حالت دون مشاركة الدُّكتورة نادين المعوشيّ، والدُّكتور عمَّار السَّمر في إنجاز هذا العمل، الَّذي أضحى جاهزًا للنَّشر بعد تحقيقه، وتحريره، والتَّقديم له بأكثر من دراسة من قبل الدُّكتور فاروق اسليم، فله شكرنا مع رجائنا بأن يُحقِّقَ نشرُ هذا الكتاب الغايات المرجوَّة منه…”، فهل كان لفاروق اسليم منهجيَّة علميَّة في تحقيق هذا الكتاب وتحريره؟ هل وضع فاروق اسليم اسم الشَّيخ يوسف السَّعدون صاحب المذكَّرات  وكاتبها على غلاف الكتاب؟ هل حذف شيئًا منها؟ وهل حقَّق غاياته المرجوَّة من نشر هذه المذكَّرات؟ ستجيبنا منهجيَّة فاروق اسليم عن هذه الأسئلة!

من هو فاروق اسليم؟

يُعرِّفُ الموقع الرَّسميُّ لاتِّحاد الكتَّاب العرب فاروق اسليم، بأنَّه من مواليد مدينة إدلب سنة 1953، وحاصل على الدُّكتوراه في الأدب العربيِّ، عندما كان في الثَّانية والأربعين من عمره سنة 1995، وكانت أطروحته بعنوان: “الانتماء في الشِّعر الجاهليِّ”، ويذكر الموقع الرَّسميُّ لجامعة حلب أنَّ فاروق اسليم عُيِّن فيها سنة 1996؛ أي بعد حصوله على الدُّكتوراه مباشرة، عندما كان اسليم في الثَّالثة والأربعين من عمره. وقد شغل منصب مدير جامعة حلب (فرع إدلب، الَّذي صار جامعة مستقلَّة في ما بعد) بين (2012-2014)؛ أي خلال اندلاع الثَّورة ضدَّ حزب البعث والمجرم بشَّار الأسد، ثمَّ احتجز ثوَّار محافظة إدلب فاروق اسليم وأفرجوا عنه بعد ذلك؛ ليرجع إلى مدينة حلب، ويبدأ بالمجاهرة بتأييد الأسد، من خلال نشاطه التَّنظيميِّ في حزب البعث، وينتقد دعم الغرب (الإمبرياليِّ بحسب توصيفه) للثُّوَّار ضدَّ المجرم بشَّار الأسد، ويدعو شباب سوريا للعودة إلى (تحت سقف الوطن) مع أنَّ أبناء فاروق اسليم ذاتهم يتابعون دراستهم في أمريكا وبريطانيا.

من هو الشَّيخ يوسف السَّعدون؟

وُلد الشِّيخ يوسف بن محمَّد بن يوسف السَّعدون سنة 1892 في قرية تليل الشَّرقيِّ الواقعة على الضِّفَّة الغربيَّة لنهر العاصي، بين قريتي التُّلول، وجسر الحديد شمال إدلب في مدينة سلقين على الحدود السُّوريَّة التُّركيَّة. حارب في البصرة جنوب العراق ضدَّ القوَّات الإنكليزيَّة، خلال الحرب العالميَّة الأولى بين 1914-1918، واستقرَّ في قريته تليل الشَّرقيِّ، بعد انتهاء الحرب العالميَّة الأولى مدَّة وجيزة، ثمَّ تسلَّم قيادة المنطقة الشِّماليَّة الأولى في ثورة إبراهيم هنانو، وشارك وقاد كثيرًا من المعارك ضدَّ الفرنسيِّين شمال سوريا في كلٍّ من حارم، وسلقين، وكفرتخاريم، وجبل الزَّاوية، وريف حلب الغربيِّ والجنوبيِّ، وتنقَّل بين عينتاب، وأنطاكية، ثمَّ فرض عليه الفرنسيُّون الإقامة الجبريَّة في مدينة حلب، وظلَّ فيها حتَّى نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية سنة 1945، حيث انتقل بعد ذلك إلى إدلب، وقاد ثورة الاستقلال ضدَّ الفرنسيِّين في كلٍّ من إدلب، وكفرتخاريم، وجسر الشُّغور، ورجع إلى سلقين بعد جلاء الفرنسيِّين عن سوريا في 17 نيسان 1946، ومكث فيها حتَّى وفاته سنة 1980.

كيف استطاع فاروق اسليم نشرَ مذكَّراتِ السَّعدون بعد إهمالها؟

لم يهتمَّ حافظ الأسد (الأمين العامُّ لحزب البعث) بيوسف السَّعدون أو بمذكَّراته، برغم أهمِّيَّة السَّعدون بين قادة الثَّورة من المحاربين القدماء من ناحية أولى، وبرغم أهمِّيَّة مذكَّراته ذاتها من ناحية ثانية، وبرغم وصول حافظ الأسد إلى السُّلطة قبل عشر سنوات من وفاة السَّعدون من ناحية ثالثة، بل على العكس من ذلك، فقد همَّشَ حافظ الأسد السَّعدون ومذكَّراته معًا؛ بسبب ارتيابه من وجود الأخوان المسلمين في بيئة السَّعدون، وبين أحفاده من أفراد عائلته الثَّائرة أيضًا، وعلاوة على ذلك فقد زَّج حافظ الأسد باثنين من أحفاد يوسف السَّعدون في سجن تدمر، بتهمة الانتماء إلى الأخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه رفع من قيمة علي العلي (حفيد الشَّيخ صالح العليِّ من قرية الشَّيخ بدر في طرطوس)، وجعله نائبًا لعمَّار ساعاتيِّ رئيس الاتِّحاد الوطنيِّ لطلبة سوريا، وراح جنود البعث -مثل فاروق اسليم وغيره- من أساتذة الجامعات السُّوريَّة في (دمشق، وحلب، وحمص، واللَّاذقيَّة) يستقدمون علي العليِّ في كلِّ مناسبة؛ للإشراف مع الأساتذة البعثيِّين، وفرع حزب البعث على انتخاب أعضاء الهيئات الإداريَّة من طلَّاب الجامعة مطلع كلِّ عام، أو للحديث مع الأساتذة البعثيِّين عن الهويَّة والانتماء، وبعض القضايا المرحليَّة المهمَّة، وأدَّى فاروق اسليم (الأستاذ البعثيُّ في جامعة حلب، ومحقِّق مذكَّرات يوسف السَّعدون) مثل هذا الدَّور، فقد أشرف على تنظيم الفرق الحزبيَّة في جامعة حلب، في ذروة تقدُّم الثُّوَّار ضدَّ حكم حزب البعث والأسد سنة 2015، وأغرى بعض الطُّلَّاب باستلام رئاسة الفرق، والشُّعب الحزبيَّة مقابل تسجيلهم بين طُلَّاب الدِّراسات العليا، وتأمين المشرفين الأكاديميِّين لهم، وتعيينهم كمحاضرين في الجامعة، وبهذه الطَّريقة استطاع فاروق اسليم أن يرسل أبناءه للدِّراسة في أمريكا وبريطانيا، وهم في بلدان دراستهم حتَّى وقتنا الرَّاهن، برغم أحاديث فاروق اسليم البعثيَّة المستهلكة عن دور إمبرياليَّة أمريكا، وليبراليَّة الغرب الحديثة في دعم الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ المجرم بشَّار الأسد، ونظراً لجهود فاروق اسليم البعثيَّة الفريدة، (اُنتخب) في لجنة اتِّحاد الكتَّاب العرب المركزيَّة في دمشق، وتسلَّم رئاسة مجلَّة التُّراث العربيِّ فيها، وأشرف -بعد تنحية نضال الصَّالح، الَّذي حاربه ظاهريًّا- وما زال يشرف على تنظيم أنشطة الثَّقافة البعثيَّة في فروع اتِّحاد الكتَّاب العرب، لاسيَّما حلب وحماة وحمص ودمشق، وحافظ على تمديد عمله أستاذًا جامعيًّا بعثيًّا في جامعة حلب، برغم تجاوزه سنَّ السَّبعين، مع أنَّ بلوغ هذا السِّنِّ يُحيل كلَّ أستاذ جامعيٍّ إلى التَّقاعد القانونيِّ، إلَّا إِنْ كان من المرضيِّين عنهم بعثيًّا، فإنَّه سيتمكَّن من مواظبة عمله الرَّسميِّ أو الحصول على عمل في موقع آخر.

قصَّة مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون وأصلها

كان الشَّيخ المجاهد يوسف السَّعدون قائدًا لثُّوَّار المنطقة الشِّماليَّة الأولى ضدَّ (الاحتلال/الانتداب) الفرنسيِّ في سوريا، وشارك في المعارك ضدَّ الفرنسيِّين شمال غرب سوريا، على مدى سبعة وعشرين عامًا من 1919 حتَّى 1946، وكان يكتب مذكَّراته عن الثَّورة والقتال منذ احتلال الفرنسِّيين لسوريا، حتَّى جلائهم عنها في السَّابع عشر من نيسان 1946، وكان يصطحب معه دفترًا يسجِّل فيه كثيرًا من ملاحظاته على المعارك، بالإضافة إلى أسماء الشُّهداء وأسماء بلداتهم؛ ليستعين بالملاحظات في تسجيل المذكَّرات، وقد فُقد دفتر ملاحظات السَّعدون، ووصلتنا مذكَّراته، وفي سلامة هذه المذكَّرات شيءٌ ممَّا يعزِّى القارئ بعد فَقْدِ دفتر الملاحظات. وبعد جلاء الفرنسيِّين راح الشَّيخ يوسف السَّعدون يراجع مذكَّراته، ويكتب ما لم تسعفه ظروف المعارك على توثيقه، خلال مرحلة (الاحتلال أو الانتداب)، حتَّى كتب بخطِّ يده ما أسعفته ذاكرته، ودفتر ملاحظاته على استرجاعه من ذكريات أيَّام القتال أو مذكَّراتها، وبعد انتهائه من كتابة مذكَّراته بخطِّ يده في شهر آب/أغسطس سنة 1953، كُتبتْ هذه المذكَّرات على الآلة الكاتبة، وأودِعتْ نسخٌ أخرى منها في المتحف الحربيِّ، ومركز الوثائق التَّاريخيَّة، بالإضافة إلى النَّسخة الأصليَّة، الَّتي ظلَّت عند الشَّيخ المجاهد يوسف السَّعدون، واحتفظ بها أبناؤه وأحفاده من بعده.

وجدت الباحثة في تاريخ بلاد الشَّام الحديث الأكاديميَّة الفرنسيَّة- اللُّبنانيَّة نادين المعوشيّ في مذكَّرات يوسف السَّعدون أهمِّيَّة خاصَّة[1]، من حيث توثيق أجواء المعارك، وقيادة الثَّورة ضدَّ الفرنسيِّين خلال وجودهم في سوريا، فبدأت في مشروع تحقيق مذكَّرات السَّعدون سنة 2008، وزارت عائلته في سلقين، وحصلت على نسخة من مذكَّراته مع جملة من الوثائق الأخرى؛ لتشرع في دراسة هذه المذكَّرات وتحقيقها، وتوثيق أحداثها، ونشرها بالتَّعاون مع عمَّار السَّمر نتيجة لعمله الأكاديميِّ، بوصفه نائبًا لمدير مركز الوثائق التَّاريخيَّة في سوريا، وبعد سنة من جهد المعوشيِّ والسَّمر، انضمَّ فاروق اسليم إلى أعضاء الفريق، بعد لقائه بهم على هامش الدَّورة الثَّانية من مهرجان إبراهيم هنانو، الَّذي نُظِّم في مدينة إدلب يومي 22و23 تشرين الثَّاني/نوفمبر سنة 2009، وحملت دورته الثَّانية اسم يوسف السَّعدون عنوانًا لها، ونظَّمتها وزارة الثَّقافة السُّوريَّة بالتَّعاون مع محافظة إدلب، واللَّجنة الوطنيَّة لذاكرة الشِّمال السُّوريِّ، وفرع نقابة الأطبَّاء في إدلب، وقد تمنَّى فريق العمل أن يستفيد من فاروق اسليم في تقديم مراجعة لغويَّة لمذكَّرات السَّعدون، وتوثيق الشَّواهد الشِّعريَّة، وآيات القرآن الكريم المستخدمة في المذكَّرات، مع إدراك الفريق أنَّ أيَّ مدقِّقٍ لغويٍّ يمكن أن يقوم بمثل هذا النَّوع من التَّحرير، الَّذي لا يمكن أن يكون تحقيقًا، ولا يُغني عنه أبدًا، ولا تعدُّ دور النَّشر المدقِّقَ اللُّغويَّ شريكًا في التَّأليف، برغم إسهامه في ضبط لغة الكتاب، وشرح معاني بعض المفردات.

ثمَّ اشتعلت الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ حكم حزب البعث، وقائده المجرم بشَّار الأسد في آذار 2011، فأجَّلت المعوشيّ مع السَّمر إنجاز البحث، وتابع فاروق اسليم منهجيَّة حزبه؛ أي منهجيَّة حزب البعث في تدليس الحقائق، وسطا على جهود زميليه بدل الالتزام بواجبه الأخلاقيِّ، تجاه شريكيه صاحَبي المشروع الأساسيَّين، من حيث انتظار تحسُّن ظروفهم، وفي الحقيقة بسبب انتماء فاروق اسليم لحزب البعث، وانحيازه لقائده المجرم بشَّار الأسد لم يكن يستطيع الانتظار، فقد تُسفر الثَّورة عن الإطاحة بالمجرمين كلِّهم؛ لذلك انتهز الفرصة بطريقة مكيافيلليَّة، بعدما أفرج عنه ثوَّار الشَّمال السُّوريِّ في إدلب، وبعد عودة اسليم إلى مكان عمله في جامعة حلب، وخلال تنقُّله بين حلب ودمشق، اتَّصل بالمهندس محمَّد فادي السَّعدون حفيد الشَّيخ يوسف السَّعدون، وجنَّده-كما جنَّد غيره-في حزب البعث، وتقاسم على الورق معه حُكْمَ محافظة إدلب، فعيَّنَ حزب البعث محمَّد فادي السَّعدون محافظًا لمدينة إدلب، مع أنَّ هذه المدينة محرَّرة، وليس لحزب البعث فيها أيُّ سلطة أو نفوذ، ثمَّ أعمل فاروق اسليم مبضَعه، ومخيِّلته البعثيَّة في مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون ووثائقه، وأخرجها مشوَّهة دون أن يعلِّق عليها، أو يقارن رواية أحداثها وأخبارها بروايات أخرى، لدى معاصريها من أصحاب المذكَّرات، الَّذين أرَّخوا لهذه الأحداث، أو كتبوا رواياتهم عنها، ودون أن يقارنها بما جاء في الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ؛ حتَّى تغدو هذه المذكَّرات مرجعًا مهمًّا في كتابة تاريخ سوريا الحديث في مرحلة ما بين الحربين العالميَّتين: الأولى والثَّانية، ومن المضحك أن يعتمد فاروق اسليم على كتاب آصف شوكت: (الثَّورات السُّوريَّة بين 1918-1921 في المنطقتين السَّاحليَّة والشِّماليَّة الغربيَّة) في تحقيقه المزعوم، وآصف شوكت هو زوج بشرى بنت حافظ الأسد، ويعرف الجميع أنَّ حافظ الأسد، وصهره آصف شوكت ناقمان أساسًا على آل السَّعدون!

ويبدو لي أنَّ فائدة كتاب آصف شوكت، كانت في التَّعبير عن انتماء فاروق اسليم لحزب البعث، وولائه لقائده المجرم بشَّار الأسد أكثر منها في تحقيق المذكَّرات ذاتها، إلَّا من ناحية إنشاء الكلام حول هذه المذكَّرات من ناحية أولى، وَلَيِّ عنُقها أو تقويلها ما لم تقله من ناحية ثانية، حيث اقتبس فاروق اسليم في مقدَّمته على مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون من كتاب آصف شوكت، فقال: [وممَّا يشير إلى ذلك محاولة] (ثورة الشَّيخ صالح العليِّ، وثورة هنانو الحصول على الدَّعم من تركيا، بدعوى إحياء التَّضامن الدِّينيِّ بين الأتراك والعرب ضدَّ العدوِّ المشترك)[2]، ونحن نعلم من خلال مقارنة مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون بكتاب (ثورة الشَّيخ صالح العليِّ) لعبد اللَّطيف اليونس، أنَّ الشَّيخ يوسف السَّعدون اشتكى من تقصير الملك فيصل، وأخيه الأمير زيد في دعم ثورة الشَّيخ يوسف السَّعدون، بينما أكَّد عبد اللَّطيف اليونس إغداق الملك فيصل أمواله على الشَّيخ صالح العليِّ[3].

توصيف أصل المذكَّرات، ومصادر الشَّيخ يوسف السَّعدون

تحوَّلت مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون المكتوبة بخطِّ يده إلى مسوَّدة أو نسخة أصليَّة، يُستفاد منها بمقارنتها بنسخة المذكَّرات المكتوبة، بوساطة الآلة الكاتبة في 85 صفحة، تحوي كلُّ واحدة منها 46 سطرًا، ويحوي السَّطر الواحد حوالي 19 كلمة؛ أي تضمَّ الصَّفحة الواحدة من صفحات المذكَّرات الأصليَّة حوالي أربع صفحات من صفحات الكتب المنشورة بأبعاد القطع المتوسِّط في وقتنا الرَّاهن، وقد سبق هذه المذكَّرات ثلاث صفحات، أشار الشَّيخ يوسف السَّعدون في الصَّفحة الأولى منها إلى انتهائه من تدوين مذكَّراته في الثَّاني من آب/أغسطس 1955، بعد تدقيقه مسوَّدة النُّسخة الأولى الَّتي أنجزها في آب 1953، وكتب فيها ترجمة له، أو تعريفًا عنه في حدود ستَّة أسطر، وكتب في الصَّفحتين بعد النَّبذة التَّعريفة فهرسًا تضمَّن عناوين تلك المذكَّرات.

جمع الشَّيخ يوسف السَّعدون مادَّة مذكَّراته من مشاهداته في المعارك الَّتي خاضها، ومن روايات أصدقائه الَّذين رووا له بعض الأحداث المهمَّة، الَّتي دارت في أماكن لم يكن حاضرًا فيها؛ بسبب انشغاله بالمعارك أو التَّحضير لها، بالإضافة إلى اقتباس السَّعدون، أو نقله من كتابات منير الرَّيِّس، ومذكَّرات نجيب عويَّد، وهي مذكَّرات مهمَّة ما تزال مفقودة حتَّى وقتنا الرَّاهن.

منهجيَّة فاروق اسليم في التَّدليس وتشويه المذكَّرات

أشار فاروق اسليم في تقديمه للمذكَّرات، بعد كلمة المهندس محمَّد فادي السَّعدون بوصفه حفيد الشَّيخ، وممثِّل أسرة السَّعدون، وتحدَّث تحت عنوان ما قبل هذا العمل قائلًا: إنَّه أرسل إلى كلٍّ من الدُّكتور السَّمر، والدُّكتورة المعوشيِّ نسخة إلكترونيَّة من عمله المنجز، في ما يخصُّ تحقيق النَّصِّ، وتحريره بعد أن زوَّده الدُّكتور السَّمر بمسوَّدة مذكَّرات السَّعدون، وزوَّدته الدُّكتورة المعوشيّ بنسخة إلكترونيَّة من المذكَّرات، سقط منها سهوًا، أو أُسقطت منها عمدًا الصَّفحتان (55-56)، مقارنة بالنُّسخة المعتمدة لدى فاروق اسليم، ويقول اسليم: (فاستكملت به العمل، وجعلتُ ما كتبه الشَّيخ بيده لسدِّ هذا النَّقص في ملحقٍ خاصٍّ)[4].

اعترف فاروق اسليم في تقديمه لمذكَّرات يوسف السَّعدون، بإهمال حزب البعث الحاكم هذه المذكَّرات، وأشار إلى عدم اهتمامه بها إلَّا (ببحوث يسيرة قدَّمها المشاركون في مهرجانَي الزَّعيم إبراهيم هنانو بإدلب عامي 2008 و2009).

أشاد فاروق اسليم بجهود (الباحث، وعضو خليَّة الأزمة المكلَّفة بقمع ثورة السُّوريِّين ضدَّ حزب البعث، والمجرم بشَّار الأسد) آصف شوكت، واهتمامه الكبير بمذكَّرات يوسف السَّعدون في كتابه (الثَّورات السُّوريَّة 1918-1921 في المنطقتين السَّاحليَّة والشِّماليَّة الغربيَّة: دراسة تحليليَّة سياسيَّة وعسكريَّة)، مع أنَّ آصف شوكت لم يحقِّق هذه المذكَّرات ولم ينشرها، بل لم تسلك هذه المذكَّرات طريقها إلى النُّور والنَّشر إلَّا بعد أن أعمل فاروق اسليم مبضعه البعثيَّ فيها.

اعترف فاروق اسليم خلال تقديمه لمذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون، وحديثه عن منهجه فيها ضِمنًا بدوره في ترويج أيديولوجيا حزب البعث المدمِّرة، من خلال دوره في التَّدليس والتَّجنيد لصالح حزب البعث، والتَّرويج لبعض مصطلحاته، مثل: (الأزمة السُّوريَّة بدلًا من الثَّورة السُّوريَّة)، ومصطلح: (تحت سقف الوطن)، وقال في مقدِّمة المذكَّرات: (في مطلع عام 2018 أقام مركز دمشق للأبحاث والدِّراسات-مداد مؤتمرًا بعنوان: (الهويَّة الوطنيَّة: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السُّوريَّة)، وكان لي شرف المشاركة بورقة بحثيَّة بعنوان: (الهويَّة الوطنيَّة السُّوريَّة: تحدِّيات التَّكوين والمآل شعبيًّا)، تضمَّنت وعيَ الزَّعامات الوطنيَّة الشَّعبيَّة، الَّتي حاربت الانتداب الفرنسيَّ (الشَّيخ صالح العليّ-الشَّيخ يوسف السَّعدون-سلطان باشا الأطرش-حسن الخرَّاط…)، لتكوين الهويَّة الوطنيَّة، فكان أن عدتُ من جديد إلى مذكَّرات الشَّيخ السَّعدون، ورأيتُ فيها مرجعًا رئيسًا لفهم الهويَّة الوطنيَّة، ودفعني ذلك إلى كتابة قراءة خاصَّة بوعي الهويَّة عند الشَّيخ السَّعدون، أضفتها إلى قراءتي القديمة عن ثقافته وأدبيَّة سيرته في المذكَّرات، مع توصيف لعملي في تحقيق هذه المذكَّرات وتحريرها)[5].

ونلحظ ههنا من عنوان محاضرة البعثيِّ فاروق اسليم تقديم اسم الشَّيخ صالح العليِّ على كلٍّ من أسماء: يوسف السَّعدون، وسلطان باشا الأطرش، وحسن الخرَّاط، مع أنَّ فاروق اسليم انطلق في هذا النُّوع من العمل من مذكَّرات السَّعدون نفسه، وبفضل مذكَّراته ذاتها أيضًا. ويبدو لنا في مثل هذا النَّوع من العنونة انحياز لعائلة المجرم بشَّار الأسد العَلَويَّة القريبة مذهبيًّا وطائفيًّا من الشَّيخ صالح العليِّ-الَّذي نقدِّر ثورته-بالإضافة إلى الانحياز الأيديولوجيِّ لشخص الشَّيخ صالح العليِّ، وحفيده علي العليّ المقرَّب من قيادة حزب البعث، على حساب الإخلاص ليوسف السَّعدون (القريب-البعيد) من فاروق اسليم تاريخيًّا وجغرافيًّا ومذهبيًّا، وقد تكشف مثل هذه العنونة-إذا استثنينا فرضيَّة خوف اسليم من عائلة الأسد المجرمة، أو رغبته بالتَّعاون معها-أنَّ الولاء للبعث عند فاروق اسليم مقدَّم على الأمانة العلميَّة، وعلى الولاء التَّاريخيِّ والجغرافيِّ والمذهبيِّ، ونحن نعلم أنَّ الهويَّة تتشكَّل من هذه العوامل مجتمعة (الجغرافية المشتركة، الدِّين المشترك، التَّاريخ المشترك، العرق المشترك)، مع اختلاف ترتيب هذه العوامل، وأهمِّيَّتها من باحث إلى آخر بين المنظِّرين في الهويَّة والولاء والانتماء.

وقد رجعتُ إلى كتاب (ثورة صالح العليِّ) الصَّادر عن وزارة الثَّقافة والإرشاد القوميِّ، ودار اليقظة العربيَّة سنة 1960 لمؤلِّفه: عبد اللَّطيف اليونس، ووقفتُ على آراء مهمَّة لمؤلِّف الكتاب، يسمِّي فيها ثورة الشَّيخ صالح العليِّ -دون حَرَج- بالثَّورة العَلَويَّة في موطن، ويشكو من عدم وجود المستندات الَّتي توثِّق ثورته في موطن آخر، ويتحدَّث عن ثورة الشَّيخ صالح العليِّ ضدَّ العثمانيِّين، ثمَّ انكفائه عن الثَّورة ضدَّ الفرنسيِّين بعد مدَّة من القتال المدعوم من الملك فيصل إلى ما بعد 1930؛ أي أنَّ ثورة الشَّيخ صالح العليِّ كانت مدعومة من الملك فيصل ثمَّ انطفأت، أو أُخمدت بعد تنحية الملك فيصل عن حُكم سوريا، وبهذا تأخَّرت بعد ثورة الشَّيخ صالح العليِّ عن ثورة الشَّيخ يوسف السَّعدون أكثر من عشر سنوات، وأنَّ الشَّيخ صالح العليَّ كان إقطاعيًّا، ولم يكتب مذكَّراته؛ ولذلك -من وجهة نظري- لا يوجد أيُّ تبرير منطقيٍّ لدى فاروق اسليم-غير خوفه من آل الأسد، أو تعاونه معهم، أو انحيازه إلى الأيديولوجيا البعثيَّة، أو كلِّ هذه الأشياء مجتمعة-لتقديم اسم الشَّيخ صالح العليِّ في عنوان محاضرته، أو حشرِ كتاب آصف شوكت -صهر بشَّار الأسد الَّذي قُتل في حادثة خليَّة الأزمة – بين مصادر فاروق اسليم الَّتي اعتمدها في تحقيق مذكَّرات يوسف السَّعدون، فقال عبد اللَّطيف اليونس مؤلِّف كتاب ثورة الشَّيخ صالح العليِّ: (وممَّا يؤسَف له حقًّا ألَّا يكون في متناول اليد مستندات يوثق بصحِّتها، لتلك الثَّورة الكبرى [أي ثورة الشَّيخ صالح العليِّ ضدَّ الفرنسيِّين] في الوقت الَّذي توجد فيه مستندات كثيرة لثورات -ولا نقول لحركات- قليلة الأهمِّيَّة)[6].

 ملاحظات عبد اللَّطيف اليونس، وعناوينه هذه نُشرت في كتابه عن ثورة الشَّيخ صالح العليِّ سنة 1960، وهذا يدلُّ أنَّ هذا الكتاب منشور قبل وصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا، بعد انقلابه ضدَّ ناظم القدسيِّ في الثَّامن من آذار سنة 1963، وفي هذا الكتاب أكثر من إشارة تكشف عن دور فاروق اسليم في تشويه مذكَّرات الشِّيخ يوسف السَّعدون، فصاحب كتاب ثورة الشَّيخ صالح العليِّ -بخلاف البعثيِّ المؤدلج فاروق اسليم- لا يتحرَّج من تسمية ثورة الشَّيخ صالح العليِّ بأنَّها ثورة عَلَويَّة، ولم يُنكر أحدٌ أنَّ العلويِّين مكوِّن طائفيٌّ مهمٌّ من مكوِّنات سوريا، فلماذا أعمل فاروق اسليم مبضعه وأيديولوجيَّته البعثيَّة في مذكَّرات (يوسف السَّعدون)، وحذف منها إشارات الشَّيخ يوسف السَّعدون إلى العَلويَّة أو النُّصيريَّة؟! ووفقًا لقراءة الأستاذ حسام جزماتي في مذكَّرات يوسف السَّعدون المنشورة (بتحقيق) فاروق اسليم، ومقارنته إيَّاها بأصلها وجد الأستاذ جزماتي أنَّ فاروق اسليم حذف في كتابه المطبوع أجزاء من مذكَّرات يوسف السَّعدون في خمسة مواضع، في الصَّفحات ذوات الأرقام: (53، 62، 195، 263، 321)، وقال جزماتي في نقد منهجيَّة فاروق اسليم: “هكذا. دون إشارة واضحة إلى الحذف في أماكنه، ولا إلى حجمه، ولا إلى طبيعة الأحكام المتسرِّعة الَّتي دفعته إلى مخالفة المعايير العلميَّة المعتمدة في نشر أيّ مخطوط”[7].

وقفة أخيرة

تحدَّث فاروق اسليم عن “منهجيَّته” في “تحقيق” مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون في اثنتي عشرة نقطة، قال فيها: إنَّه حافظ على عناوين المؤلِّف، وقسَّم كلامه الطَّويل إلى مقاطع، واستخدم علامات التَّرقيم، ووثَّق الآيات القرآنيَّة الكريمة، والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة، والأشعار والأخبار التَّاريخيَّة (عدا المشهور منها)، وشرح بعض عبارات الشَّيخ السَّعدون وأمثاله، وصحَّح أخطاءه النَّحويَّة والإملائيَّة، وحذف نُقول الشَّيخ يوسف السَّعدون الطَّويلة من كُتب الجهاد لعدم فائدتها بحسب رأيه، كما أغفل فاروق اسليم (في موضعين أو ثلاثة من المذكَّرات أحكام الشَّيخ يوسف السَّعدون المتسرِّعة والمتعصِّبة، ورأى أنَّ إغفالها أفضل من ذكرِها مع الإشارة إلى موضعها بما يُشير إلى الحذف)، وأثبت اقتباسات الشَّيخ يوسف السَّعدون من منير الرَّيِّس حول الزَّعيم إبراهيم هنانو.

يبدو لنا دور فاروق اسليم القياديِّ الواضح في الدِّفاع عن أيديولوجيا حزب البعث والتَّرويج لها، برغم تناقض هذه الأيديولوجيا مع أمانة التَّحقيق والبحث العلميِّ، من خلال حذفه “أحكام الشَّيخ يوسف السَّعدون المتسرِّعة والمتعصِّبة”، وههنا تخلَّى عن دور المحقِّق، وصار خصمًا للشَّيخ سعدون وحكمًا عليه، وعلى شهادته ومذكَّراته في آن واحد معًا، وإن تجاوزنا عن هذه الخصومة، لا يبقى لفاروق اسليم شيء من التَّحقيق إلَّا ما يمكن توصيفه (بالتَّدقيق اللُّغويِّ) الَّذي تستعين عليه دور النَّشر المعاصرة بخبراء لغويِّين، أو مراجعين يراجعون مخطوطات كُتبها قبل نشرها. والتَّدقيق اللُّغويُّ شيء مختلف تمامًا عن أمانة التَّحقيق، والبحث العلميِّ الرَّصين، فكم نشر المحقِّقون الشُّرفاء والباحثون الأنقياء، آراء لا يؤمنون بها لكثير من خصومهم الَّذين يختلفون معهم، بخلاف ما فعله فاروق اسليم، الَّذي تخلَّى عن أساسيَّات كثيرة في أبجديَّات التَّحقيق الرَّصين، والبحث العلميِّ الرَّزين، فلم يذكر -على سبيل المثال- اسم البحر العروضيِّ لأبيات الشِّعر في هذه المذكَّرات، ولم يصنع في نهاية المذكَّرات أيَّ فهرس من فهارس التَّحقيق، فكتاب المذكَّرات بصورته الرَّاهنة الَّتي نشرها اتِّحاد الكتَّاب العرب في دمشق سنة 2020 تخلو من فهرس مرتَّب أبجديًّا، أو ألفبائيًّا للأشعار والقوافي، وليس فيها أيُّ فهرس آخر للأعلام والأحداث والأمكنة، ولم يعرِّف القارئ الكريم بآصف شوكت، وعمله بوصفه شخصيَّة مشهورة، وقائد خليَّة الأزمة، ولم يتحدَّث لنا عن موته أو شهادته، بل اكتفى بتوصيفه باحثًا، واعتمد على كتابه عن الثَّورات في تحقيق مذكَّرات الشَّيخ يوسف السَّعدون، إلَّا أنَّ فاروق اسليم استسهل التَّحقيق، وحوَّله إلى شرح هزيل لبعض معاني المفردات، وتدقيق لغة البحث، فملأ هوامش الصَّفحات بمثل هذا الجهد الهزيل والمشوِّه معًا، وخلا تحقيقه من مقارنة رواية الشَّيخ يوسف السَّعدون بأيِّ رواية أخرى، لدى غيره ممَّن شهدوا واقعة من وقائع المذكَّرات، أو كتبوا عنها باب المذكَّرات، أو فنِّ التَّوثيق المشهور، لدى كثير من السُّوريِّين والفرنسيِّين الَّذين وثَّقوا جانبًا مهمًّا من هذه الأحداث في الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ.

___________________________________


[1] – قد تساعد هذه المذكَّرات على مقارنة رواية الثَّوَّار المكتوبة وملاحظاتهم بملاحظات جنرالات الجيش الفرنسيِّ وقاداته المدوَّنة في الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ.

[2] – مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال، الشَّيخ يوسف السَّعدون، تحقيق وتحرير وتقديم: فاروق اسليم، دمشق 2020، ص32. وقد نقل فاروق اسليم من كتاب: آصف شوكت: الثَّورات السُّوريَّة 1918-1921 في المنطقتين السَّاحليَّة والشِّماليَّة الغربيَّة، ص178، وكان النَّقل للتَّقديم للمذكَّرات وتقويلها لا لتحقيقها أو مقارنة أشياء مشتركه بين الكتابين.

[3] – نلحظ ازدواجيَّة المعايير عند الملك فيصل في دعم ثوَّار سوريا، وعلى سبيل المثال يعتب الشَّيخ يوسف السَّعدون على الملك فيصل وأخيه الأمير زيد من ناحية تقاعسهما في مساعدة ثورة الشَّيخ يوسف السَّعدون، يقول الشَّيخ يوسف السَّعدون: عن الأمير زيد: (أيفعل كما فعل سلفه ليفاوض العدوَّ للحصول على منصب يتسلَّمه أو على مادَّة تدرُّ على جيبه؟!)، يُنظر: مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال، ص 32 . وفي الوقت نفسه يتحدَّث عبد اللَّطيف اليونس صاحب كتاب (ثورة الشَّيخ صالح العليِّ) عن دعم الملك فيصل الكبير لثورة الشَّيخ صالح العليِّ بعد أن أوفد في منتصف تشرين الأوَّل 1919 ابن عمِّه الشَّريف عبد مصحوبًا ببعض السِّلاح والذَّخيرة، ويحمل رسالة خاصَّة إلى الشَّيخ صالح، (وعاد الشَّريف إلى دمشق بعد أن مكث في منطقة الثَّورة قرابة أسبوعين، ومن ذلك الحين بدأت الإعانات والإمدادات تصل إلى الشَّيخ باستمرار. ولم يغفل فيصل حتَّى عن إرسال القهوة والسُّكَّر والملابس والماشية للمجاهدين)، يُنظر: (ثورة الشَّيخ صالح العليِّ، عبد اللَّطيف اليونس، ص124.

[4] – مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال، الشَّيخ يوسف السَّعدون، تحقيق وتحرير وتقديم: فاروق اسليم، دمشق 2020، ص11.

[5] – مذكَّراتي عن الثَّورة والقتال، الشِّيخ يوسف السَّعدون، تحقيق وتحرير وتقديم: فاروق اسليم، دمشق 2020، ص12.

[6] – ثورة الشَّيخ صالح العليِّ، عبد اللَّطيف اليونس، منشورات دار اليقظة العربيَّة ووزارة الثَّقافة والإرشاد القوميِّ (مديريَّة التَّأليف والتَّرجمة)، ص11، دمشق 1960. وانظر الإشارة إلى (دور العلويِّين) في الثَّورة وتسميتهم بهذا الاسم في تقديم جميل ماميش للكتاب بعنوان (الشَّيخ صالح العليّ قائد الثَّورة العلويَّة)، ص4، وفي مقدَّمة الكتاب الأولى الَّتي كتبها إحسان الجابريِّ، وزعم فيها أنَّ صالح العليِّ أطلق الرَّصاصة الأولى ضدَّ الفرنسيِّين قبل ثورة الدُّورز بقيادة سلطان باشا الأطرش وثوَّار غوطة دمشق وثوَّار جبل الزَّاوية بقيادة إبراهيم هنانو، ص1-3. وكذلك يشكو مؤلِّف الكتاب عبد اللَّطيف اليونس من تخصيص سطور قليلة في مناهج التَّاريخ في المدارس السُّوريَّة للحديث عن الشَّيخ صالح العليِّ، ويترجم فصلًا من (الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ) عن ثورة السَّاحل، ويبدو الشَّيخ صالح العليِّ في هذه التَّرجمة عن الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ إقطاعيًّا يملك النُّقود الذَّهبيَّة، ويمارس نفوذه في اختيار عقداء الثَّورة أكثر من كونه قائدًا لها، ويبدو أنَّ المقاومة كانت مناوشات متفرَّقة في أعالي الجبال بسبب انتساب الكثير من شبَّان الجبل إلى جيش المشرق الفرنسيِّ بالإضافة إلى حديث المؤلِّف عن تعاون الإسماعيليَّة مع الفرنسيِّين؛ وفي المحصَّلة أُخمدت هذه (الثَّورة/المناوشات) في 12 تمُّوز 1921، واقتاد الفرنسيُّون الشَّيخ صالح العليِّ، ثمَّ عفوا عنه دون محاكمة مثل محاكمة إبراهيم هنانو بحسب ما نقله المؤلِّف عن الكتاب الذَّهبيِّ الفرنسيِّ؛ وبعد هذا نحن ههنا ندعو بدورنا إلى ضرورة إنصاف الشَّيخ يوسف السَّعدون وقادة الثُّوَّار في سوريا كلِّها للحديث عنهم في المناهج التَّعليميَّة.

[7] – مذكَّرات الشِّيخ يوسف السَّعدون ضحيَّة التَّسييس، حسام جزماتي، مقال منشور بتاريخ 10-05-2021، على الرَّابط: https://www.syria.tv/%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%B6%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D8%B3

من مقالات العدد الثالث عشر من (العربي القديم) الخاص بأدب المذكرات السياسية – تموز/ يوليو 2024

زر الذهاب إلى الأعلى