لبنان وإيران: هل هي نهاية مشروع خامنئي التدميري
نهاية هيمنة خامنئي على القرار السيادي في لبنان ليست مجرد احتمال وحسب، بل حقيقة تتشكل أمام أعيننا.

د. عاصم عبد الرحمن– العربي القديم
عانت بلاد الأرز طويلاً جراء التعقيدات السياسية التي عرفتها وتدخلات الخارج التي أعاقت سلوكها مسار الدول الحديثة رغم الإمكانات. يقف لبنان اليوم على أعتاب تحول عظيم، انتخب جوزيف عون رئيساً للجمهورية مطلع العام الحالي وشكلت حكومة برئاسة القاضي الدولي نواف سلام وهما ينتميان إلى المحور العربي السعودي والغربي ما يظهر بوضوح علامات انتهاء سيطرة النظام الإيراني على لبنان واستعادة قرار الدولة المختطف منذ عقود. هذه التغيرات لا تعكس رغبة الشعب اللبناني في التحرر من النفوذ الإيراني وحسب، بل تتسق أيضاً مع طموحات الشعب الإيراني في تغيير النظام ووضع حد لسياسات طهران التوسعية التي ترتد سلباً على واقع الإيرانيين الداخلي.
الرئيس اللبناني: نحو السيادة الوطنية
عُرف جوزيف عون خلال توليه قيادة الجيش بمواقفه المحايدة والمهنية في علاقاته مع القوى السياسية والحزبية وانحيازه الصارخ إلى جانب الشعب والمؤسسة العسكرية على السواء. في خطاب القسم، أكد على احتكار الدولة للسلاح ما اعتبره كثيرون إشارة غير مباشرة إلى نزع سلاح حزب الله، الذراع العسكرية للنظام الإيراني في لبنان. وبدعم دولي واسع من الولايات المتحدة والسعودية، أظهر عون أن أولويته هي استعادة السيادة الوطنية وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة المرتبطة بطهران. هذا الموقف لا ينسجم مع رغبة اللبنانيين في إنهاء هيمنة حزب الله وحسب، بل يوجه رسالة واضحة لحكومة خامنئي: “لقد انتهى عهد سيطرتكم على لبنان”.
حكومة سلام: ردع الحزب عن الهيمنة
شكَّل نواف سلام في شباط الفائت حكومته التي رفعت شعار “الإصلاح والإنقاذ”، حكومةٌ فقد فيها حزب الله وحلفاءه “الثلث المعطل” الذي كرسه اتفاق الدوحة بقوة أحداث 7 أيار والقمصان السود منذ العام 2008. هذا التغير الهيكلي الذي رافقه تقليص عدد الوزراء المقربين من الحزب إلى أقل من ثلث الحكومة، يعكس عزم لبنان على النأي بنفسه عن النفوذ الإيراني. سلام، وفي الإعلان عن برنامجه الحكومي، شدد على الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الإعمار بعد الحرب، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وأبرزها القرار 1701؛ وهي أهداف تتطلب جميعها الحد من دور حزب الله وإنهاء تدخلات طهران في لبنان، هذه الخطوات التي لاقت ترحيباً دولياً، تؤكد على حقيقة أن لبنان لم يعد يرغب في أن يكون ميداناً لمعارك إيران التفاوضية وطموحاتها التوسعية.
اللبنانيون: لإنهاء التدخلات
يطلق الشعب اللبناني الذي أثقلته السنوات الاقتصادية والسياسية والأمنية العجاف والناجمة عن الدور السلبي للأذرع الإيرانية، صرخة مدوية: “للتحرر من الهيمنة الخارجية”. إن ما رافق احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 التي ترددت فيها شعارات ضد حزب الله وداعميه في طهران ولاحقاً الترحيب الشعبي الواسع الذي أحدثه انتخاب عون وتكليف سلام، يعكس إجماعاً لبنانياً حول عدم تقبل بلادهم بعد اليوم بأن تكون أداة بيد النظام الإيراني لتحقيق أهدافه الإقليمية والمطالبة بدولة لبنانية مستقلة تقرر في بيروت لا في طهران.
ليس بعيداً عن لبنان واللبنانيين يتقاسم الشعب الإيراني الحلم نفسه. عقود من القمع والفساد وسياسات التدخل التي ينتهجها نظام خامنئي أرهقت الإيرانيين. الاحتجاجات الشاملة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك حراك “المرأة، المقاومة، الحرية” في العام 2022، أظهرت أن الإيرانيين لا يريدون إسقاط النظام الحالي وحسب، بل سئموا من إنفاق موارد بلادهم لدعم جماعات مثل حزب الله والحوثيين. وهم يدركون أن نفوذ النظام في لبنان لا يخدم إيران ولا حتى لبنان، بل هو مجرد أداة للحفاظ على سلطة حكام طهران. هذا التقاطع في أماني الشعبين اللبناني والإيراني لإنهاء هذه السيطرة يمهد لتضامن غير مسبوق قد يؤدي إلى انهيار هيمنة نظام الإيراني في المنطقة عبر مجابهة الأذرع المرتبطة به إلى حين القضاء على دورها السلبي التدميري.
دلائل القيامة
هناك أسباب عديدة تؤكد على أن نفوذ النظام الإيراني في لبنان يتهاوى:
– أولاً، الدعم الدولي لعون وسلام المقترن بالضغط على حزب الله لنزع سلاحه، قد قيّد يد طهران في بيروت بسلاسل المواجهة والسيادة.
– ثانياً، الضعف الداخلي للنظام الإيراني نتيجة الأزمة الاقتصادية والاستياء العام قلّص من قدرته على الاحتفاظ بنفوذه في دول أخرى، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي لطالما شكَّل رئة المحور الإيراني وبوابته الاستراتيجية للتوسع في المنطقة، ووصول حكومة مناهضة لطهران بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
– ثالثاً، إرادة الشعبين اللبناني والإيراني، اللذين لم يعودا مستعدين لقبول هذا الوضع وبالتالي المضي قدماً نحو التحرر ما يشكّل قوة لن تُقاوم.
هذه العوامل مجتمعة إنما توحي أن نهاية هيمنة مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي على القرار السيادي السياسي في لبنان ليست مجرد احتمال وحسب، بل حقيقة تتشكل أمام أعيننا.
يقف لبنان وإيران اليوم عند منعطف تاريخي، فبالإضافة إلى مواقف جوزيف عون ونواف سلام الحاسمة حيال بسط سلطة الشرعية، فإن إرادة الشعب اللبناني مهدت الطريق لإنهاء سيطرة طهران. أما الشعب الإيراني فقد عقد العزم على ما يبدو على تغيير النظام، معتبراً إنهاء تدخلات طهران في المنطقة جزءاً من هذا التغيير، على اعتبار أنه يشد عضده جراء هذه الضغوطات التي يساوم فيها القوى الكبرى كجبهة إسناد غزة في لبنان واليمن، ما يحتم على هذه القوى الاعتراف بحق الشعب الإيراني في نيل حريته وممارسة ديمقراطيته لتتحرر معه دول المنطقة الرازحة تحت ركام مشروع الخامنئي التدميري.