الرأي العام

تفاصيل سورية | مساهمة الأسدية في بناء الدولة السورية

يكتبها: غسان المفلح
لو سألنا تبعا للزوايا السابقة: ما هو حال الدولة السورية بعد حوالي ثمانين عاما من استقلالها عن فرنسا؟ كيف تعمل هذه الدولة؟ كيف تعمل مؤسساتها؟ هل طور البعث هذه الدولة؟ ثم عندما استولى الأسد على البعث والدولة ورسخ مفهوم دولة البعث، ماذا فعل الأسد بهذه الدولة أيضا؟
وهل بقيت دولة بعد التوريث؟ التوريث الجملوكي. إنها الجمهورية العائلية. لا يمكن أن تقبل الدولة تغيير قانون نشأتها نفسه!

 أن تتحول من جمهورية إلى ملكية دون موافقة مواطنيها. وصلت الأسدية إلى مرحلة هي التي تعين كل مسؤول في الدولة بما فيها رئيسها عبر التوريث.  لنلاحظ أن في كل محافظة ستة مندوبين سامييّن أسديين:
الأول: رئيس فرع المخابرات العسكرية.

 الثاني: رئيس فرع أمن الدولة.

الثالث: رئيس فرع الأمن السياسي.

الرابع: رئيس فرع الأمن الجنائي أو فرع الامن الجوي أيضا إذا كان المحافظة فيها مطار عسكري او مدني او زراعي!

 الخامس: رئيس فرع حزب البعث. المحافظ كونه المندوب.

السادس: يكون حكما عضوا في قيادة فرع البعث في المحافظة.

هؤلاء يتوزعون حكم المحافظة أي محافظة. التقسيم الطائفي رئيس فرع الحزب من أبناء المحافظة، المحافظ من خارجها. أم الفروع الأمنية فحكما بالغالب ينتمون للطائفة العلوية. السؤال الآن: أين حضور الدولة في كل هذا؟ قادة الفروع الأمنية لديهم صلاحيات شفهية غير مكتوبة باعتقال أي موطن وحبسه لمدة زمنية غير محددة. يتدخلون في كل شيء. مثال:
من يتم تعينه مثلا مدير للصحة او للزراعة او للتموين في المحافظة..الخ يجب ان يكون متبنى من أحد رؤساء هذه الافرع. هذا التبني شفهي أيضا. تلفونات ولقاءات فوق الطاولة وتحت الطاولة!

 الدولة ومؤسساتها الفعلية لا تعرف هذه الطريقة. هنالك ورق ودواوين. وسجل للموظف الكفؤ وغير الكفؤ. هذه ليس معترفا بها من هؤلاء. المهم يجب أن يكون الرجل إما مخبراً أو راشياً. لا يكفي أيضا أن يكون أسديا سياسياً.
من جهة أخرى يجب أن يكون لهؤلاء دورا في اختيار أعضاء ما يسمى مجلس الشعب. أنت تترشح وأنت لا تترشح. عادة لا ينجح مستقل إلا ما ندر.
يروى عن حادثة انشاء معمل المصابيح الكهربائية في حلب التابع لوزارة الصناعة، كان المعمل عبارة عن تسليم على المفتاح من قبل شركة فرنسية. تم تسليمه من قبل هذه الشركة على أساس أن يباع المصباح بنصف ليرة. خلال ستة اشهر تقريبا بلغت كلفة المصباح أكثر من ليرة! الكلفة تزداد والسعر لم يرتفع، فخسرت شركة المعمل. عندما سأل مدير المعمل عن ذلك أجاب: المعمل بحاجة لعدد محدد من العمال والموظفين. الآن هنالك زيادة أكثر من ألف عامل وموظف لا يحتاجهم المعمل، وتدفع لهم الرواتب… فكيف للمعمل أن يربح؟ سأل أيضا من قبل رئيس فرع أمن الدولة بحلب: ولماذا هذه التعيينات؟ أجاب المدير: يا سيدي ضباط فرعكم لوحدهم توسطوا لأكثر من 100 عامل وموظف ليتم تعيينهم دون أن يكون المعمل بحاجتهم. وقس على ذلك رئيس فرع الأمن العسكري والجوي والسياسي وقيادة البعث في المحافظة. هذا المثال يوضح بلا أدنى شك – خاصة بعدما أفلس المعمل ولم يعد ينتج ثم أغلق – كيف تدار الدولة الأسدية. أيضا انتخابات رؤساء البلديات في القرى والمدن يجب أن يتم اختيارهم بنفس الطريقة تقريبا. وفيما بعد تجري الانتخابات عليهم، وسينجح من رشحه البعث.
تليفون من رئيس الفرع لأي مدير كي يعين فلاناً أو علاناً. في محافظة الرقة بعد الثورة تم اكتشاف أكثر من 1500 مدرسة ومدّرس يقبضون رواتبهم ولا يداومون في مدارسهم، بل يأتون كل رأس شهر ويقبضون راتبهم ويعودوا إلى قراهم في محافظات أخرى. غالبا المدرسات يكن زوجات ضباط! هذه حال الدولة الاسدية.

أما لو جئنا إلى العاصمة دمشق، سنشاهد هذه الأمثلة في كل دوائر الدولة. حتى دراما النظام الأسدي تسخر من أن الموظفات يطبخن طبختهن في الوظيفة ويحملنها للمنزل بعد الدوام! انتشار الرشوة أفقياً وعامودياً كان سمة بارزة في دولة الأسد. أيضا دراما السلطة كانت تسخر من هذه الظاهرة، لأنها متفشية في قلب العاصمة فما بالكم في بقية المحافظات؟

هذه العينات تحتاج لدراسة وبحوث لوحدها كي نعرف بالضبط جانبا من جوانب الإجابة عن سؤال: إلى أين أوصلت الاسدية ما يسمى الدولة السورية وأجهزتها. تحت عنوان المحسوبية والرشوة يمكن لنا أن نجد العامود الأساسي لمساهمة الأسدية في بناء الدولة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى