فنون وآداب

مسلسل (مال القبان): كليشهيات جاهزة لصراعات تدخل إلى سوق الهال

العربي القديم- أحمد صلال  

تمثل دراما البيئة الشامية، مرتعاً للحكايات الساذجة والمتخيلة في أذهان كتاب لا ينتمون إلى دمشق ولا يعرفون بيئتها التي كانت في تلك الأزمان التي يكتبون عنها، وهي اليوم مكاناً يعيش فيه الشر صراعاته الشتى التي يمكن فبركتها بسهولة وإلباسها لبوس البيئة بنمطية مستعارة وجاهزة دون كثير جهد أو عناء… من هذه الزاوية يمكن مقاربة العمل الدرامي السوري (مال القبان) “بطولة الممثل  بسام كوسا وسلاف فواخرجي وتأليف وسيناريو وحوار كل من علي وجيه ويامن الحجلي ومن إخراج سيف الدين سبيعي. لنكتشف في السيناريو والحوار، المسارات غير المتوازية، والأسس غير الموضوعية التي تحكم معالجة الموضوع، وعدم تطور تقنيات السرد الدرامي التي لا تقدم فنية مختلفة عن المطروق المستهلك، بل والممجوج في هذا اللون الدرامي الذي أشبع فبركة وتلفيقا وتدليساً وسفالة.

حبوب بندول دراما الفروع الأمنية

لولا الخشية من التصنيف المبكر؛ لأمكن القول أن المسلسل السوري (مال القبان)هو الأسوء مما شهدناه في دراما شهر رمضان الفضيل، إذ يقدم حكاية ضيقة الأفق والدلالات بقيادة شخصيات عجزت على أن تكون من لحم ودم، وفي إطار بصري غير ناضج يمكن أن نفهمه حسه التقني التنفيذي كونه – باختصار – يحمل توقيع سيف الدين السبيعي.  سرد غير هادئ، لا يدرك فن زج الحدث المحرك في اللحظة المناسبة للدفع إلى الأمام، مع غياب العمق في التعامل مع الأشياء والشخصيات وظلالها. وتغييب التداعيات عن الأفعال المباشرة. كذلك المآلات الإنسانية تحت تأثير الظروف والتقلبات.

خضعت الدراما الحديثة خلال سنوات حرب بشار الأسد ضد الشعب السوري، لتحول كبير يعكس تغير المشهدية الثقافية والفنية التي كان الجمهور السوري يتأمل بها خيراً وهو يراها تحاول أن تعبر بجرأة عن مضامين انتقادية قبل اندلاع الثورة. بعد تفجر الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير والخلاص من الحكم الوراثي الاستبدادي انكشف زيف هذه الدراما وصناعها الذين استداروا فجأة ليصوبوا سهامهم نحو القيم المجتمعية وأمال الناس بالتغيير، ويلمعوا صورة النظام القاتل التقدمي الذي يقاوم همجية مجتمع سلفي ومتخلف، ولتعلن هذه الدراما بمن تبقى من صناعها الصغار عن برنامجها كأداة طيعة في يد الديكتاتورية الأسدية وكانعكاس للطبيعة المضطربة والديناميكية للعصر الدرامي السوري الذي يغطي على كل جوانب الثقافة الأصيلة…  هذه الحال تتعمق في العديد من النماذج مثلما تتعمق في سيناريو مسلسل (مال القبان) وصراعاته البائسة داخل سوق الهال الدمشقي، مما يجعله – رغم أنه يختار مكانا جديدا للصراع هو هذا السوق – يجتر نفسه وحكايته في إطار التقليدي والمطروق من الصراعات ذاتها والشخصيات ذاتها؛ كحبوب بندول توزعها دراما الفروع الأمنية علينا، غير قادرة على ابتكار تقنيات سرد مبتكرة لكيفية الإمعان في تشويه الذاكرة الشعبية الدمشقية على أيدي أناس جهلة لا يعرفون شيئا عنها، ولا عن حياتنا السوداء في كل شهيق وزفير غير نظيف يقوله السيناريو والحوار، ومساحة ضيقة في التعبير والاستكشاف الموضوعي. بالإضافة إلى ذلك ظهور سيناريوهات أمنية الرسائل والمقولات، تضيق فضاءات النصوص وتغيّب العمق النفسي للشخصيات ولا يخرج عن الأطر التقليدية المثيرة للضجر.

لا ينجح علي وجيه ويامن الحجلي بحمولات السيناريو والحوار ولا كاميرا السبيعي التصويرية بحسها التنفيذي المسطح  في جعل سوق الهال عالماً مفتوحاً على مصارعيه ودلالاته الإنسانية والمهنية والبيئة. بل يقدم كعالم سفلي  يمتلك لوازمه المفرطة في العنف والغائبة عن الوعي، حيث نجد النفوس النجسة، ولكن هل هذه النجاسة  نحن المساكين والمغترين سببها، يبقى الدافع وخفاياه غير مطروق”ما في شيء محرز” حديث عن نفوس جائعة وبطون فارغة، ولا حديث في المباشر؛ عما يحيط بهذا الجوع ولا ما يدفع إلى هذا الشر وتلك الدناءة!

هل يخرج بسام من جلده وتنجو سلاف من وسوسة المعارضة!؟

بدايةً أبدي رأي النقدي بدور الممثل بسام كوسا في مسلسل”مال القبان “؛ المنافسة الدرامية القوية في الموسم الرمضاني الحالي التي يقول البعض إنها الأشرس والأكثر عنفاً، وأتحدث هنا  عن توقعاتي حولها، بدايةً، قائلاً: “الخروج من الجلد”، وعدم الوقوع في مقتل، يحتاجان إلى قرار يشبه العقرب قبل أن يلدغ نفسه. هكذا أفكر بالأدوار التي يجب التفكير بها ملياً و طويلاً  قبل الولوج فيها. ويجب أن يؤمن الفنان الممثل؛ بأن جميع الأبطال موجودون في الساحة، وبأن المحتوى النصي للدراما جريء وشيق بسبب وجود أزمات في المنطقة، وبأن السيناريوهات تحاكي الواقع وتضيء على مواجع الألم وموقعه في جسد المواطن التائه في وطنه. وبما أن جميع الأبطال متواجدون في ساحة الملعب، فإن البطل هو من يتميز بجدارة ويخرج من جلده كي لا يقع في التكرار المكشوف والمفضوح، أما المشاهد فأصبح حكماً “مربكاً.. وبسام للأسف بات من هذا التكرار المكشوف والمفضوح. هكذا أرى بسام كوسا الممثل الفني الدرامي الستار… أما سلاف فواخرجي  فلا أراها أكثر من كولاج فني مصطنع يصنع بسمة سوداء حول المفهوم الذي آل إليه التمثيل النسائي المرتكز على وجه جمال وقوام وانفعالات لا أكثر. النكتة هي أن إنفعالات سلاف لاتقبل دور المعارضة ولو على سبيل التمثيل، إنها موالية لكل أنظمة الحكم لدرجة انها ترى في المعارضة شراُ يجب اجتنابه حتى في التمثيل… فيأتي أداؤها: معارضة تحاول ان تقاوم وسوسة شياطين الديمقراطية!

مسلسل “مال القبان”، عمل درامي بصراعات ملفقة، لكاتبين باتا ينتجان كلاشيهات جاهزة مهما تغيرت أمكنة الصراع الدرامي بين هذا المسلسل أو ذاك.  دراما  بلا حياة وحيوية ودصق، تحاول أن تصور ألما وقهرا ووجعا اجتماعياً… لكن عير  وجع درامي كاذب.

زر الذهاب إلى الأعلى