أرواح الكتّاب: من أزهار الحياة إلى المزابل والنفايات
أحمد برقاوي – العربي القديم
أنظر إلى الكتابة على إنها حضور روح الكاتب على الورق، مهما كان موضوعها. وروح الكاتب هي البنية المعرفية والثقافية ومستوى الذكاء الطبيعي الذي لا دخل لنا بصناعته، ولكنه يتجوهر بالمعرفة والممارسة. وأرواح الكتاب على أنواع خمسة:
1 –الأرواح النحلية
وهي الأرواح التي تقع على أزهار الحياة وتبدع العسل بكل أنواعه، وهي روح المبدع. ولم لا يعلم فإن روح الإبداع لا تُعلم، والعبقرية لا تعلم. ولهذا فإن المبدعين قليل. فالفلاسفة والشعراء والأدباء من كل الأنواع والفنانون التشكيليون ومؤلفو الموسيقى لا يشكلون إلا نسبة قليلة في كل مجتمع وفي كل مرحلة من التاريخ.
2 -الأرواح النملية
وهي التي تجمع الزاد من هنا وهناك وتختزنه في وكرها، وهي أرواح الأكاديمين المتخصصين بفرع من فروع هذه المعرفة أو تلك فيستظهرونها عند الضرورة .
والأرواح الأكاديمية صناديق معرفية ضرورية للتعليم، ونقل المعرفة إلى الآخرين، وقد يخرج من هذه الأرواح النملية من باستطاعته أن يحول ما في وكره إلى أساس لقول غير مألوف. ولا ينضم إلى هذا النمط من الأرواح المبدع الأكاديمي، لأن الإبداع فيض والأكاديمية مهنة. وليس كل مبدع مبدع أكاديمي وليس كل أكاديمي مبدع. أما إذا اتحدت الروح النحلية مع الروح النميلة في روح واحدة فتزداد الروح المبدعة تألقاً. وإذا ظلت الروح النملية على ما هي عليه فكل ما تفعله هو أن تضع على الورق ما جمعته في وكرها.
3 -الأرواح البعوضية
وهي الارواح التي تمتص من دماء نصوص الآخرين ما تستطيع، ثم تعود لتتقيأ هذه الدماء على الورق، بلغة عادية وتنسبها لنفسها لتعتاش منها. وغالباً ما تعود الأرواح البعوضية، تجملاً إلى أوردة من لهم حضور، وبخاصة إلى من لهم حضور عالمي، فتحملهم شهوة الحضور على عرض دماء أصحاب الأسماء الأثيرة لدى الجمهور. ومن سمات الأرواح البعوضية قدرتها على التلاؤم مع الطقس.
4 -الأرواح الذبابية
وهي التي تسكن المزابل وتقتات من الأوساخ والعفن المعتق فتكتب وسخها. وهي أرواح بلا ذاكرة، ولهذا يسهل عليها مدح مذمومها، وذم ممدوحها دون أن يرف لها جفن، وهي لا تميز بين وقوفها على الحلوى ووقوفها النفايات. لأنها فاقدة لحاسة الذوق البيولوجي والاجتماعي معاً.
5 -الأرواح الوطواطية
وهذه الأرواح لا عيون لها تعيش في الكهوف وتمتص من أوردة الحيوانات، فلا يستغربن أحد عشق الوطاويط هذه للعتمة، إنها الفضاء الوحيد الذي يجيد فيه الكاتب الوطواط الطيران. ولهذا تراه العدو الأكبر للنور وللمعرفة وللحقيقة وللحق وللإنسان، أجل فهذا الفأر ذو الجناحين الفاقد للعينين وقد أدمن الإقامة في الظلام لا يخشى إلا الحرية. فتراه يطلق أول ما يطلق من رصاص على هذه القيمة الكبرى، إنه العدو المطلق للإرادة الحرة والمدافع الفج عن الاستبداد، فعالم الاستبداد عالمه، والعالم الراكد بيته، والفساد السياسي إهابه، إن سمع صوتاً ينادي بالحرية ارتعد، وإن صرخ المضطهدون: “الديموقراطية… الديموقراطية” راح يشرح للبشر ضرورة الفساد وضرورة دولة الإكراه، وإن رسم مفكر حر صورة للحلم الإنساني، هبّ مدافعاً عن الواقع التعس بوصفه أفضل العوالم الممكنة، عارضاً واقعيته الآسنة مقابل يوتوبيا أولئك الذين يحملون الأرواح الوطواطية كاتبة الهراء بلا منازع.