العربي الآن

فرحة الصحفي بسقوط مجرم قتل أبناء وطنه: هل يمكن أن أضحك بضمير مهني مرتاح؟

بلال الخلف – العربي القديم

في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بسوريا، يبقى دور الصحفي محورياً في نقل الأحداث والحقائق كما هي، دون تحيز أو تلاعب. ولكن، ماذا يحدث عندما تكون تلك الأحداث مرتبطة بشخصيات كانت سبباً في معاناة ملايين السوريين مثل حسن نصر الله؟ هل يستطيع الصحفي السوري أن ينقل خبر مقتله بتجرد كامل، أم أنه سيكون مجبراً على الاستجابة لمشاعر الفرح التي تعتمل في قلوب العديد من أبناء وطنه؟

إن الشعور بالفرح الذي ينتاب السوريين بعد مقتل نصر الله ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو تعبير عن سنوات من الألم والدمار الذي تسبب فيه. لذا، فإن الصحفي الذي ينقل هذا الخبر يجد نفسه في موقف حساس، حيث يتعين عليه الموازنة بين متطلبات واجبه المهني في تقديم الحقائق، وبين المشاعر الإنسانية العميقة التي تعكس تطلعات وآمال الشعب السوري في مستقبل أفضل. فهل يُلام على إحساسه بالفرح في هذه اللحظة، أم أنه يجب عليه الالتزام بنزاهته كمراسل؟ هذا التساؤل يطرح تحدياً حقيقياً أمام كل صحفي يسعى لنقل الحقيقة في سياق إنساني معقد.

إن موقف الصحفي السوري في هذه اللحظة يعكس التوتر بين الأخلاق المهنية والعواطف الشخصية. فمن جهة، عليه أن يقدم الخبر بشكل موضوعي، بعيدًا عن الانفعالات والمشاعر، مراعياً القيم الصحفية التي تدعو إلى النزاهة والدقة. ومن جهة أخرى، فإن خبر مقتل نصر الله، الذي كان رمزًا للقمع والهيمنة، يلامس جراح الشعب السوري وذكرياتهم الأليمة. لذلك، لا يمكن للصحفي أن يتجاهل الأثر العاطفي لهذا الحدث على مجتمعه.

قد يُنظر إلى الصحفي الذي يعبر عن مشاعر الفرح بمقتل نصر الله على أنه جزء من الجماهير، يشعر بآلامهم وآمالهم، مما يجعله أكثر قرباً من حقيقة ما يجري. ولكن في الوقت نفسه، قد يتعرض للانتقادات من زملائه أو من المؤسسات الإعلامية التي تفضل التزام الحياد. لذا، يجد الصحفي نفسه في دائرة مغلقة، حيث يجب أن يوازن بين صوت ضميره ومقتضيات مهنته.

قد يعتقد البعض أن التعبير عن الفرح في هذه الحالة هو نوع من الإخلاص للمبادئ الإنسانية، بينما يراه آخرون خطأً مهنياً. في النهاية، يجب على الصحفي السوري أن يقرر بنفسه كيف يترجم هذا التعقيد في كلماته، ويختار الطريقة التي يمكن أن تعبر عن حقيقة ما يعيشه الشعب في هذه اللحظات الحاسمة، فالعالم اليوم يحتاج إلى قصص تروي الألم والأمل على حد سواء، وتجسد إنسانية الناس في أوقات المحن.

ففي عالم يُفترض أن يلتزم فيه الصحفيون بالتجرد والموضوعية، لا يبدو أن الموضوعية مجرد شعار يرفع… وحالات خرقها تبدو جزءاً من إعلام يتحول إلى بروغاندا وأداة… وخصوصا حين يدخل المال السياسي على الخط.. فيصبح الصحفي مطالباً بأن يترجم أحندة الممول…

في الحالة السورية القصة لا ترتبط بالتمويل الذي يخرق الموضوعية، بل بالحالة الوطنية…  ويظهر السؤال مرة أخرى: هل يُلام الصحفي السوري الذي يشعر بالفرح بعد مقتل نصر الله، كأنه قد ارتكب خطيئة؟ يبدو أن القواعد الصحفية تتعطل أمام اللحظات الاستثنائية، كأننا نعيش في مسرح كوميدي حيث البكاء ممنوع والفرح مُصنَّف كجريمة! كيف يمكن لشخص أن يتجاهل شعور الفرح الذي يعتمل في قلبه، وهو يشهد نهاية أحد ألد أعداء بلده، بينما يُتوقع منه أن يتصرف كما لو كان آلة بلا مشاعر؟ أليس من الأجدر أن يُسمح له بالتعبير عن فرحه كأي إنسان عادي، بدلاً من تقمص شخصية المحقق الممل الذي يحقق في جريمة بينما يشعر في داخله بشغف الحياة؟ في هذه الفوضى، يبدو أن القاعدة الوحيدة التي يجب أن يتبعها الصحفي هي أن يكون إنسانًا أولاً، وناقلًا للحقائق ثانيًا.

في ختام المطاف، يبدو أن الصحفي السوري محاصر بين رغبة القلب وواجب العقل، كأنه يتجول في حقل ألغام عواطف البشر. فما بين الفرح بمقتل طاغية والخوف من انتقادات الزملاء، يتساءل: هل عليه أن يعتذر عن إنسانيته، أم أن يبتسم ويقول “آسف، لكن هذه هي الحقيقة!”؟ في عالم الإعلام، حيث تتحول المشاعر إلى موضوعات للجدل، قد يصبح الفرح جريمة، لكن لا عجب إذا كان الفرح هو سلاحنا في مواجهة الألم. أليس من الجميل أن نعيش بإنسانيتنا، حتى لو كانت على حساب قواعد ليست أكثر من حبر على ورق؟

زر الذهاب إلى الأعلى